"الهروب للسرايا الصفرا".. قصص واقعية من مستشفى العباسية لأصحاء رفضهم المجتمع ففضلوا العيش بين المرضى.. العائدون لـ"عنابر" الأمراض النفسية يروون رحلة "الخروج والعودة" ورفضهم من الأهل والأقارب والأصدقاء

السبت، 06 مايو 2017 02:50 م
"الهروب للسرايا الصفرا".. قصص واقعية من مستشفى العباسية لأصحاء رفضهم المجتمع ففضلوا العيش بين المرضى.. العائدون لـ"عنابر" الأمراض النفسية يروون رحلة "الخروج والعودة" ورفضهم من الأهل والأقارب والأصدقاء نزلاء مستشفى العباسية
كتب سيد صابر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأغرب من أن يعبر مريض عن ارتياحه للتواجد فى مستشفى هو أن تكون هذه المستشفى للأمراض النفسية، لكن الأعجب من كل ما مضى أن يترك مريض مستشفى العلاج النفسى ليعود لها مرة أخرى لعدم قدرته على العيش فى الواقع، بل وإعلان نبذه لواقع، والإصرار على الغياب عنه بمطلق إرادته هذه المرة، إنها قصة العشرات بل المئات من المرضى النفسيين فى مصر.
 
«من قال إننى مجذوب، وأن عقلى قد ذهب هباءً منثورًا، من قال إننى ليس منكم وأننى لم أعد صالح للحياة، أنا العاقل وأنتم المجاذيب فى مجتمعكم الباطل، هنا لم نسرق ولم نتاجر بأوجعنا، هنا مجتمع صافى لا يقتل ولا يذبح أخاه مهما كانت ديانته، هنا الأمن، هنا لا يوجد بيننا من يتاجر بطعامنا من يزيف عقولنا، هنا العقلاء أما أنتم وعالمكم مجاذيب فاذهبوا بعالمكم لن نكون معكم»، هذا ما يقوله أغلب نزلاء مستشفى العباسية للأمراض النفسية!
 
المرضى الذين أتوا ليتلقوا العلاج النفسى، بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية بالعباسية، صدموا بأن المجتمع لا يتقبلهم بل يحاول بكل ما أوتى من قوة أن يشوههم فى المرات التى خرجوا فيها ليندمجوا فى الحياة، فعادوا من جديد إلى مستشفى الأمراض النفسية هذه المرة عقلاء راشدين بكامل قواهم ليعيشوا فى مجتمع المستشفى الذى تقبلهم، وصنع منهم شخصيات جديدة.
 
«أبقى مجنونة وبنت مجانين لو سبت المستشفى وطلعت أعيش فى المجتمع ده»، بصوت رقيق ملىء بالحزن يكشف ما بداخل عبير من ألم وجراح، بدأت خريجة كلية «تجارة» الجامعة الأمريكية حديثها لـ«اليوم السابع»، فبعد أن تخرجت من الجامعة الأمريكية وباتت موظفة بأحد البنوك الدولية، أصبحت تعيش بمستشفى الأمراض النفسية بل ترفض تركها إلا بالخروج للمثوى الأخير.
 
تروى عبير قصتها فتقول: «اسمى عبير محمد 43 عاما، خريجة كلية تجارة إنجلش جامعة أمريكية، اتعينت فى أحد البنوك الكبيرة فى مصر ومرتبى كان عالى جدًا، دخلت سكة الإدمان ودخلت أتعالج واتعالجت وخفيت تمامًا وخرجت بس رجعت تانى».
 
وعن مأساتها تقول: «بعد ما أتعالجت خرجت وروحت بيتى علشان أرجع لحياتى الطبيعية، فوجئت بان أسرتى اللى من دمى مش قابلانى أنى أعيش معاهم، أبويا مشانى من البيت لوحدى فى نص اليل مرة واتنين وتلاته، علشان مش عايز واحدة كانت ببتعالج تعيش معاه، فرجعت المستشفى وبقالى 18 سنة مقيمة بالمستشفى، أنا مش عايزة أخرج برة المستشفى أنا هقعد هنا، مليش مكان فى المجتمع اللى بره».
 
وتابعت عبير: « نفسى المجتمع اللى بره يدينا فرصة نعيش معاهم، الناس هنا أحسن من اللى بره بكتير والله، هنا فى كل حاجة، والله أبقى مجنونة لو خرجت من المستشفى، هنا مفيش هنا عالم نقى وصافى، زمان كان فى ود وحنان والأهل يخافوا على ولادهم، دلوقتى الأب بيغتصب بنته، والابن بيقتل أبوه مش عايزة أخرج من هنا».
 
وعن موهبتها تقول: «أنا متعينة فى مسرح المستشفى بعقد سارى، وبقبض كويس وبكتب شعر وبألف بعض الموضوعات بتتنشر فى رمضان، بس عايزة أقول للمجتمع اللى بره ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء».
 
وتنتقل الرواية من عبير للحاج سمير محمد موسى، 60 عاما، مهندس كهرباء، والذى دخل مستشفى الأمراض العقلية منذ عام 2011 وحتى الآن.
 
ويقول سمير: «أنا مبسوط فى المستشفى مش عايز أخرج بره، دلوقتى فى مشاكل بره والعيشة صعبة والناس بتقتل فى بعض، أنا بقالى 6 سنين فى المستشفى عمرى ما حسيت بأنى محتاج لحاجة، هنا حاسس بالأمان والأمن ولادى بيجوا يزورونى من وقت للتانى وأنا خلاص استقريت هنا».
 
ويوضح سمير: «خرجت مرة بعد ما أتعالجت ورجعت تانى المستشفى الناس مش عايزنه نعيش معاهم، رجعت واتعلمت إزاى أصلح الثلاجات والبوتاجازات وبقى معايا مهنة تانية غير الهندسة والحمد للها راضى بيها».
 
من جانبه، يقول عيسى حجاج عبدالشافى 68 عامًا: «كنت شغال فى مطبعة أكاديمية الشرطة مع والدى، تعرضت لكذا حادثة ورا بعض، تعبت أختى دخلتنى المستشفى وقالتلى مش عايزة منك حاجة خليك هنا، أنا خلصت علاج ومش عايز أخرج، هخرج فى المجتمع ده أعمل إيه، كان نفسى أخرج زمان أول أما أتعالجت وأرجع لشغلى تانى الطباعة والورق، بس لما عرفت المجتمع ده مش عايزه أنا مش هخرج من المستشفى دى تانى، الحمد لله اللى عايزه هنا بلاقيه».
 
وفى ذات السياق يأتى محروس حامد 63 عاما، ليروى قصته فيقول: «بعد ما طلعت معاش بمنصب مدير مكتب الشكاوى لشركة المياه، اتعرضت للمرض والقلق والتوتر وقلة النوم، فأهلى جابونى هنا علشان أتعالج، أنا نفسى أخرج تانى للحياة الحياة لازم الإنسان يعيشها بحلوها ومرها، أنا قررت أخرج تانى للحياة وأمارس حياتى من جديد وإن شاء الله هرجع أحسن من الأول».
 
ينتقل هذا الكأس من جديد هذه المرة لعيدة عبدالحميد 42 عاما فتقول: «كان عندى 6 سنين كنت بلعب مع أولاد عمى، فعمى رمانى فى الميه بليل، كملت 11 سنة وبقيت أتعالج نفسى من وقتها، جيت هنا المستشفى اتعالجت وخرجت علشان أعيش مع أخويا، لاقيته مش قابلنى ومستريحتش معاه ومش عارفة أعيش بره خالص فرجعت تانى المستشفى أعيش هنا».
 
وتابعت عيدة: «أخويا لما طلعت بره كان بيضربنى ويعايرنى أنى فى مستشفى الأمراض النفسية، مع أنى مليش ذنب فى اللى وصلتله، واتعالجت وبقيت كويسة، مش عارفة المجتمع ده عايز إيه مننا، أنا قررت أعيش هنا فى المستشفى ومش هخرج منها مهما حصل، هفضل أعيش مع المرضى بدل ما أعيش مع ناس معندهاش قلب ولا عقل».
 
من جانبه، يقول الدكتور خالد محمد، أخصائى التأهيل بمستشفى العباسية للصحة النفسية، إن المرض النفسى ينقسم إلى عدة أقسام من بينها «البارانويا»، وهو مجموعة من الأفكار السلبية والاعتقادات الخاطئة والأوهام التى تلاحق المريض فى كل مجالات حياته.
 
«التدهور النفسى»، ويبدأ هذا المرض باختفاء المعالم الأساسية لشخصية المريض، وابتعاده عن الخلطة والاندماج مع المجتمع الخارجى، أما «التوهان»، وهو المشى أثناء النوم، حيث يقوم المريض فى ساعات الليل ليبدأ بممارسة بعض الأعمال، دون أن يكون على وعى أو إدراك بما يفعل، بالإضافة إلى «الاكتئاب»، وهو من الأمراض النفسية المنتشرة بشكل واسع فى مختلف بلاد العالم، حيث يظهر الاكتئاب على شكل حالات مستمرة من اللامبالاة والإهمال للغير والنفس.
 
وأضاف خالد، أن هناك العديد من الحالات التى تم علاجها داخل مستشفى العباسية للأمراض النفسية، إلا أنها سرعان ما عادت للمستشفى سريعًا بعد أقل من شهر خارج أسوار المستشفى، نتيجة المعاملة السيئة للمجتمع الخارجى، والصورة الذهنية السيئة التى تسكن عقول الجميع عن المرضى النفسيين، مؤكدًا أن المرض النفسى مثله كمثل أى مرض آخر يتم علاجه بعدد من الأدوات ليعود الشخص طبيعيًا من جديد، لكنه يصطدم بواقع المجتمع الخارجى فسرعان ما يعود لعالمه الذى وجد فيه الاهتمام والأمان والمعاملة الحسنة.
 
وأوضح الأخصائى النفسى، أن هناك عددًا من طرق العلاج للمرضى النفسيين، من بينها العلاج المعرفى السلوكى، حيث إن بعض الأمراض تنتج من خلال التفكير السلبى للمريض عن الواقع المحيط، فيتحول التفكير عادة سلبية معتادة لديه، وهو ما يقاومه العلاج المعرفى السلوكى بتعديل تلك الأفكار، وتحسين صورة المريض تجاه نفه وتجاه الواقع المحيط به، من خلال عدد من الجلسات النفسية والتأهيلية.
 
وتابع خالد، أن النوع الثانى من العلاج النفسى هو العلاج الاجتماعى.
 
نزلاء مستشفى العباسية (1)
 
نزلاء مستشفى العباسية (2)
 
نزلاء مستشفى العباسية (3)
 
نزلاء مستشفى العباسية (4)
 
نزلاء مستشفى العباسية (5)

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة