نقلا عن العدد اليومى..
يقول الشيخ أحمد البهى، إمام وخطيب مسجد السيدة زينب، إن أغلب المفكرين العرب والمستشرقين يجمعون على أن السيدة زينب أول سيدة فى تاريخ الإسلام، لعبت دورًا كبيرًا على مسرح الأحداث السياسية، فهى بطلة كربلاء، التى كانت تداوى الجرحى وتخفف عن المكلومين وتثور للشهداء وتحمىالهاشميات من السبى، ورعت الغلام المريض على زين العابدين بن الحسين، ولذلك كنيت بـ«أم هاشم».
وأضاف أن السيدة زينب ولدت سنة 6 هجرية، وسميت على اسم خالتها التى توفيت سنة 2 هجرية متأثرة بجراحها فى طريق الهجرة، بعد أن طعنها أحد المشركين فى بطنها فماتت هى وجنينها، فسماها النبى صلى الله عليه وسلم على اسم خالتها، لتهدأ لوعة الحزن فى قلبه.
وتوفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمرها خمس سنوات، فما مكثت فاطمة بعده حتى لحقت به، وعدت فى التاريخ من البكائيين الستة، وهم «أدم ندما، ونوح أسفًا على قومه، ويعقوب لفقد ولده، ويحيى مخافة النار، وفاطمة لفقد أبيها، ثم ماتت فاطمة بعد أبيها بستة أشهر فنشأت زينب يتيمة وأوصتها أمها على فراش الموت برعاية أخويها الحسن والحسين.
وزوج الإمام «على بن أبى طالب» ابنته زينب من ابن عمها عبدالله بن جعفر الطيار الذى كان عالى المكانة، وعرف بالكرم والسماحة ولقبوه بقطب السخاء، وكان لا يراها أحد فى بيتها إلا من وراء ستار، وفى محنة كربلاء بعد خروجها من بيتها وصفها من رأوها بأن وجهها شقة قمر، وقال الجاحظ فى البيان والتبيين: كانت تشبه أمها لطفًا ورقة وتشبه أباها علمًا وتقى وكان لها مجلس علم للنساء».
و استشهد الحسين فى كربلاء وسيقت السيدة زينب مع الأسرى والسبايا فكان أبشع موكب فى التاريخ حيث الأشلاء مبعثرة والجثث ملقاة فصاحت: «يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء، يامحمداه، هذه بناتك سبايا وذريتك مقتلة»، ولما رأت أهل الكوفة يبكون قالت: «أما بعد فيا أهل الكوفة أتبكون؟، فلا سكنت العبرة ولا هدأت أتبكون! فلا سكنت العبرة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم مثل التى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلًا بينكم.. إى والله فابكوا كثيرًا واضحكوا قليلًا.. ويلكم يا أهل الكوفة! ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون. أتدرون أى كبد لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فريتم! وأى دم له سفكتم! وأى كريمة له أبرزتم! لقد جئتم شيئًا إدًا تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا، فضج الناس بالبكاء. ودخلت على ابن زياد مجلسه فجلست قبل أن يأذن لها فسأل: «من تكون؟ مرتين فلم تجبه، فقالت إحدى إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة، فقال زياد: «الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم» فقالت: والحمد لله الذى أكرمنا بنبيه، صلى الله عليه وسلم، وآله وطهرنا من الرجس تطهيرًا، لا كما تقول أنت، إنما يفضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله، فقال: «لقد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة والمزدة من أهلك، فقالت: لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فإن يشفك هذا فقد اشتفيت»، فقال: «هذه شجاعة، لقد كان أبوها شجاعًا شاعرًا».
وأخذ ابن زياد يتأمل وجوه السبايا حتى استقرت عيناه على زين العابدين بن الحسين فاستنكر بقاءه حيًا، فأمر بقتله فأعتنقته زينب وهى تقول: حسبك منا، أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحدًا؟، فأمر به لينطلق معهن ووضع القيود حوله، ووصل الركب إلى دمشق حيث قصر يزيد، وقابل الركب ودار بينه وبين زينب حديث طويل ختمته بقولها: «أظننت يا يزيد أنك حين جعلتنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا هوان على الله؟؟ وأن ربك عليه كرامة؟ إن الله إن أملك فهو قوله «ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين»، ثم أمر بسفرها وأهلها إلى المدينة، وأرادت أن تقضى بقية حياتها هناك فأبى بنو أمية حتى لا تلهب مشاعر الناس للأخذ بثأر آل البيت، فطلبوا منها الخروج حيث تشاء، فاختارت مصر ورحلت إليها سنة 61 هجريًا فى شهر شعبان واستقبلها مسلمة بن مخلد والى مصر، وأقامت بها ولم تبرحها حتى انتقلت إلى جوار ربها سنة 62 هجريًا.
تقول الدكتورة عائشة عبدالرحمن، «بنت الشاطئ»، فى كتابها الذى حمل عنوان «السيدة زينب»، واعتمدت فيه على كثير من المصادر والمراجع التاريخية المهمة: اختار الإمام على بن أبى طالب، لفتاته حين بلغت مبلغ الزواج، من رآه جديرًا بها حسبًا ونسبًا، وتهافت عليها الطلاب من شباب هاشم وقريش، ذوى الشرف والثراء، فكان «عبدالله بن جعفر» أحق هؤلاء جميعًا بزهرة آل البيت وعقيلة بنى هاشم، وأثمر الزواج المبارك، فولدت أربعة بنين»: عليا ومحمدًا وعونا الأكبر وعباسًا، كما ولدت له فتاتين، إحداهما أم كلثوم التى أراد معاوية بدهائه السياسى أن يزوجها من ابنه يزيد كسبًا للمعسكر الهاشمى، فترك عبدالله أمر فتاته لخالها الإمام الحسين الذى آثر بها ابن عمها القاسم من محمد بن جعفر بن أبى طالب.
تمسك المراجع التاريخية عن وصف صورتها فى تلك الفترة، إذ هى فى خدرها محجبة لا يلمحها أحد إلا من وراء ستار، غير أنها عندما خرجت من خدرها بعد عشرات السنين فى محنة كربلاء، وصفها من رآها فقال كما نقل الطبرى: وكأنى أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس طالعة.. فسألت عنها، فقالوا: هذه زينب بنت على». ويصفها عبدالله بن أيوب الأنصارى، وقد رآها عقب وصولها إلى مصر، بعد مصرع الحسين، فقال: «فوالله ما رأيت مثلها وجهًا كأنه شقة قمر».
وكانت السيدة يومئذ فى الخامسة والخمسين من عمرها: غريبة متعبة مفجوعة ثكلى، فكيف بها إبان الشباب قبل أن تأكلها السنون وتطحنها الأحزان وتجرعها كأس الثكل حتى الثمالة؟
ذكر النسابة العبيدلى وهو مؤرخ من القدماء، فى أخبار الزينبيات على ما حكاه عنه مؤلّف كتاب السيدة زينب: أنّ زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بنى أميّة إلى المدينة خاف عمرو بن سعد الأشدق من أن تؤلب الناس على يزيد بن معاوية، فكتب إلى يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرّق بينها وبين الناس، فأمر الوالى بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة، وقالت: لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عمّاه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبى نفسًا وقرّى عينًا، وسيجزى الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هوانًا؟ ارحلى إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بنى هاشم وتلطّفن معها فى الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بنى هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذى الحجة، واستقبلها الوالى مسلمة بن مخلد الأنصارى فى جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا، وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يومًا مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها فى دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف الزهرى بالقاهرة، فيما تشير روايات أخرى إلى أن عبدالله بن جعفر الطيار رحل من المدينة، وانتقل مع زينب إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق فى قرية اسمها راوية وقد توفت زينب فى هذه القرية، ودفنت فى المرقد المعروف باسمها والمنطقة معروفة الآن بالسيدة زينب وهى من ضواحى دمشق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة