ساعات من الصمت الانتخابى تفصل الجزائريين عن الانتخابات التشريعية الحاسمة المقررة الخميس، والتى تعد الأولى بعد التعديلات الدستورية، والأخيرة قبل انتخابات رئاسية يكتنفها الكثير من الغموض لاختيار خليفة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعدما أفضت التعديلات إلى منح البرلمان المزيد من الصلاحيات على حساب ما يمتلكه القصر من سلطات.
وعلى الرغم من حساسية تلك الانتخابات، إلا أن الحملات الدعائية للأحزاب والتى استمرت لثلاثة أسابيع حتى مساء أمس الأول عكست عزوف شعبى كبير عن متابعة المرشحين أو البرامج الانتخابية، فى ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد وإحباط سياسى بعدم حدوث أى تغيير فعلى فى تركيبة البرلمان المقبل، على الرغم من سعى الأحزاب الإسلامية إلى اقتناص مكان فى الحكومة المقبلة، حيث توحدت أكثر من خمس أحزاب ذات أيديولوجية دينية فى قائمتين للمرة الأولى بعد أن كان معروف عنها الإنقسام منذ صدامها مع النظام فى "العشرية السوداء" فى تسعينيات القرن الماضى وما صاحبها من حرب أهلية بين الدولة والإسلاميين.
حالة العزوف تسببت فى فزع لدى الحكومة التى تخشى من أن تأتى نسبة المشاركة ضعيفة، وتفتح الباب أمام صعود إسلامى داخل البرلمان، مما يشكك فى نتائج الانتخابات التى يتوقف عليها مصير الجزائر فى المرحلة المقبلة، خاصة أن آخر انتخابات نيابية جرت فى عام 2012 شهدت نسبة عزوف غير مسبوقة عن صناديق الاقتراع، حيث لم تتعد نسبة المشاركة 43% من مجموع أعداد الناخبين، فى حين يتوقع المراقبون أن تنخفض النسبة فى الانتخابات المقبلة عن سابقتها.
ولجأ المسئولون بالجزائر إلى عدد من الوسائل لحث الشعب على المشاركة فى التصويت الذى سيبدأ الأربعاء فى بعض المناطق النائية والحدودية والخميس فى ولايات الجزائر المختلفة، فعلى المستوى الرسمى لجأ المسئولين إلى توجيه رسائل للشعب لحثهم على المشاركة، وفى مقدمة هؤلاء جاء الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة الذى طالب الشعب الجزائرى بالمشاركة فى الانتخابات التى "تسهم فى استقرار البلاد"، كما ناشد جميع القائمين على العملية الانتخابية بالتزام الحياد.
أما على المستوى الإعلامى فأصدرت وزارة الإعلام الجزائرية "ميثاق تغطية الانتخابات البرلمانية" المقبلة الذى تضمن عددا من المحظورات التى يتعين على القنوات التليفزيونية الخاصة الابتعاد عنها، وينص الميثاق على أن القنوات الخاصة المعتمدة يجب أن تعمل على توعية المواطنين بحقهم فى الانتخاب، واختيار ممثليهم فى المؤسسات المنتخبة، كما تمنع هذه القنوات الخاصة من إعطاء الكلمة للأحزاب والشخصيات التى تدعو إلى مقاطعة الانتخابات.
ولجأت الحكومة إلى المساجد لحث الجماهير على المشاركة، وأصدرت وزارة الأوقاف تعليماتها لأئمة المساجد الأسبوع الماضى بأن يتم تخصيص الخطبة فى الجمعة الأخيرة قبل الانتخابات حول أهمية المشاركة لاستقرار البلاد، وهو ما التزم به أغلب الأئمة الجمعة الماضية مما أثار جدلا كبيرا فى الأوساط السياسية وصلت إلى حد اتهام الحكومة بإقحام الدين فى السياسية مما يخالف مواد القانون الانتخابى فى الجزائر.
وفى ظل غياب الحديث عن البرامج الحزبية وهوية المرشحين .. ووسط انشغال الحكومة فى محاولة تعبئة الجماهير للتوجه لصناديق الاقتراع، برزت بوضوح من بين ثنايا الحملات الانتخابية سباق مبكر على مقعد الرئاسة التى سيكون شاغرا فى 2019 ، بين حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جبهة التحرير الوطنى والحزب الثانى فى الجزائر التجمع الوطنى الديمقراطى.
وقال المراقبون إن رئيس الوزراء عبد الملك سلال، برز بشكل كبير مدعوما من الحزب الحاكم فى مواجهة أحمد أويحيى مدير ديوان عام الرئاسة السابق ورئيس حزب التجمع الديمقراطى، وحاول كلا المسئولان، الأكثر سطوعا على الساحة السياسية وإثارة للجدل حول صلاحيتهم فى شغل منصب الرئيس، عرض نفسهما بشكل أوضح كرجال دولة مؤهلين لقيادة البلاد مستقبلا.
وقدم أويحيى خلال جولاته الانتخابية حزبه منفصلا عن كونه شريك فى السلطة، حيث قدم برنامجا سياسيا واقتصاديا مستقلا، وتحدث عن ملفات حساسة مثل مكانة الإسلاميين فى الدولة وضرورة معالجة الأزمات العالقة فى هذا الشأن، حتى أن البعض اعتبر أن أويحيى يقدم برنامجا رئاسيا أكثر من كونه برنامج لخوض الانتخابات التشريعية.
تحركات أويحيى ومكاسبة الشعبية خلال الحملة الانتخابية أثارت مخاوف الحزب الحاكم حتى أنه لجأ إلى رئيس الوزراء عبد الملك سلال الرجل الأقوى فى الحكومة لدفعة للواجهة، والذى قام بجولات انتخابية أثارت علامات استفهام فى الأوساط السياسية، حيث أنه من المعتاد أن يظل رئيس الحكومة ملتزما بدوره الإشرافى على إدارة العملية الانتخابية، فيما أن قيامه بتلك الجولات الميدانية جاء لمواجهة تصاعد شعبية أويحيى والقطع أمام طموحة لمقعد الرئاسة فى ربيع 2019.
ووسط هذا الضجيج ستمر الانتخابات البرلمانية الجزائرية بهدوء، والتى تراقبها الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى، وربما تأتى بنتائج متوقعة تنحصر الأغلبية للحزب الحاكم يليه حزب التجمع الديمقراطى وأن كانت النسبة قد تتفاوت عن الانتخابات السابقة، وقد يقفز نصيب الأحزاب الإسلامية لأكثر من الـ48 مقعدا التى حصلوا عليها فى تشريعيات 2012، إلا أن تلك الانتخابات ستفتح الجدل مبكرا على المرشح المحتمل والذى سيكون مبشرا بمقعد الرئاسة خلفا لبوتفليقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة