تاريخ طويل لا يمكن حسابه بدقة، ففى كل ركن من أركان الشارع العريق تستقر حقبة بعيدة عاشها أهل مصر واحتفظ منها شارع المعز بذكرى ما زالت حاضرة رغم مرور مئات السنوات، تتشتت نظراتك بمجرد دخول الشارع بين تركيبات الجدران ومآذن المساجد وأشكال النحاس والصاغة، بين أركان المكان تنتشر الوجوه التى تحمل جميعها الملامح المصرية ذاتها، بعضها اعتاد الزحام، ولم يعد وهج الانبهار بتفاصيل ما يحمله المكان من تاريخ واضحاً فى نظرات أعينهم، يحفظون عدد الأرصفة جيدًا ويميزون بين الأزقة والحارات دون الحاجة للنظر إلى اللافتة، يلقون السلام على كل من مر بهم، هؤلاء فقط هم السكان الأصليون لشارع المعز، من بين مئات الزوار يومياً هم فقط من يسكنون المكان منذ مولدهم، يمتلكون المنازل والورش التى سكنوها أباً عن جداً، يحفظون تاريخه، ويمكنهم ببساطة سرد كل ما مضى كأجزاء ارتبطت بحياتهم.
عم صابر يجهز الشاى
عدسة اليوم السابع زارت المعز للبحث عن سكانه الأصليين، استوقفتنا "نصبة" عم صابر الكهل الستينى، وهى النصبة التى يعتبرها قاطنو المعز والعاملون به مكان الراحة الوحيد الذى يجمع الطبقات الاجتماعية على "كوباية شاى"، عم "صابر" حكى لـ"اليوم السابع" عن حياته بالمعز: "بقالى هنا 60 سنة، والمعز بالنسبالى حياة وبتمنى أموت هنا فى نفس مكانى ده، الحياة هنا مختلفة ده صُرة مصر، المكان الوحيد اللى ميعرفش طوارئ، ومش هبقى بكدب لو قولت إنى أعرف ناس هنا بقوا دلوقتى تراب ولسة عارف ولادهم وأحفادهم، احنا هنا زى الآثار مابنتغيرش، بس بنتعب من الحفلات والرقص والطبل مش بنفرح بيها يعنى"، وأضاف: "احنا هنا أيامنا مختلفة يعنى الجمعة ده عيد الكل فاتح وشغال، والحد يعنى الهدوء والراحة عشان الإجازات، لكن بقى فيه حاجات محدش بيعيشها غير هنا زى شهر رمضان، الجيران بتتسحر مع بعض والكل واحد".
الأستاذ سامى فى شرفة منزله
فى العمارة المجاورة لنصبة عم صابر صعدنا إلى شقة "سامى عاشور" صاحب الـ 69 عاما ويقطن بالمعز منذ أكثر من 50 عاما، وقال: "الشارع دلوقتى أحلى، زمان كان هادى آه بس المجارى كانت مبهدلانا، ودلوقتى اعتنوا بيه ونظفوه، والحياة هنا مختلفة يعنى ريحة الصبح فى المعز مختلفة الجيران غير أى مكان فى مصر لسة أبوابنا مفتحة وحفظنا مواعيد الحفلات والمهرجانات وبنتفرج عليها، وندل اللى تايه والسياح ياما جم وسألونا ووصلناهم".
الحاجة رابحة محمد
عم صابر
أما الحاجة رابحة محمد المرأة السبعينية التى تعيش على رائحة المعز والعطارة فقالت: "أنا عايشة هنا من 60 سنة، مصر كلها كوم والمعز كوم تانى، ولادى ساكنين فى أرقى المناطق لكن مش بيرتاحوا غير هنا، ولسة عندنا الطبق الدوار اللى يعمل أكلة حلوة لازم يدوق الجيران، وعمرك متحس هنا إنك لوحدك المعز يعنى الونس والأمان هنا الحفلات كل يوم بنتفرج وساعات بنزل أقف مع الناس فى الشارع، بس نفسى يخلوا العربيات تدخل عشان ولادى لما يزورونى".
الحاجة رابحة
ومن منزل إلى آخر حدثتنا "أم هبة" من شرفتها المطلة على الشارع وقالت: "الحياة هنا حلوة بس نفسنا ننام، زمان كانت الدنيا هادية تسمع صوت الأذان من سيدنا الحسين، لكن دلوقتى تعبنا من الزحمة والحفلات اللى مبتقفش ليل ولا نهار، بس مهما يجرى مسيبش المعز غير فى خشبتى".
عم صابر بمكان عمله
نصبة عم صابر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة