أرامل صدام والقذافى يشقون صف العرب.. صباحى يهاجم السعودية وينحاز لقطر.. خالد على يوظف تمويلات الدكاكين الحقوقية للنيل من أمن المنطقة.. ومحاولات مشبوهة من الناصريين لتقويض جهود التوافق بين القوى الفاعلة إقليميا

الأربعاء، 14 يونيو 2017 11:09 م
أرامل صدام والقذافى يشقون صف العرب.. صباحى يهاجم السعودية وينحاز لقطر.. خالد على يوظف تمويلات الدكاكين الحقوقية للنيل من أمن المنطقة.. ومحاولات مشبوهة من الناصريين لتقويض جهود التوافق بين القوى الفاعلة إقليميا حمدين صباحى
كتب هانى محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبل ستة عقود من الآن كانت الظروف السياسية والاستراتيجية مواتية لولادة نزعة قومية، العالم يدخل مرحلة تحرر وطنى كبرى، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى يتصارعان صراعا متكافئا على قيادة العالم، وقائمة طويلة من القوى الصاعدة تبحث عن موطئ قدم فى العالم الجديد، ظهر جمال عبد الناصر وتبنى فكرة القومية العربية، بنى زعامته على جهود عميقة لتوحيد المنطقة وتحييدها فى الصراع الدائر عالميا، والالتفات لتقويتها وبناء جبهاتها الداخلية، وسعى فى الوقت ذاته للحضور الفاعل على الساحة الدولية، عبر تدشين مجموعة دول عدم الانحياز، مع الزعيم اليوغوسلافى تيتو، والزعيم الهندى نهرو، وعدد من القوى الناهضة، ونوعا ما عبرت سفينة الدول النامية، وفى القلب منها القوى الإقليمية فى المنطقة العربية، عبورا محدود الخسائر، ليس عظيما وناجحا تماما، ولكنه ليس سيئا على كل حال.

 

الآن يمر العالم بظروف مغايرة تماما، لا صراع بين قوى كبرى عالميا، الاستقرار الدولى على المحك والإرهاب له الصوت الأعلى، مع حزمة من الدول والحكومات الإقليمية التى تتولى مهمة الوكالة عن قوى عالمية وأجهزة استخبارات تستهدف تفكيك المنطقة وإعادة بنائها بصورة جديدة، وفى سبيل هذا تحتضن التيارات المتطرفة وتمول الميليشيات الإرهابية فى جبهات الصراع المفتوحة عربيا، ووسط هذه الحالة لا يمكن الحديث عن صلاحية أجندة عبد الناصر وخطابه القومى الاشتراكى، وفى الوقت ذاته لا يمكن القفز على ضرورة وإلحاح الوصول لصيغة توافق والتئام عربى جادة وعصرية، تحفظ المنطقة من الرياح المسمومة، لا تترك قواها فرادى لتعصف بها العواصف، ولا توحدها فى كتلة واحدة فيسهل القضاء عليها وإسقاطها بضربة واحدة.

 

 

حمدين واليسار.. خطاب رجعى وممارسة سياسية مشبوهة

 

الظرف المركب الذى تمر به الساحة العربية، يشتمل على إشكالات وبؤر صراع عدة، لا تحتاج كثيرا من التدقيق لاستكشاف فداحة ما يكتنفها من مخاطر وتهديدات، ولكن يبدو أن كهنة الخطاب الناصرى القومى، وخطاب الاشتراكية الأممية، لا يرون الصورة فى حقيقتها، أو يرون ويتغاضون، ويسيرون وفق غرض آخر غير معلن.

 

عقب ثورة 25 يناير والإطاحة بحكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستغلال جماعة الإخوان الإرهابية لظروف المرحلة وما سيطر عليها من ارتباك، كانت الرؤية الناضجة تقتضى الخروج بمدونة واحدة وناضجة للقوى السياسية المصرية، إن كانت تسعى بحق لإحداث تغيير إيجابى وصيانة مقدرات الدولة المصرية ومصالحها وأمنها، ولكن القوى المتصارعة داخليا على أرضية معقدة من الانتماءات والولاءات الضيقة والمصالح الشخصية، أنتجت خطابا رجعيا مشوها، يحاول إعادة استنساخ الماضى وفق منطقه المعتل وظروفه التى لم تعد قائمة، وأنتجت ممارسة عملية وحركة فى المجال العام لا تخلوان من الشبهات، فكان طبيعيا وفق هذه التناقض وصراع المصالح أن تجد حمدين صباحى وخالد على وأبو العز الحريرى، أبناء المساحة الأيديولوجية نفسها تقريبا، متنافسين فى أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، وأن يكون صراعهم هذا بوابة الإخوان الذهبية للقفز على السلطة والوصول برجلها المتهم بالتخابر، محمد مرسى، لقصر الاتحادية.

 

أداء حمدين صباحى السياسى خلال السنوات الأخيرة، عقب الثورة وقبلها، يثير علامات استفهام عديدة، لا إجابات مقنعة ومنطقية عليها، المعلومات المتوفرة من داخل مصر وخارجها تشير إلى علاقات وطيدة جمعت الرجل بالرئيس العراقى الراحل صدام حسين، والرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، وتمويلات وشيكات بملايين الدولارات لحساب صباحى وبعض معاونيه من دوائر السياسة والإعلام الناصرية، بعضها كان بحجة دعم النشاط السياسى للناصريين واليسار فى مصر، وبعضها لدعم جهود القوى السياسية المصرية فى مساندة القضية الفلسطينية، وجانبها الأكبر راح فى اتجاهات غير معلومة، يقال إن إحداها كان تأسيس ما عُرف بمركز إعلام الوطن العربى "صاعد" الذى كان بمثابة وكالة أنباء ومركزا بحثيا سخى التمويل والإنفاق، ويعمل وفق توجيهات مباشرة من صدام والقذافى.

 

خالد على لم يحل بعيدا عن هذه المساحة من التتاقض، بين خطاب رجعى ممزوج بادعاء التقدمية، وممارسة عملية مشبوهة، ربما بدأت فى المجال العام بترشحه للرئاسة مع يقينه فى حظوظه المتواضعة أو شبه المعدومة فى السباق، وتواصلت لاحقا مع مسلسل لا ينقطع من التخبط والانحيازات الرمادية، بين دعم جماعة الإخوان الإرهابية ومساندة بعض عناصرها المتورطة فى جرائم إرهابية، واعتباره ثورة 30 يونيو العارمة انقلابا عسكريا، وفى الوقت ذاته هجومه المتواصل على مؤسسات الدولة، الأمنية منها بشكل خاص، واتخاذ العمليات الإرهابية فى سيناء ومحافظات أخرى، قاعدة للهجوم على الدولة بشكل لا يحمل داخله أى احتمال لتوخى ضبط الأداء وإحكام المعركة، وإنما ينحصر فى دائرة المزايدة والمكايدة السياسية وإشاعة خطاب تشكيك وعدم ثقة، لا يشمل داخله أى إدانة لميليشيات الإرهاب، أو اعترافا بصعوبة الحرب وتعقدها وضرورة الاصطفاف الوطنى فيها، ولكن هذا التناقض الظاهر لم يكن بداية الحكاية فى قصة خالد على، المنتمى أيديولوجيا للاشتراكيين الثوريين بما يحملونه من خطاب معاد لفكرة الدولة وسلطة مؤسساتها، ودعوة لتفكيكها وتحجيم مؤسستها العسكرية، والمنتمى مهنيا لدائرة النشاط الحقوقى، وما ينطوى عليه من علاقات دولية وتمويلات مالية ضخمة، وبحسب مطلعين على آلية عمل المنظمات الحقوقية فى مصر، يعد خالد على واحدا من الأضلاع الرئيسية فى بناء هذا النشاط، وهو وفق صيغ عديدة يشغل موقع المستشار القانونى لعدد من المؤسسات داخل مصر، إلى جانب تواصله مع مؤسسات دولية وحضوره كواحد من أهم بوابات منح الموثوقية الدولية للمؤسسات المحلية وجهات التوصية بالدعم والتمويل.

 

أرامل صدام واليسار.. من الخطاب القومى والأممى لوكالة الرجعية والاستعمار

 

العلاقة بين حمدين وصدام والقذافى، ربما تبدو فى ظاهرها تبنيا جديدا لخطاب جمال عبد الناصر القومى، ولكنها فى جوهرها كانت استجابة لطموحات شخصية لدى الرئيسين الراحلين، اللذين لم يؤمنا بفكرة القومية إيمانا حقيقيا، وتلبستهما روح الزعامة وشهوة السيطرة على خريطة المنطقة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه الآن من مواقف حمدين صباحى، الذى لا يفوت فرصة مؤخرا لترويج خطاب معاد لفكرة التقارب العربى، فخلال وجوده فى نقابة الصحفيين أمس الثلاثاء، ضمن اعتصام محدود اعتراضا على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، هاجم «صباحى» السعودية ونظامها الحاكم، وطعن فى علاقات البلدين، وأطلق تصريحات تضرب فى صلب التوافق العربى ومنظومة التقارب الجديدة، وفى الوقت ذاته سمح بدخول كاميرات قناة الجزيرة القطرية ومكملين الإخوانية، وسجل معها، وقبلها دعم قطر فى الموقف العربى الجامع بقطع العلاقات الدبلوماسية معها عقابا على دعمها للإرهاب، بحسب مقربين منه فى إجابة على سؤال مباشر حول موقف المرشح الرئاسى السابق من تحركات مصر والسعودية والإمارات والبحرين ودول أخرى ضد الدوحة ونظامها.

 

طوال السنوات الثلاثة الأخيرة احتجب حمدين صباحى احتجابا شبه كامل، ظهر مرات معدودة لا تتجاوز ثلاثا، وكان كل ظهور منها يتوافق مع نقطة مفصلية ترتبط بالبعد العربى أو فكرة الأمن القومى لمصر والمنطقة، فى أبريل 2016 ظهر مع توقيع اتفاقية تعيين الحدود، ولم تكن الصورة قد اتضحت بعد، وتبنى خطابا صداميا مليئا بالتخوين داخليا وبالهجوم والشقاق عربيا، وهو الموقف نفسه الذى اتخذه فى الأيام الأخيرة مع مناقشة مجلس النواب للاتفاقية، وبينهما ظهر فى مؤتمر رتبه أنصاره لدمج حزب الكرامة الناصرى مع التيار الشعبى، استعدادا لسباق الرئاسة 2018، وخلاله طرح أسماء المستشار هشام جنينة، الذى يواجه مشكلات قانونية تتعلق بتجاوزه لحدود دوره إبان توليه مسؤولية الجهاز المركزى للمحاسبات، إضافة إلى كونه محسوبا على جماعة الإخوان وحركة حماس التى تنتمى لها زوجته وعائلتها، إلى جانب خالد على ومعصوم مرزوق، نافيا رغبته فى الترشح وتطلعه الشخصى للمنصب، كما فعلها من قبل، وشق الصف الوطنى فى انتخابات 2012 ثم حل ثالثا بعد الأصوات الباطلة فى 2014.

 

على الجانب الآخر، لا يبدو خالد على مالكا لقدرات حمدين صباحى على التخفى والمناورة، التحركات مشبوهة وآلية العمل واحدة تقريبا، ولكن المحامى الشاب يخلص لأفكار الاشتراكيين الثوريين ودكاكين حقوق الإنسان أكثر من إخلاصه أو إجادته للسياسة، فبينما طرح "صباحى" اسمه ضمن المرشحين المحتملين والمقبولين من جانبه فى سباق الرئاسة، يتبنى خالد على موقفا يتهم ثورة 30 يونيو التى كان صباحى أحد مؤيديها، بأنها انقلاب عسكرى، كما خوّن الناصريين ووجههم الأشهر واتهمه بأنه كان أراجوزا فى انتخابات 2014، التى منحته الصناديق مركزا ثالثا فيها بعد الأصوات الباطلة، وهو الأمر الذى ينسجم مع أداء الاشتراكيين الثوريين والمنظمات الحقوقية، الذين يخوّنون الجميع ويطعنون فيهم، يضربون مفاصل الدولة وأجهزتها، وفى الوقت ذاته يضربون قواها السياسية الأخرى من داخلها.

 

خطاب المزايدة السياسية.. لصالح من يعمل اليسار والناصريون؟

 

الصورة العامة تبدو مرتبكة فى أوساط المعارضة المصرية، مساحة التأييد الشعبى التى توفرت لها فى 2011 و2012 تآكلت مع استمرار تخبطها وارتباكها، بين دعم الإخوان والدعوة لانتخاب مرشحها فى إعادة السباق الرئاسى 2012، واتخاذ موقف معاد لخطط الدولة فى مواجهة الإرهاب وموجات الإرهاب المدعومة إقليميا ودوليا، والانحياز لخطاب إقليمى، تركى إيرانى قطرى، مشبوه ومعاد لاستقرار الدولة المصرية، أو خطاب دولى، استخباراتى حقوقى، يستهدف تفكيك هياكل المؤسسات المصرية وتحجيم سيطرة الدولة على مفاتيح قوتها، وإلى جانب تآكل المشروعية الشعبية، خسر الناصريون واليسار كثيرين من معسكرهم، مثل حزب التجمع أقدم المنصات السياسية اليسارية، الذى يرفض خطاب اليسار الحالى، أو الكاتب الصحفى عبد الحليم قنديل، أحد أشرس الناصريين وأكثرهم معاداة لنظام مبارك، الذى يرفض الخطاب الناصرى الحالى، ونماذج كثيرة شبيهة من أفراد ومؤسسات، يضاف لهذا الرؤية السلبية الشائعة بين اليسار والناصريين وموجات التخوين المتبادلة، وعمل كل منهم وفق دائرة توجيهات ومصالح متعارضة فى قلبها الصلب، حتى ولو بدت واحدة فى منطلقاتها وانحيازاتها.

 

الآن يقف اليسار والناصريون موقفا حرجا، الأمور تبدو مكشوفا بشكل أكبر من ذى قبل، ميول الشارع وتفضيلاته تصب فى اتجاهات غير ما كانت تصب فيها طوال السنوات الأخيرة، نوافذ التواصل الدولية وقنوات عبور الأموال تبدو قيد الرقابة أكثر من أى وقت مضى، ولا بديل عن التراجع أو الذهاب فى المخطط لمداه الأقصى، ولو احترقت الأرض خلفهم، ويبدو أنهم انحازوا للاختيار الثانى، فلم يكن أمامهم إلا استغلال اتفاقية تعيين الحدود البحرية كورقة مزايدة سياسية على الدولة، ولكن حتى تكون المزايدة فى صلب الأجندة الخادمة لتوجهات القوى الدولية والإقليمية الساعية لقلب المعادلة السياسية فى المنطقة، أو المنظمات الحقوقية الدولية المستهدفة لتحجيم دور الدولة الوطنية لصالح المنظمات العابرة للحدود والدوائر المتصلة بمراكز الأفكار والاستراتيجيات ومعاقل القوى الاستخباراتية، يحتاج أرامل السياسة المصرية لتطوير الخطاب للنيل من قنوات التواصل وجهود التقارب العربية، والحل أن تُتخذ هذه القضية قاعدة للهجوم على مصر والسعودية فى آن، وفى الوقت نفسه الدفاع عن قطر وتبنى خطاب متصل برؤى تركيا وإيران، وهذا فى الحقيقة ضرب مباشر لمشروع عربى وليد، يتخلص من عيوب تجربة عبد الناصر، ويقفز فى الوقت ذاته على حالة التشرذم والجذر المنعزلة، ولكن يبدو أن الناصريين واليسار لهم رأى آخر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة