فى مشكلة كبيرة اتربينا عليها فى بلدنا وهى العرف الخاطئ المسكوت عليه، وهذا أمر تجده فى كثير من المجالات يتمثل فى أمور أو تصرفات أو إجراءات غير صحيحة، لكن العرف جرى على السكوت عليها وقبولها هكذا.
هاضرب لسيادتك مثال فى القضاء، فى بعض القضايا الجنائية يتطلب القانون استئنافها فى الميعاد، وإن فات الميعاد يقدم دليل عذر للقاضى يثبت منع المتقاضى من القيام بالاستئناف، جرى العرف على أن يتم شراء دليل العذر «وهو شهادة طبية مضروبة» من أمام باب القاعة التى تعقد فيها الجلسة، وستجد شخصا ينادى ويقول: «حد عاوز دليل عذر؟» والمحامين عارفين والمتقاضين عارفين، وبينى وبينك القضاة كمان عارفين.
هذه الأمور تندرج تحت بند العرف الخاطئ المسكوت عنه كذلك مصر كلها عارفة أنه كان فيه عندنا وزير إسكان ومجتمعات عمرانية أيام زمان وزع أراضى وفيلات فى التجمع وفى الساحل وأكتوبر وغيرها على رجال أعمال وإعلاميين وقرايبه وقرايب مراته، وعنده أملاك فوق الخيال باسمه وباسم ناس تانية، وكل الناس عارفين كده ومع ذلك أيضا هذا الكلام يدخل فى إطار العرف الخاطئ المسكوت عليه.
ومن ضمن الذى كان مسكوت عليه أيضا موضوع وضع اليد، والموضوع ده باختصار يتمثل فى الآتى:
حضرتك بما لك من نفوذ أو قوه عدديه تنزل على قطعة أرض ملك للدولة وتروح داخل قاعد فيها أنت ورجالتك وتحرسها أو تزرعها أو تبنى عليها زى ما تحب وهتلاقى جهات حكومية اتعاملت معاك فى بعض الإجراءات زى المياه أو الكهرباء بنظام المقايسة، أى باختصار إنه مادمت قاعد قاعد وبتسرق الكهرباء فهناخد منك حق سرقة الكهربا وبس لحد مانشوف السريقة الكبيرة أخبارها إيه.
وسنتين تلاتة وتبيع الأرض لواحد تانى جرى العرف على أنه يشترى ويدفع فلوس كتيرة للراجل الأول اللى مسكين تعب وسرق أرض الدولة وبينى وبينك الدولة عارفة من زمان إن الكلام ده بيحصل.
طيب بعد ما الرئيس السيسى مسك البلد أصدر قرارا بتشكيل لجنة استرداد الأراضى وأصدر قرارا آخر بجعل قراراتها ملزمة لكل أجهزة الدولة، وفتحت اللجنة الباب على مصراعيه لأى حد عاوز يقنن وضع يده على أى أرض، لأن فى ناس اشترت الأرض من واضع اليد وزرعتها وتعبت فيها وأصبحت تدر دخلا بيفتح بيوت ناس كتير وهى مشروعات زراعية سليمة ومنتجة فقامت اللجنة بدراسة آلاف الطلبات من الجادين الذين يطلبون دفع حق الدولة والاحتفاظ بمشاريعهم الزراعية على هذه الأراضى.
وإذ فجأة يصدر الرئيس قرارا بصفته رئيس المجلس الأعلى للاستثمار يقول إن من أراد أن يصحح وضعه ويدفع حق الدولة نقدى وبشكل مباشر سيحصل على خصم ٣٥٪.
يعنى سيادتك فتحنا الباب وهانعطيك الحق كاملا وكمان خصم كبير لكن عليك أن تتوجه للجنة وتبدى حسن نية وجدية.
طبعا فى ناس محترمين كتير راحوا وتعاملوا مع اللجنة ومشيت الأمور «بما لها وما عليها»، لكن كانت هناك جدية من الدولة فى التعامل.
وللأمانة قامت اللجنة بمجهود ضخم فى إزالة التعديات على الأراضى، لكن كل ذلك فى حدود ما لديها من إمكانيات وبالخناق مع الجهات الأخرى ومع مراكز القوى وما أكثرها.
وإذ فجأة مرة أخرى الرئيس السيسى يعطى مهلة شهر كى تنتهى ظاهرة وضع اليد على أراضى الدوله، وطبعا الكل عارف أن الرئيس لو قال شهر يبقى بعد الشهر اللى مش هينفذ هيقعد فى بيتهم «وده كمان عرف خاطئ اتعودتا عليه وهو التحرك فقط عندما يقول الرئيس».
وقامت الدنيا فى كل محافظات مصر بلدوزارات شغالة وديناميت ونسف ومافيش تفاهم المبانى الشاهقه تقع على الأرض فى ثوانى
لكن تعالوا نحلل كل ذلك:
الطرف الأول..
مصرى ابن مصرى استحل أرض بلده ووضع إيده عليها واستخدم نفوذه وبلطجته وعمل ثروة من لا شىء لما باعها للطرف الثانى.الطرف الثانى..
المشترى اللى دفع ملايين فى أراضى أو شقق ليست ملك بائعها، ولكن اتبع العرف وقام واستصلح هذه الأراضى.الطرف الثالث..
الدولة وهى النائمة على كل هذه الأمور لحين يريد الرئيس أو ينوى، وبعدها يبتدى التنفيذ.الطرف الرابع..
سلطة التنفيذ وهى جزء من الدولة وهى عبارة عن مدير الأمن ومأمور القسم وضابط المباحث والشرطة العسكرية، يأتى له قرار الإزالة وهو لا يعلم أين الحق، هو راجل ينفذ فقط وبالقوة، فقرار الإزاله إما من المحافظة أو من الوزارة أو من أى جهة حكومية، وعلى قوة التنفيذ ألا تتفاهم بل وممنوع عليها التفاهم لو فى ستات تنزلهم لو فى منقولات يخرجوها ديناميتك معاك وبلدوزراتك وقدامك ساعتين زمن.
طيب:
أول واحد وده مصرى حرامى، تانى واحد وده حسن النية والجاد منهم اموره اتحلت، لكن انتى يادولة عاوزة تحلى كل هذه الأمور فى شهر ودون أخطاء! ودون ظلم!!
إن سرعة تنفيذ قرار رئيس الدولة بإزالة التعديات كان بها إشارات إيجابية متمثلة فى قوة الردع وبسط نفوذ الدولة على أراضيها المسروقة وفرض القانون على الجميع وإنعاش خزينة الدولة بمئات الملايين، لكن أيضا كان بها بعض من الظلم نتيجة سرعة التنفيذ والاعتماد على السلطة التنفيذية وحدها فى القرار وفى طريقة ووقت التنفيذ مع غياب تام لنظرية التقاضى وعدم الاعتداد بها وضياع كثير من الحقوق لمواطنين لهم حالات خاصة، وسينتج عن ذلك مئات القضايا سواء بين الدولة وبينهم او بينهم وبين غير حسن النية المتصرف إليه.
سيقول البعض، وهل كنا نرضى أن تؤخذ أراضى الدولة أمام أعيننا ونقف صامتين؟ أقول بالتاكيد: لا، لكنى كنت أرى أن تمنح مهلة نهائية شهر واحد فقط يصدر خلالها تعليمات مشددة لكل المخالفين بأن نهاية الشهر ستكون هناك إزالة للتعديات فورية، وبعد انتهاء الشهر نقوم بالإزالة التى لا يوقفها شىء سوى القانون، على أن تدعم القوة المنفذة بعناصر قانونية للفصل الوقتى فيما إذا كان الحائز له الحق فى إيقاف التنفيذ.
انتهى الشهر تقريبا وسيقف الجميع أمام الرئيس كى يقدموا تقريرهم وبالتأكيد لهم منا احترام وتقدير كبير فقد خلصونا من سارقى الدولة الذين اغتنوا على حساب أبنائها، لكن أخشى من دعوة المظلوم وقد يكونون أقلية، فلذلك أقترح أن يفتح الباب للتظلم من كل هذه الإجراءات حتى نعيد الحقوق التى راحت نتيجة السرعة فى التنفيذ، وطبعا اللى الظابط زعق له أو اداله قلمين وقت التنفيذ ده بقى معاه ربنا.
وعن دراسة هذه الظاهرة مجتمعة لا أجد ما أقوله لأنى مكسوف أقولك ان فى ناس مننا حرامية وكنا عارفين إنهم حرامية والحكومة عارفة انهم حرامية وأنت وولادك كنت بدور على الجنيه وهما عندهم ملايين من السرقة وعندهم الڤيلات والأراضى إياها «بتاعت الوزير ومراته» ومازالوا بيتسمتعوا بيها، لأن دول معلمين وأمورهم مطظبطه قانونا.
إن عجلة الإصلاح التى دارت فى مصر فى عهد الرئيس السيسى قوية وحاسمة وسريعة وصادقة، لكن قرار الإصلاح لا ينفذه على الأرض بالضرورة صالح، فنحن جميعا نخضع لقانون العرف الخاطئ السائد فيما بيننا منذ سنوات، فعلينا أن نحمى أراضينا من الذين أرادوا سرقتها، وعلينا أيضا أن نحاول ألا نظلم ونحن نقوم بهذا العمل الذى تأخر لسنوات.
وبقول لحضرتك إيه: تفتكر ليه اللى قبل السيسى ما فكروش يرجعوا حق البلد فى الأرض دى؟ حد عنده إجابة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة