منذ قررت عصابات اليهود السطو على الأراضى الفلسطينية العربية تحت مسمى "أرض الميعاد"، بدأت الهجرات المنظمة من يهود العالم، وتعددت أساليب الاحتلال، بين الحروب والمجازر والتهجير والتشريد، وتهويد القدس وطمس المعالم الإسلامية والمسيحية، تنفيذاً لسياسة تفريغ الأراضى الفلسطينية من معالمها وسكانها، ومحو أى هوية عربية لأصحاب الأرض.
محاولات إسرائيلية لطمس المعالم العربية
على مدار تسعة وستين عاماً، سعى خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلى لمحو أى هوية عربية، مستخدماً جميع الوسائل لتهويد المؤسسات وإطلاق الأسماء العبرية على الشوارع والقرى الفلسطينية بدلاً من العربية، بالإضافة إلى محاولات طمس الهوية، عن طريق تغيير المناهج الدراسية والتلاعب بالألفاظ لإنشاء جيل جديد يغرس فى عقولهم مصطلحات يهودية وينزع منها القضية الفلسطينية، وظهر ذلك فى إصدارهم كتاب "أن نكون مواطنين فى إسرائيل" للمرحلة الثانوية، والذى وصفه البعض بأنه نص مشوّه ومترجم عن العبرى المُعد للمدارس اليهودية، بل وصل الأمر فى بعض الأحيان إلى إصدار وزارة السياحة منشوراً للسياح الأجانب العام الماضى، تم خلاله إخفاء المعالم العربية واستبدالها بأسماء عبرية، ولم يخل من تلك الخريطة إلا موقع إسلامى فقط هو "قبة الصخرة"، كما تم استبدال الأقصى بـ"جبل الهيكل"، و"حائط المبكى" بدلاً من البراق.
"العربية" لغة ثانوية و"العبرية" اللغة الرسمية فى "قانون القومية"
منذ أيام، صدقت لجنة وزارية إسرائيلية على ما يسمى "قانون القومية"، والذى يعتمد على إلغاء اللغة العربية كـ"لغة رسمية ثانية" فى إسرائيل والاكتفاء بها "لغة ثانوية"، فى حين يتم الاعتراف باللغة العبرية كلغة رسمية، ذلك القانون الذى اقترحه "آفى ديختر" عضو حزب نتانياهو "الليكود" فى الكنيست، الأمر الذى وصفه البعض بأنه تغير جذرى فى النظام الدستورى المعمول به فى الدولة العبرية.
وينص القانون الجديد على أن إسرائيل هى البيت القومى للشعب اليهودى، وحق تقرير المصير فى الدولة يقتصر على اليهود فقط، بالإضافة إلى النشيد الوطنى والعلم والرمز الرسمى، وأن لغة "الدولة" هى العبرية، وتغيير مكانة اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة لها مكانة خاصة، كما ينص بند آخر على أن كل مواطن فى إسرائيل، دون تمييز فى الدين أو القومية، من حقه أن يعمل على الحفاظ على ثقافته وتراثه ولغته وهويته، وأن الدولة لها الحق فى أن تتيح لمجموعة، بما فى ذلك أبناء مجموعة دينية واحدة أو أبناء قومية واحدة، إقامة بلدة جماهيرية خاصة، وهو ما اعتبره البعض صكاً شرعياً للتمييز العنصرى، الموجود بالفعل، بل وزيادة وتيرته فى المستقبل، كما أنه يؤسس قانوناً لحرمان اللاجئين من حق العودة، بالإضافة إلى نوعين من المواطنة، واحدة لليهود مبنية على امتيازات، وأخرى للعرب أساسها حقوق منقوصة، وهذا هو نظام عنصرى بحت.
القانون الجديد قوبل بموجة غضب عارمة، خاصة من زعماء المعارضة فى إسرائيل، حيث اعتبره البعض تهديداً خطيراً للديمقراطية، وتغييراً جذرياً للنظام الدستورى المتبع فى الدولة العبرية، وتكمن خطورته فى تجاهله لحق تقرير المصير، كما تجاهل بشكل واضح فئة كبيرة من المواطنين العرب، وتعمد إهدار أبسط حقوق الإنسان، مثل المساواة وحرية التعبير والعبادة والحقوق الاجتماعية والقانونية، محذرين من تبعاته المستقبلية، وأنه يقضى على الديمقراطية فى البلاد، ما يؤدى إلى مزيد من تفاقم العزلة الدولية.
أما رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، فقد خرج ليدافع عن القانون متحدياً الجميع، مؤكداً أنه سيعزز مكانة إسرائيل، عن طريق تقوية دولة اليهود، بالإضافة إلى الاعتزاز بالتراث اليهودى وتأمين الحقوق لجميع المواطنين، وأنه سيتم إقراره خلال 60 يوماً، وأن إسرائيل دولة الشعب اليهودى ووطنه التاريخى والقدس عاصمته الأبدية، على حد وصفه، وهو ما اعتبرته المعارضة مجرد دعاية انتخابية لرئيس الحكومة.
إدانة فلسطينية ومطالبات بحماية 1.8 مليون عربى و7 ملايين لاجئ فلسطينى
وعلى الجانب الفلسطينى، بفصائله المتناحرة والمتنازعة، فاكتفت السلطة الفلسطينية بإصدار بيان تدين فيه التشريع الجديد، معتبرة إياه تأكيداً للعنصرية التى تحكم بها إسرائيل من احتلالها للأراضى الفلسطينية عام 1948، مشيرة إلى أنه من أسوأ القوانين العنصرية التى تمهد للتطهير العرقى، كما أنه يهدد ما يقرب من 1.8 مليون فلسطينى يقيمون داخل الأراضى المحتلة، كما يحرم أكثر من 7 ملايين لاجئ فلسطينى من العودة إلى ديارهم، مطالبة بتشكيل لجنة أممية سامية للتحقق من التزام واحترام إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة وكافة الالتزامات الدولية تجاه الشعب الفلسطينى.
ويبقى السؤال، هل تتدخل الأمم المتحدة والقوى الدولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وإنقاذ ما تبقى من حقوق للشعب الفلسطينى، أما أنها ستقف كعادتها "عاجزة" أمام "عجرفة" جيش الاحتلال، وتساعد على ضياع ما تبقى من الهوية العربية فى الأراضى الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة