القضاء الإدارى ليست مجرد محكمة عادية تصدر أحكاما فقط لتغريم فلان أو حبس فلان أو غيرها من الأحكام التى دائما تصب لصالح المواطن الذى اعتاد دائما وأبدأ أن يستمع لحكم عادل من قضاء شامخ، وفى المطلق يؤدى القضاء الإدارى دورا مهما فى حياة المواطنين وعلاقتهم بأجهزة الدولة ووحداتها وأجهزتها المختلفة.
محكمة القضاء الإدارى أصدرت العديد من الأحكام التاريخية التى رسمت الملامح الأساسية لحقوق المواطنين والحريات العامة، وأثرت الحياة السياسية منذ ثورة 25 يناير 2011 فوجدنا أحكاما صاغت علاقة جديدة بين البسطاء والدولة فى مجال الرعاية الصحية والعلاجية، وذلك على المستويات العمرية المختلفة خاصة الأطفال مستقبل الوطن وعماده ومختلف الأعمار، خاصة البسطاء.
وأصدرت الدائرة التاسعة تعويضات بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة برئاسة المستشار على زمزم نائب رئيس مجلس الدولة، حكما فى الدعوى المقامة من الشاب حسين محمد محمد عبد الفتاح والتى حملت رقم 42128 لسنة 70 قضائية، بإلزام الحكومة متمثلة فى وزارة الصحة ومجلس الوزراء بعلاج شاب عمره لا يتخطى 27 عاما، بالعلاج على نفقة الدولة وسفرة لإكمال علاجه بأحد المستشفيات المتخصصة فى علاج حالته بالولايات المتحدة الأمريكية .
ملامح الفرحة التى ظهرت على كريمة محمد جاد الرب والدة "حسين" لم تكن تتوقع والتى جعلها ترقص بعفوية فى قلب ساحة المحكمة برغم كبر سنها الذى يتخطى الـ50 عاما بعد أن سمعت حكما يعيد حياة نجلها للحياة مرة أخرى بعد أن ظل مدة تصل إلى 16 عاما لم يستطيع التحرك من فراشة بسبب وزنه الذى تخطى الـ 295 كيلو وسبب له مرضا نادرا بالمخ يصعب علاجه فى مصر، الأمر الذى اضطرها للمحاولة لإنقاذ ابنها عن طريق التواصل مع أحد المستشفيات العالمية بالولايات المتحدة الأمريكية .
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إنه احتراما لحق الأفراد فى الحياة والمحافظة على الصحة العامة للمواطن المصرى باعتبارها أحد حقوقه الأساسية، فقد أكد الدستور الحالى أن لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية متكاملة وفقا لمعايير الجودة، وإلزام الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ومن ثم فقد باتت الدولة ملتزمة بتقديم الخدمة الصحية للمواطنين بعلاجهم ورعايتهم طبيا إلى أن يشفى المواطن أو يثبت عجزه، ولا يجوز لها الإخلال بهذا الالتزام بحجة عدم إدراج العقار فى لوائحها الداخلية، أو ارتفاع أسعاره، أو قصور فى موازنتها، أو غير ذلك من الأسباب، خاصة إذا انجلى مرض المواطن بتقارير طبية قاطعة يستوجب ترياقا أيا كان سعره أو تدخل جراحى حاسم يخفف عن المريض آلامه، إذ أن تلبية طلب المريض بالعلاج أمر يفرضه الدستور وينظمه القانون ويبرره الواقع، وأن القول بغير ذلك من شأنه تعريض حياة المريض للخطر وهو ما يجب على الدولة وأجهزتها التنفيذية النأى بنفسها عنه.
استطاعت والدة الشاب التواصل مع أحد المستشفيات بولاية واشنطن، وبالفعل قامت بالرد عليها عن طريق السفارة المصرية، وهذا الذى زرع بداخلها بصيصا من الأمل يعيد حياة نجلها من جديد، ولكن كإعادة الأمل لم يكمل بعد سماع المبلغ الذى طلبه المستشفى فى رده قائلة على حسب الخطاب الوارد منها "نظرا لتعقد حالة المريض وندرتها فلا يمكن الوصول للتكلفة الفعلية إلا بعد انتهاء العلاج ولكن أقل مبلغ تأمين لبدء العلاج هو 285 ألف دولار لمدة خمس أيام بالمستشفى بعد الجراحة، ونظرا لحجم المريض وصعوبة وجود منضدة عمليات مناسبة لحجم المريض ووزنه فجار التواصل للحصول على أحدث المعلومات لحل هذه الأزمة"، بهذه الرسالة ماتت آمال السيدة التى تشاهد يوما بعد يوم الآلام نجلها التى تشاهدها أمام أعينها يوما بعد يوم حتى أن استطاعت محكمة القضاء الادارى عودة فرحتها من جديد بعد الحكم الذى أصدرته .
لم تكل فرحة كريمة التى ظنت أن الحكم سينفذ فى الحال، ولكن تفاجأت بأن قامت هيئة قضايا الدولة موكلة عن وزارة الصحة برفض تنفيذ الحكم وإقامة أشكال للامتناع عن تنفيذ الحكم ويطالب بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة، هكذا عاندت وزارة الصحة فى السيدة التى لم تجد علاجا لنجلها داخل مصر، والأمر الذى دفعها للاستعانة بالقضاء المصرى لحل أزمتها .
وكانت قد نصت عريضة الدعوى على أن رئيس الوزراء كان أصدر قرارا رقم 2981 لسنة 2015 بتاريخ 12 نوفمبر2015 سفر المريض إلى الولايات المتحدة الامريكية للعلاج بمستشفى جون هويكنز لمدة 14 ليلة ومعه مرافق بنفقات قدرها 12 ألف دولار أمريكى شاملة كافة نفقات العلاج وبدل سفر بواقع 60 دولارا له وللمرافق وخصم بالتكاليف على الاعتماد المدرج لعلاج المواطنين، الآن وزارة الصحة امتنعت عن تنفيذ القرار بالمخالفة للقانون، هكذا رفضت وزارة الصحة السماح بسفر المريض للخارج وإكمال علاجه الذى تسبب له فى حالات إغماء مستمرة ولا يستطيع أحد تحريكه من مكان فراشه .
التقت "اليوم السابع" كريمة محمد جاد الرب والدة الشاب، وقالت "إن مجلس الوزراء أصدر قرارا بعلاج نجلها بالخارج بعد سوء حالته وصعوبة علاجه بمصر بعد اكتشاف ورم خطير بالمخ تسبب فى زيادة نسبة هيرمونات داخل جسمه يجعل وزنه يزداد بشكل سريع للغاية، ولكن وزارة الصحة رفضت الاستجابة والتنفيذ، الأمر الذى دفعنى للجوء للقضاء المصرى العادل الذى أنصفنى وكفل لى حق العلاج بالكامل خارج مصر، وأضافت كريمة، أن وزارة الصحة أصرت على القضاء على نجلى برفعها إشكالا معاكسا أمام المحكمة لوقف تنفيذ الحكم ورفض علاجه فى مظهر جعلنى أموت كل يوم حسرة على ابنى اللى هموت قبل ما اشوفه عايش زى كل الشباب اللى حواليه ".
وناشدت كريمة المسئولين سرعة التدخل لإنقاذ نجلها الذى وصفته بـ"الميت تحت رحمة وزارة الصحة" قائلة "ابنى 295 كيلو وقرب يموت من المرض ".
كم حرصت المحكمة على الانتصار للمريض على حساب الحكومة وجعلت من حقوق المواطنين البسطاء فى المجال الصحى أساسا لغرس الانتماء وتمكن بعلمه فى أحكامه التى ستظل لسنوات طويلة شاهدة وشاخصة، بأن حق المواطنة ليس مجرد حق لفظى أو رمزى، وإنما هو حق أصلى وأصيل كما أثبت هذا القاضى الفقيه، أن منصة القاضى ليست فقط لفض الاشتباك بين جهات الإدارة والمواطن فى قضايا إدارية بحتة، وإنما انتهج نهجا جديدا قوامه إعلاء حقوق المرضى باعتبارها جزءا أساسيا من حقوق المواطنة، لأن المواطن بلا صحة يساوى مواطن بلا حقوق وبلا مستقبل، فضلا عن الإنسانية التى تنطق بها أحكامه فوق حيثياته التى تأتى نهجا علميا رصينا فى الفقه القانونى، ليثبت أن منصة القاضى تواجه وتحتوى أهات المرضى.
المريض
مجلس الوزراء يوافق على سفر مريض للعلاج بأمريكا
نص التقرير
نص الموافقة على سفر المريض للعلاج بأمريكا
نص الموافقة على سفر المريض
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة