أظن أن أصعب نقاش يقوم عليه إنسان، هو الجدل السفسطائى، فهو يخلق حالة من الإجهاد الذهنى والعصبى لدى الإنسان، فيُرْبِك أفكاره، ويُدخله فى متاهات فكرية، هو بالقطع فى غنى عنها. فهذا النوع من الجدل للأسف، يتسم به الكثيرون، فهم يحاولون به إما للهروب من مأزق جدلى، أو أنهم مُفلسون فكريًا، فيتمسكون بأشياء وأمور لا قيمة لها فى الحوار، ويجعلون منها عناوين لنقاشهم .
وهذا يذكرنى بأبى علقمة النحوى، فقد قَدِمَ إليه ابن أخيه، فقال له أبو علقمة: "ما فعـل أبوك؟" فرد عليه ابن أخيـه قائلاً: "مات"، فقـال أبو علقمة: "وما عِلَّتُه؟"، فرد ابن أخيه: "وَرِمَتْ قدمـيه"، فقـال أبو علقمة: "قل قدماه"، فقال ابن أخيه: "فارتفع الورم إلى ركبتاه"، فرد أبو علقمة: "قل ركبتيه"، فقال ابن أخيه: "دعنى يا عم، فما موت أبى بأشدَّ على من نحوك هذا..!".
فهذا حقًا هو عين الحوار السفسطائى، ومساكين من يقعوا ضحايا لهذه النوعية من الحوارات؛ لأنهم لا يكتشفون الجهد الذى بذلوه إلا بعد انتهاء الحوار بـ (لا شىء)، فهنا فقط يُدركون المأزق الذى وضعوا أنفسهم فيه، أو الذى جرهم إليه الطرف الآخر، دون وعى منهم .
فالأجدر بالإنسان أن يُدرك أن كل لحظة يضيعها فى هذه النوعية من الجدل، لا تتسبب فقط فى ضياع وقته، ولكنها أيضا تقتل الانتعاش النفسى والصفاء الذهنى، وتُشوش العقل، ولا يسعنى أن أقول لمن يقع فى هذا المأزق سوى: "اهربْ فورًا، حتى ولو اتهمك الطرف الآخر بعدم القدرة على استكمال الحوار".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة