لم يعد الحديث عن العلاقة بين الإرهاب والسوشيال ميديا أمرا جدليا، فمع كل حادث إرهابى يقع، ومع كل متابعة يومية لنشاط المتطرفين والمسلحين يتبين أن مواقع الإنترنت والتطبيقات الإلكترونية، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية تلك الجماعات العنيفة للوصول إلى أكبر عدد من الأنصار من ناحية، وتجنيد أعضاء جدد من ناحية أخرى، بخلاف التواصل فيما بينها واستخدامها فى تنفيذ عملياتها الوحشية.
وربما يعتقد البعض أن العلاقة بين الإرهاب والسوشيال ميديا لم تتطور إلا فى الأشهر الأخيرة، لكن تقريرا لصحيفة التليجراف البريطانية صدر فى نوفمبر 2014، رصد حتى قبل أن يصل استخدام الإرهابيين لتلك المواقع إلى ذروته فى الوقت الراهن، المنصات الشعبية لهم فى مواقع عالم لإنترنت.
وفى هذا التقرير، قالت الصحيفة إنه بالنسبة لداعش، فقد تبين أنه بارع فى استخدام منصات إلكترونية مثل يوتيوب وتويتر وانستجرام وتمبلر و"الميمز"، وهى الصور التى يتم تركيبها على جمل أو أحداث معينة، وتطبيقات أخرى للتواصل الاجتماعى. وفى أحد العمليات الإرهابية للتنظيم، كثف من نشاطه فى البث على تلك المواقع ووصلت إلى 40 ألف تغريدة فى يوم واحد فى الوقت الذى كان يتجه فيه إلى الموصل شمال العراق عام 2014.
ويقوم جنود داعش ببث فيديوهات وصور يوميا، يتشاركها المستخدمون العاديين والمنظمات الإعلامية على مستوى العالم.
وقالت التليجراف إن استخدام داعش للهاشتاج مثير للاهتمام، مع تركيزه على رسالة الجماعة ومفاهيم خلق اسم للتنظيم. فقدت وجدت منظمة "المستقبل المسجل" لمراقبة السوشيال ميديا إن داعش نجح فى إنشاء إجمالى 700 ألف حساب تناقش التنظيم الإرهابى.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن تنظيم القاعدة لديه وجود على الإنترنت ممتد منذ حوالى 20 عاما. بينما أصبحت حركة طالبان نشطة على تويتر منذ مايو 2011، فى نفس الشهر الذى قُتل فيه زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، ولها عدة آلاف من المتابعين وفى حسابها @alemarahweb، تنشر طالبان تغريداتها بشكل منتظم، فى بعض الأيام كل ساعة.
وكانت المخابرات العسكرية التشيكية قد قالت إن تنظيم القاعدة ينشر إيديولوجيته بين المسلمين فى أوروبا بشكل أساسى من خلال السوشيال ميديا.
والفارق أن إرهابيى القاعدة يستخدمون الإنترنت لتوزيع المادة دون الكشف عن هويتهم أو للالتقاء فى "الأماكن المظلمة"، بينما لجأ داعش لنهج مباشر خاصة فيما يتعلق بتحميل مقاطع فيديو تصور هجومهم على المدن أو إطلاقهم لأسلحتهم.
ولا يقتصر الأمر فقط على تحقيق الانتشار وبث الرعب والوصول إلى مجندين جدد. بل إن الجماعات الإرهابية تستخدم محرك البحث جوجل وتطبيقات التواصل الاجتماعى كفيسبوك وتويتر لجنى الأموال الوفيرة من خلال سلسلة من الإعلانات.
وقالت صحيفة الجارديان فى تقرير لها فى مارس الماضى إنه فى صدارة المنتفعين من إعلانات "جوجل"، جاء القيادى الإخوانى الهارب وجدى غنيم، الذى قالت إنه جنى 78 ألف دولار من محرك البحث مقابل إعلانات تم وضعها إلى جانب مقاطع الفيديو الخاصة به والتى "تحتوى على دعاية معادية للغرب"، كما ذكرت الصحيفة.
وفى هذا التقرير، كشفت الجارديان أيضا أن متطرفين ودعاة يبثون الكراهية"، ومنهم قساوسة ومؤيدين لتفوق العرق الأبيض، كسبوا 318 ألف دولار على الأقل من إعلانات حكومية بريطانية وأجهزة منزلية وضعها جوجل بجانب مقاطع الفيديو الخاصة لهؤلاء على يوتيوب.
ويقدر خبراء أن جوجل، والذى يمتلك يوتيوب، جنى 149 ألف دولار من المعلنين لأجل وضع الإعلانات بجانب المحتوى غير المناسب، إذ لم تكن الشركات المعلن عنها ترغب فى ظهور علامتها التجارية بالقرب من فيديوهات تحوى خطاب كراهية، بحسب الصحيفة.
وفى تحقيق لصحيفة التايمز البريطانية حول نظام الإعلانات فى يوتيوب، وجدت الصحيفة أن قناة وجدى غنيم على يوتيوب "Wagdy0000" هى الأكثر شعبية بين القنوات المتطرفة على الإنترنت وأكثرهم تكسبا من نظام جوجل الإعلانى الإلكترونى والذى يستعمل الخوارزميات، فلدى غنيم 207 ألف مشترك ومجموع مشاهدات فيديوهاته هو31 مليون مرة.
وحظرت بريطانيا وجدى غنيم من دخول البلاد منذ 2009 لأنه يسعى "لتحريض الآخرين لارتكاب أعمال إرهابية أو تبرير أو تمجيد العنف الإرهابى"، طبقا للجارديان التى سحبت إعلاناتها من جوجل ويوتيوب إثر اللغط.
ويجنى أصحاب قنوات يوتيوب أمثال غنيم حوالى 4.18 دولار لكل ألف مرة يتم فيها مشاهدة المحتوى. وأوضحت الجارديان إن من المستحيل أن يعلم طرف ثالث دخل غنيم وغيره من المتطرفين بالضبط لقاء الإعلانات التى تبرز إلى جانب فيديوهاتهم أو أثناء مشاهدتها، ولكن جوجل يرسل بتقرير تفصيلى للدخل لأصحاب القنوات.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت بدورها تقرير عن الآثار السيئة لفيس بوك. وإلى جانب الحديث عن أنه يجعل رواده أكثر تعاسة، قالت الصحيفة إن المحتوى المتطرف الذى يتم تداوله يظل أحد مخاطر موقع التواصل الاجتماعى الأشهر ، حيث يتيح الموقع توفير منصات إلكترونية لتنظيمات إرهابية من بينها تنظيم داعش وما يتبعه من مليشيات مسلحة، فضلاً عن نشر مقاطع فيديو تظهر وحشية تلك التنظيمات وتساهم بدورها فى جلب اعلانات بفعل المشاهدة المتكررة لهذا المحتوى.
وفى ظل كل هذه التقارير والواقع الذى يثبتها، تتزايد الدعوات فى العديد من الحكومات وأجهزة الاستخبارات والأمن الأوروبية لتغريم مواقع التواصل الاجتماعى وأبرزهم "فيس بوك"، بسبب تمويلها لتنظيم داعش وما يتبعه من مليشيات إرهابية حول العالم، حيث سبق أن طالبت ألمانيا بتغريم مسئولو فيس بوك لمساهمته فى تقديم تمويل لكيانات إرهابية عبر الاعلانات.
ويطالب المشرعون والمنظمون للقوانين فى أوروبا فضلا عن نظرائهم فى الولايات المتحدة، شركات التكنولوجيا باتخاذ خطوات إضافية فى مواجهة التهديدات المحتملة. وبالنسبة للكثيرون من صناع السياسة، فإن هذا تضمن فتح تشفير تطبيقات رسائل مثل واتس اب وتليجرام أمام وكالات الأمن القومى عندما يحققون فى أنشطة إرهابية.
وكان وزير الخارجية بوريس جونسون قال لصحيفة صنداى تايمز إن فشل جوجل ومنابر الإنترنت الأخرى فى رفع المحتوى الإرهابى أمر مقزز، وأضاف أنهم فى حاجة لأن يتوقفوا عن مجرد جنى الأموال من نشر المواد العنيفة.
ويقول المسئولون الأوروبيون إن شركات التكنولوجيا يجب أن تصعد مشاركتها لأنها تلعب دورا فى الموجة المتزايدة من الإرهاب، بما فى ذلك الهجوم الذى وقع فى نيس فى فرنسا، وهجوم لندن الأسبوع الماضى.
فيما ترفض كلا من شركات التكنولوجيا والمدافعون عن حقوق الخصوصية هذه الدعوات ويصفون هذه الجهود بأنها إنتهاك لحقوق الإنسان لأن السماح للسلطات الحكومية بالوصول إلى خدمات الرسائل يعنى إضعاف مستويات التشفير بشكل عام. وهو من شأنه أن يعرض المستخدمين لإختراقات من جهات أخرى. إلا أن إدارة واتس أب قالت فى بيان بالبريد الإلكترونى إنهم أصابهم الفزع من الهجوم الذى وقع فى لندن ويتعاونون مع سلطات القانون مع استمرار تحقيقاتها.
وفى الشهر الماضى، نشرت صحيفة "الجارديان" تقريرا لمجلس العموم البريطانى، دعا إلى ضرورة فرض غرامات كبرى على شركات السوشيال ميديا بسبب نشرها للمحتوى المتطرف.
ووفقا لما ذكرته صحيفة الجارديان، فإن تقرير للجنة الشئون الداخلية بمجلس العموم البريطانى، قال إن شركات السوشيال ميديا تضع الربح قبل الأمان، ويجب أن تواجه غرامات تصل إلى عشرات الملايين من الاسترلينى لفشلها فى إزالة المحتوى المتطرف والمواد التى تندرج تحت بند جرائم الكراهية التى يتم ترويجها على مواقعها.
ورأى التقرير أن أكبر وأغنى شركات التكنولوجيا بعيدا تماما، وبشكل مخز، عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة المحتوى غير القانونى والخطير.
وخلص التحقيق، الذى بدأ العام الماضى عقب اغتيال عضو البرلمان عن حزب العمال جو كوكس من قبل مسلح يمينى متطرف، إلى أن شركات السوشيال ميديا متعددة الجنسيات مهتمة بالمخاطر التجارية أكثر من اهتمامها بالحماية العامة.
وأشار تقرير المجلس إلى أن تلك الشركات تقوم بإجراءات سريعة لإزالة المحتوى الذى تجد أنه ينتهك حقوق الملكية الفكرية إلا أنها تتبنى نهج "الحرية الاقتصادية" عندما يتعلق بمحتوى الكراهية أو غير القانونى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة