مصر وحدها فى «الحرب العالمية الثالثة».. استراتيجية جديدة لتنظيم داعش لاستهداف الأقباط والصوفيين والشركات ومحطات الوقود والإعلاميين والسياسيين.. مخطط كامل بالأسماء لتفكيك المؤسسات وضرب الاقتصاد واستهداف السفارات

الإثنين، 29 مايو 2017 02:28 ص
مصر وحدها فى «الحرب العالمية الثالثة».. استراتيجية جديدة لتنظيم داعش لاستهداف الأقباط والصوفيين والشركات ومحطات الوقود والإعلاميين والسياسيين.. مخطط كامل بالأسماء لتفكيك المؤسسات وضرب الاقتصاد واستهداف السفارات مصر وحدها فى «الحرب العالمية الثالثة»
كتب حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقرون طويلة ظلت صناعة الحرب نتاجا تقليديا يخرج من ماكينة واحدة، تعتمد بالأساس على التجييش للظاهرة والمواجهة المباشرة وإمكانية الفصل والفرز الواضحين لفريقين يخوضان صراعا، يعتمد في أساسه على قوة الحشد البشري، وعلى توفر فضاء جغرافي واضح للصراع، وحجم العتاد والوفرة التقنية واللوجستية في الأدوات والمهمات القادرة على إحداث ثغرة في صفوف الخصم وخلخلة جبهته واصطفافه، وتكبيده خسائر مادية وبشرية كبيرة، يمكن بفضلها قطع خطوات للأمام داخل فضاء المعركة، وصولا إلى إجبار الطرف الآخر على الانحسار والتراجع والخروج من المعادلة، ولكن مع صيرورة الزمن وتطور معادلاته، لم تعد هذه الفكرة صالحة لإدارة ماكينة الحرب، خاصة بعد الوصول إلى بلورة واضحة لمفاهيم الدولة الوطنية وصياغة معاهدات دولية جامعة، ووضع أطر لمؤسسات أممية تحكم المجال العام وصراعاته.
 
معاهدة ويستفاليا
معاهدة ويستفاليا
 
مثلت معاهدة ويستفاليا في القرن السابع عشر الميلادي بداية نزوح من أرض الصراع التقليدية إلى مرحلة حديثة وأكثر عصرية من تخطيط وبناء الحروب، أو كشفت عن الحاجة لهذه المرحلة وقادت للحركة في اتجاه وضع أطرها وقوانينها، وهو ما تبعه الخروج من مرحلة الحرب التقليدية في جيلها الأول، الذي سيطر على نمط الصراعات البشرية لعشرات القرون، إلى جيل جديد لا يتوقف على التجييش والمواجهة البشرية المباشرة وفق حسابات كثافة المقاتلين والتسليح الأولي، إذ أنتجت هذه المرحلة تصورا جديدا للصراع يستفيد مما قطعته تكنولوجيا التسليح في توظيف المدفعية ووسائل التسليح التي لا تحتاج مواجهة مباشرة، لنصل إلى عتبة الحرب العالمية الثانية وقد تبلورت استراتيجية جديدة للصراع العسكري، تقوم على تجنب الالتحام المباشر نوعا ما، وتقديم التقنيات التي تسمح باشتباك غير مرئي في جانب من جوانبه، عبر الاستناد لفكرة غطاء النار التي وفرتها القواذف والمدفعية بعيدة المدى نوعا ما، قياسا على ما كانت تتطلبه السيوف والبنادق التقليدية من التحام وتداخل مباشرين للجيوش.
 
الحرب العالمية الاولى
الحرب العالمية الاولى
 
القرون التي احتاجتها البشرية للانتقال من جيل الحروب الأول إلى جيل ثان جديد، تكفلت التطورات السياسية والتكنولوجية التالية للحرب العالمية الأولى لتقليصها، فمع طموح ألمانيا الصاعدة بقوة، وبشكل يتخطى قدراتها الفنية والبشرية المباشرة، قادت القوة الناشئة مرحلة جديدة من تطوير استراتيجيات الحرب، واضعة أطر جيل ثالث يقوم على الحرب الخاطفة وفتح ثغرات في صفوف العدو بعيدا عن الالتحام والمواجهات المباشرة، وصنع ستار كثيف من نيران المدفعية والطائرات القاذفة على محاور نوعية ووفق أهداف تكتيكية غير ممتدة، بما يوفر فرصة لاستنزاف الخصم على أكثر من محور، ودون حاجة لكثافة التسليح والوحدات البشرية أو البقاء الدائم في فضاء جغرافي واضح تنحصر فيه حالة الحرب.
 
الجيش الالمانى الحرب  بالحرب العالمية الثانية
الجيش الالمانى الحرب بالحرب العالمية الثانية
 
ومن رحم هذه الاستراتيجية طورت القوى العالمية وقتها، ومنها ألمانيا نفسها، استراتيجية أكثر عصرية وتأثيرا، وأقل احتياجا لآليات الحرب التقليدية من الحشد والتسليح، ليدخل العالم في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية، وبالتزامن مع الحرب الباردة التي أججها سباق التسلح والسعي للسيطرة على العالم بين القطبين الكبيرين وقتها، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، مرحلة مختلفة تماما من تخطيط الحروب وتنفيذها، عرفتها الأدبيات الغربية وكتابات خبراء الاستراتيجية والعلوم الساسية، وبحسب ما ورد في مقالات جارى ويلسون، جوزيف سوتون، وجون شميت، وغيرهم، بمرحلة حروب الجيل الرابع.
 

حروب الجيل الرابع.. من الحرب العالمية لعصر القاعدة

تقوم فكرة حروب الجيل الرابع بالأساس على تنحية الدور المباشر للجيوش النظامية، والتغلب على فكرة المجال الجغرافي الحيوي لصراع مباشر بين قوتين عسكريتين، وتستبدلهما بأعمال تبدو أقل هجوما وعدائية، ولكنها أكثر تأثيرا واستنزافا لقدرات الخصم، إذ تتم في الغالب داخل ملعبه وخلف خطوطه، وبدرجة كبيرة تكون عبر عناصر من فريقه، ودون حاجة لتدخل مباشر وواضح من القوة المحاربة.

الحرب الباردة بين روسيا وامريكا
الحرب الباردة بين روسيا وامريكا
 
الظرف السياسى الذى شهده العالم عقب الخروج من الحرب العالمية الثانية، وما أسفرت عنه المرحلة من عقد اتفاقات وتحالفات، واضطرار القوى المتحاربة للانضواء تحت لواء مؤسسات أممية عديدة، أبرزها الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حلت محل عصبة الأمم، إضافة إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والأطر السياسية والتنظيمة التي بدت أكثر صيانة للسلم العالمي وفكرة الدول الوطنية المستقلة، كان لها الدور الأكبر في تغذية اللجوء لهذه الفكرة وتطويرها، لتبدأ مرحلة صراع جديد ونشط بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على أرضية الاختراق الناعم أو «البارد» بين القوتين، تمثلث في تكثيف النشاط الاستخباراتي وعمليات التجنيد والاختراق من الجانبين، ليظهر الأمر للعلن أحيانا كموجة «المكارثية» التى تبناها السيناتور الأمريكى جوزيف مكارثى بين 1947 و1957 لترصد كل نشاط يبدو داعما للتوجهات الشيوعية ومحركها السياسى فى موسكو ومحاربته والقضاء عليه، ولكنها في أغلب الأوقات لم تكن معلنة، بل تطورت الأمور فى مستوى آخر ليكون الاشتباك على ملعب فرعى لا يخص أيا من الدولتين بشكل مباشر، بل وخلف ستار أيديولوجى يبدو معاديا للفريقين أصلا، وكان التجسيد الأقوى لهذا توظيف الجماعات المقاتلة في الشيشان وعناصر وفرق شامل باسييف، وصولا إلى صناعة تنظيم القاعدة ودعمه وتمكينه على أرضية الصراع فى أفغانستان.
 
 
حرب الشيشان
حرب الشيشان

صناعة التطرف.. حروب القوى الكبرى على أرضية الراديكالية الإسلامية

النجاحات التى حققتها استراتيجية الحرب غير المباشرة، أو الحرب فى جيلها الرابع، أغرت الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيقها بقدر من التوسع، وأعادت قوى عالمية أخرى إلى الوراء قليلا لمراجعة ملفاتها وتحالفاتها القديمة، ومنها المملكة المتحدة التي تبنت خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى صناعة تنظيمات دينية أصولية، منها جماعة الإخوان المسلمين، فى إطار جهودها العملية على الأرض لضرب الجبهة الداخلية وتفكيك مطالب الاستقلال والتحرر الوطنى، عبر صنع دوائر شقاق وصراعات داخلية تغلق الطريق على توحد الجبهة الوطنية الداخلية وتبنيها لأجندة مطالب وأهداف واضحة وذات إجماع، فدخلت بريطانيا بقدراتها الاستخباراتية الكبيرة على خط توظيف فكرة حروب الجيل الرابع لإعادة صياغة معادلة الصراع وشكل المواجهات عالميا وفى منطقة الشرق الأوسط، أو تصفية صراعات ومواجهات أوروبا والعالم على أرض محايدة وفى جبهات حرب غير مباشرة، كما فعلت واشنطن مع موسكو فى الشيشان وكابول.

 

حسن البنا
حسن البنا
 
التوسع فى العمل ضمن أطر واستراتيجيات الحرب الجديدة، أسفر مع استخدامه فى تصفية الخصومات البينية للقوى الكبرى على ملاعب الآخرين، عن نتائج ومكاسب مهمة ربما لم تكن قيد الملاحظة منذ البداية، تمثلت فى القدرة على تحقيق حضور ونفوذ كبيرين فى مناطق أوسع من العالم، والتمتع بدور كبير فى وضع معادلات الصراع الطرفية الناشئة بين القوى الإقليمية، والقوى الداخلية فى القطر الواحد، بشكل يضمن استمرار الهيمنة على معادلات الصراع فى العالم، وما يستتبعه من تغذية ماكينة التسليح ودوائر التبعية والارتباط الاقتصادى والعسكرى بين القوى الصغيرة والقوى الكبرى.
 
أبو بكر البغدادي
أبو بكر البغدادي
 
المدخل الأهم الذى أسفرت عنه التجربة العملية، أن التقنية الجديدة تحتاج لنجاحها توفر فضاء مأزوم، وحالة اضطراب وصراع داخلية، وقدر من التنوع غير المحكوم بأطر قانونية ومنظومة قيم تصون فكرة الهوية والمواطنة وتماسك الجبهة الداخلية للدولة محل الصراع، كما أثبتت التجربة أن تغذية ماكينة الحرب الجديدة على أرضية عقائدية أصولية تكون أكثر فائدة وتأثيرا، ومن هنا تحركت الولايات المتحدة لتدشين ودعم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق عقب سقوط بغداد فى ربيع العام 2003، لخلخلة دوائر المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكى الوافد، وضمان تفتيت أى تكتل متوقع للمجابهة، فكان الحل استغلال المكونات العرقية والدينية وتغذيتها، لصناعات جبهات متناحرة داخل الجبهة الواحدة، بما يخلق حالة فوضى وحرب داخلية تطيح بالجميع من أبناء المعادلة نفسها، ولكنها لا تطال الجندى الأمريكى الذى أصبح وفق المعادلة الجديدة حكما وشرطيا يدير الصراع ويتمتع بعلاقات تفاوضية وروابط قوية مع الجميع، ومن ربيع 2003 إلى الربيع العربى استمرت الاستراتيجية نفسها، فكان تطوير تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق ليصبح الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» ويتوسع فى المجال السورى عقب الانتفاضة الشعبية فى مارس 2011، وبالتزامن كان دعم حركة النهضة فى تونس، وجماعة الإخوان وتنظيمات السلفيين فى مصر، وصولا إلى فتح منافذ مباشرة للقاعدة وداعش فى مصر وليبيا واليمن.
 
ارهاب (7)

داعش.. بين الوكالة الدولية ووهم القوة والطموح الشخصى

التوتر الذى شهدته المنطقة العربية بدءا من غزو العراق، وصولا إلى موجات الربيع العربى، وتبعاتها القائمة حتى الآن، وفرت أرضا خصبة للتوسع فى دعم التنظيمات الأصولية التى تقوم بمهمة الوكالة للقوى الدولية فى ساحات الصراع الإقليمية، فى إطار سعيها للاحتفاظ بموطئ قدم فاعلة فى المعادلة الناشئة وما قد تسفر عنه من ترتيبات لأشكال الدول وإدارتها مستقبليا، وفى الوقت نفسه ضمان حصر معادلة الصراع فى دائرة الثنائيات والاستقطابات الهوياتية، بما يضمن استمرار تفكك الجبهات الداخلية وعدم التئامها على مشروع وطنى جامع، وطوال السنوات من 2003 حتى 2012 تقريبا سارت معادلة الصراع وفق السيناريو المرسوم، التزم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وخليفته «داعش»، والتزمت حركة النهضة فى تونس وجماعة الإخوان فى مصر، وظلت حالة الاهتزاز السياسى وما نتج عنها من خلخلة للأطر والمفاهيم الوطنية وآليات الحوار والاشتباك السياسى الدافع قدما، ولكن تغيرا كبيرا دخل على المعادلة مع استمرار سيولة الساحات الداخلية للدول وتكسير القوى الوطنية والقلوب الصلبة لدول المنطقة، إذ امتلأت التنظيمات الأصولية بفكرة القوى، وتصاعد طموحها الشخصى الممتلئ بفكرة القدرة على إدارة الصراع والتحكم فى مساره، لتنزع فى مرحلة لاحقة للتمرد على فكرة الوكالة والاتجاه لحسم المعركة لصالحها من طرف واحد، بعيدا عن الحبل السُّرى الذى يربطها بالخارج، وعن خطوط الدعم والإمداد والتمويل، وعن مشاركة وكلاء آخرين لها فى حلبة الصراع، فتخيلت داعش أن بإمكانها الوصول لدولتها الخاصة وبدأت بالفعل من الرقة السورية، فى إطار استهداف التوسع والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة بالعراق وسوريا، وبدأت حركة النهضة التونسية العمل على الوصول للسلطة والانفراد بها، وفعلت مثلها جماعة الإخوان فى مصر، لتبدأ مرحلة جديدة يمكن اعتبارها خللا فى منظومة وبنية حروب الجيل الرابع، أو تأسيسا لجيل جديد من الحرب.

تفجيرات داعش
تفجيرات داعش
 
فى المرحلة الجديدة بدأ وكلاء الحرب يتمردون على أباطرتها وسماسرتها، وسعت التنظيمات الإرهابية الأصولية لصياغة أجندة خاصة بها للصراع، لا تكتفى بالاشتباك مع القوى السياسية ومؤسسات الدولة، ولكنها تتجه لاستهداف ركائز سياسية واقتصادية ودبلوماسية تخص القوى الكبرى، الأب الروحى والداعم لها بالأساس، إلى جانب استهداف هياكل الاقتصاد المتصلة باقتصادات الدول الكبرى أو المنظومة الاقتصادية العالمية، والعمل على مواجهة الحضور الغربى بصوره المختلفة داخل الساحات الإقليمية، بشكل بات يهدد هذا الوجود بشكل مباشر، ويمثل انقلابا أو تحورا وخللا هندسيا فى بناء المنظومة، أقرب للاختلالات الجينية التى تتسبب فى اشتعال حرب بين أجهزة الجسم الحيوية ومواجهة الخلايا لبعضها، وهو ما لم يكن مخططا له بالتأكيد ضمن الرؤية الأم التى صاغت آليات وتكنيكات هذه الطريقة فى إدارة الصراع بشكل ناعم وغير مباشر، ولكنه بات واقعا تكشف عنه استراتيجات وتحركات هذه التنظيمات ووثائقها وأدبياتها وتسلسل عملياتها وقائمة خططها المعلنة والمكشوفة خلال تتبع خطوطها ومساراتها والتحقيق مع عناصرها الموضوعة قيد التوقيف.
 

ارهاب (6)

 

استراتيجية داعش فى مصر.. الوكلاء ينقلبون على الآباء

وفق وثائق عديدة تداولتها مواقع تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابى، واعترافات أدلت بها عناصر تابعة لها من المحتجزين لدى جهات الأمن، تتضمن خطة التنظيم للحركة فى الساحة المصرية العمل على محاور عدة، لعل أبرزها وأكثرها مفاجأة، التخطيط لاستهداف عدد من السفارات والبعثات الدبلوماسية، فى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ووضع الشركات الدولية وشركائها المحليين فى دائرة الاستهداف، والعمل على تقويض ومحاصرة خطوط التجارة والتبادل المالى والاقتصادى بين مصر والمجموعات الاقتصادية الكبرى فى هذه الدول.

ارهاب (9)

 

التحذير الأخير للسفارة الأمريكية من تهديد عدائى، قبل 24 ساعة تقريبا على وقوع حادث المنيا الذى شهد استهداف حافلة تقل أقباطا فى رحلة لدير الأنبا صموئيل، وأسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 50 مواطنا، يشير ضمن ما يحمله من مؤشرات وإضاءات إلى أن خطوط الاتصال الأمنية الأمريكية ما زالت قادة على الوصول لدوائر صنع القرار داخل التنظيم الإرهابى، أو اعتراض مسارات تدفق المعلومات داخله، ولكنها تشير فى الوقت ذاته إلى حالة من الاستقلالية لدى التنظيم الإرهابى والقدرة على تحصين خططه ومسارات معلوماته بشكل يحرم القوة الأكبر فى العالم من معرفة تفاصيلها وتجنب مفاجآتها بشكل كامل.
 
اغتيال النائب العام
اغتيال النائب العام
 
فى تصريحات خاصة من أشخاص على علاقة بتنظيم داعش، عبر حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعى يرتبط أصحابها بتنظيم داعش وما يُسمى «ولاية سيناء»، أجمع من وافقوا على الحديث والإجابة على أسئلتنا حول وثائق واعترافات حول ما يعرف باستراتيجية داعش فى مصر، أن المرحلة المقبلة تشهد التحرك على أكثر من مسار، ومع إنكارهم لمعرفة الخطة الكاملة للتحرك وتسلسل العمليات وتوزيعها جغرافيا، لم ينفوا ما تضمنته الوثائق والاعترافات من العمل على محاور متوازية، لاستهداف سفارات وبعثات الدول الكبرى، بالتزامن مع استهداف الأقباط، واستمرار العمل ضد الجيش والشرطة وتنفيذ عمليات خاطفة ومحدودة ضدهم على أكثر من محور.
 
شهداء المنيا (2)
 
الاستراتيجية التى توزعت تفاصيلها بين عدد من المواقع الموالية لتنظيم داعش، ووردت بعض تفاصيلها فى تحقيقات عدد من القضايا والموقوفين المرتبطين بالتنظيم أمام جهات التحقيق المصرية، وأكد جانبا منها من تحدثنا معهم من «داعشيي مواقع التواصل» تسعى لتغذية حالة الشحن الطائفى بين الأقباط والمسلمين، مع استهداف قوات الجيش والشرطة وتنفيذ عمليات اغتيال نوعية لضباط، متقاعدين وفى الخدمة، وسياسيين وإعلاميين ودعاة أزهريين، واستهداف عدد من الموانئ وخطوط نقل الغاز والبترول، واستمرار العمليات النوعية على محاور قريبة من مناطق الجذب السياحى لمواصلة الضغط على المقاصد السياحية وصناعة السياحة المصرية، ويرتبط بهذا التحرك استهداف عدد من التوكيلات الاقتصادية الدولية والشركات الكبرى وشركات الأمن والحراسة، والاتجاه لتسميم خطوط المياه الخاصة بوحدات الشرطة والقوات المسلحة، واستهداف محطات الوقود وخطوط الكهرباء والمؤسسات المالية كالبنوك والبورصة، وخطف الرعايا الأجانب، وإشعال المناطق القبلية فى مطروح ووداى النطرون وسيناء والصعيد وحلايب وشلاتين، واستهداف الجامعات الأجنبية وبدء خطة لمهاجمة وحدات القوات المسلحة بطائرات صغيرة بدون طيار محملة بمواد وغازات سامة.
 
ارهاب (1)
 
الاستراتيجية التفصيلية التى وصلنا إلى صيغة كاملة لها عبر تتبع للمواقع الموالية لداعش، ومسارات التحقيقات، وأحاديث عديدة مع أشخاص على علاقة بالتنظيم عبر صفحات إلكترونية بأسماء مستعارة، تضع نقاطا وعناصر تفصيلية للحركة وفق رؤية نوعية لمكونات المجتمع المصرى، إذ توضح أن الأقباط ونسبتهم 7% من السكان، والصوفية ونسبتهم 10% بحسب الوثائق والاعترافات، يمثلان المدخل الأول للشحن الطائفى وتأليب عناصر ومكونات المجتمع، كما تورد قائمة بأسماء ضباط وسياسيين وإعلاميين ودعاة ضمن دائرة الاستهداف، وتشير إلى قائمة من الشركات العاملة فى مجالات الاستثمار المالى والعقارى والسياحة والتصنيع والتطوير العمرانى والأمن والحراسة بشكل مباشر، بأسمائها ومالكيها وعناوينها - ونتحفظ على ذكر الأسماء والتفاصيل الدقيقة مراعاة للاعتبارات الأمنية - كما تحدد الاستراتيجية ضمن أهدافها العمل على إثارة الفوضى على محور قناة السويس بهدف تعطيل 10% من التجارة الدولية المارة عبر القناة، إضافة إلى سيناريو موسع للحركة وتشكيل جماعات صغيرة من 3 إلى 5 أفراد لتنفيذ عمليات الاغتيال وخطف الرعايا الأجانب، ووضع تصور متتابع للعمل على محاور الأجهزة الأمنية والشركات الاقتصادية والبعثات الدبلوماسية والأقباط والاغتيالات واختطاف الرعايا الأجانب بشكل متزامن، وعلى محاور جغرافية واسعة بشكل يضغط على الأجهزة الأمنية ويعمق حالة الفوضى والتشتت وعدم القدرة على المواجهة.
 
شهداء المنيا (3)
 
على جانب مقابل، يرى محللون وخبراء استراتيجيون - فضلوا عدم الإشارة لأسمائهم - أن الاستراتيجية التي عرضناها عليهم لتحركات تنظيم داعش تمثل تطورا كبيرا فى حالة الصراع، إذ تعنى أننا إزاء حالة من التمرد للتنظيم على دوائر علاقاته الدولية وخطوط دعمه وإمداده القائمة منذ نشأته، كما أنها تكشف عن رؤية عميقة لحرب شاملة ضد الدولة ومؤسساتها، لا تفتقر إلى المداخل الاستخباراتية والتخطيط الاستراتيجى وتوظيف تقنيات الشحن والحشد الجماهيرى، وهى إما صُنعت بدعم مخابراتى مباشر من جهات تتوفر لديها قدرات كبيرة على جمع المعلومات وتحليلها وقراءتها فى سياق نوعى، أو تمثل تطورا كبيرا لدى التنظيم ومراكز الأفكار وصنع القرار داخله.
 
تفجير كنيسة طنطا
تفجير كنيسة طنطا
 
ويرى الخبراء أن الاستراتيجية ومحاور العمل التى وضعها التنظيم كفيلة بصنع حالة حقيقة من الاضطراب والفوضى، ما لم تتوفر خطط محكمة للمواجهة فى إطار حالة من الالتفاف الوطنى حول أهداف جامعة ورؤى وطنية واضحة، إذ يمثل استهداف الأقباط مدخلا لتفتيت الجبهة الداخلية وصنع حالة من الطائفية والفتنة، تستدعى موجة عداء من جانبهم ومن القوى المدنية والعلمانية للخطاب الإسلامى المتطرف، وهو ما يؤتى أثرا تبادليا فى الوقت ذاته بتغذية التطرف وإصرار عناصر التنظيم على أفكارهم وفى الوقت ذاته إمدادهم بملتحقين وداعمين جدد من التيارات الدينية الأصولية التى يسهل تحولها للتطرف المسلح تحت ضغط الانتقادات المرتبطة بعمليات التنظيم، خاصة مع وجود سياسات دعائية وترويجية لتوظيف هذه الانتقادات تحت شعارات استهداف الإسلام والحرب عليه، وهو الأثر نفسه الذى يمكن أن ينتجه استهداف التيارات الصوفية وتغذية النعرات القبلية فى مناطق التنوع العرقى وعلى خطوط التماس الحدودية، ومع استهداف المرافق الحيوية ومناطق الجذب السياحى والموانئ ومحطات الوقود والكهرباء والبورصة والشركات الاقتصادية الكبرى وشركات الأمن والبعثات الدبلوماسية، واستثمار حالة الشحن السياسى وصراعات القوى السياسية، يمكن أن ندخل دوامة من الفوضى والتناحر التى لن تفضى إلا إلى تحقيق هدف هذه النوعية من الحروب المتطورة، بإضعاف المؤسسات وتفكيك الدولة الوطنية ودخول مرحلة «ثقافة الميليشيات» على حد تعبيرهم.
 
تفجير كنيسة اسكندرية
تفجير كنيسة اسكندرية
 
خروجا من تفاصيل استراتيجية داعش بما تضمنته من خطط وأسماء ومؤسسات وشركات وتجمعات بشرية وعرقية ودينية، ومن آراء المحللين والخبراء الاستراتيجيين بشأنها، يبدو أن تطورا كبيرا فى أطر الصراع تشهده المنطقة، وأن ضمن هذا التطور أن تكون مصر قاعدة أساسية لانطلاقة أوسع لمرحلة «ثقافة الميليشيات» وعصر ما بعد الدولة، وفق مفهوم يرتبط بتحلل المؤسسات لا بتطورها وصولا لصيغة تنظيمية لا حاكمة، كما تتحدث أدبيات سياسية راهنة عن الصيغة المستقبلية للدول، الآن نقف أمام صيغة ماضوية، تتوفر لها العناصر والقدرات المالية والتنظيمية والمخطط الممتد حتى بلوغ الهدف، فى صياغة تبدو وكأنها حرب عالمية ثالثة، وعلى الجانب المقابل لا رهان إلا على الجبهة الداخلية، التى طالما انتصرت الدول فى حروبها التقليدية بفضل تماسكها والتقائها على أهداف جامعة، وبها أيضا يمكن أن تنتصر فى حروب الأجيال الجديدة وصراعات الوكلاء والميليشيات

شهداء المنيا (1)










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة