ارتدى سمير القنطار ثيابا جديدة، جاكيت أخضر قصيرا وقميصا بيج ضيقا، وبنطلونا أخضر تشارلستون، لم ينظر فى المرآة لأن هذه ليست من عاداته، لكنه لو فعلها كان سيبدو كفتى يستعد لموعده الأول مع فتاة أحلامه، تزين بهذه الثياب يوم 20 إبريل «مثل هذا اليوم» عام 1979 للذهاب إلى فلسطين فى نفس اليوم لينفذ عملية فدائية باسم «جمال عبد الناصر» فى مدينة نهاريا شمال إسرائيل، ويروى وقائعها للصحفى اللبنانى «حسان الزين» فى كتابه «سمير القنطار.. قصتى»، «دار الساقى - بيروت - لبنان».
تعرقلت العملية فى هذا اليوم لأسباب تقنية غير متوقعة، لكن تنفيذها تم بعدها بيومين «22 إبريل» وقادته إلى الأسر والسجن فى إسرائيل مدة 29 عاما ليحصل بمقتضى هذه المدة على لقب «عميد الأسرى اللبنانيين»، وحين تم الإفراج عنه فى صفقة بين حزب الله وإسرائيل يوم 16 يوليو 2008، انتقلت أركان الدولة اللبنانية إلى مطار رفيق الحريرى فى بيروت لاستقباله، وكان فى مقدمتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس البرلمان نبيه برى، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
كان «القنطار» يوم 20 إبريل 1979 يبلغ من العمر 16 عاما وسبعة أشهر «مواليد 20 يوليو 1962» وينتسب لعائلة درزية لبنانية بقرية «عبية»، وانتسب فى بداية نضاله إلى «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل ثم انسحب منها وانضم إلى «جبهة التحرير الفلسطينية» التى أسسها «طلعت يعقوب» و«أبو العباس»، وفى 31 يناير عام 1978 قصد فلسطين مع رفيقين من الجبهة عبر الأردن، لكنه اعتقل لمدة 11 شهرا فى عمان، وتم ترحيله إلى لبنان فى 25 ديسمبر 1978، وفى فترة اعتقاله بـ«عمان»، وكما يروى فى كتاب «سمير القنطار»: «أخبرنى أحد شركائى فى الزنزانة بعملية دلال المغربى فى 11 مارس 1978 فى «تل أبيب». مشهد دلال وهى ترفع العلم الفلسطينى وتؤدى النشيد الوطنى فى الباص مع الرهائن الإسرائيليين أشعلنى حماسة، قلت أنا التالى، سأكرر محاولتى وسأصل إلى أرض فلسطين «وبالفعل كانت المحاولة التى بدأت يوم 20 إبريل، وتمت يوم 22، وأكثر ما يلفت النظر فيها هو قيادة «القنطار» لها بالرغم من حداثة سنه، ويتعرض لهذا الأمر فى سرد تفاصيلها، وفيها يتحدث عن الاستعدادات، والانتقال هو ومجموعته إلى نقطة تجمع متفق عليها فى بستان لا يعرفه إلا هو وأبو العباس، نائب الأمين العام لجبهة تحرير فلسطين والمسؤول العسكرى، وكان المكان قريبا من الحدود مع فلسطين.
وفى هذا المكان التقط مصور الإعلام الحربى للجبهة «أبو جورج» صورا للمجموعة، فى أوضاع مختلفة، ويؤكد «القنطار» أن المنظمات الفلسطينية درجت على هذه العادة، لإعلان مسؤوليتها عن العمليات كى لا تنفيها إسرائيل أو يتبناها تنظيم آخر، وترفق تلك الصور بوصيات يكتبها الفدائيون إلى أسرهم والأمة، يؤكدون فيها خيارهم الحر فى المقاومة والاستشهاد، يضيف القنطار: «انضم إلينا أبو العباس، وقف فى مواجهتنا وخبط كفه بالأخرى فبدا وكأنه يدعونا إلى أمر بعد إنجاز الاستعداد له». قال: ستنطلقون اليوم لتنفيذ عمليتكم، عملية القائد جمال عبد الناصر على أرض فلسطين، ردا على اتفاق الذل الإسرائيلى-المصرى المنفرد المسمى «كامب ديفيد»، وتأكيدا لاستمرار ثورتنا حتى النصر وتحرير كامل تراب فلسطين، وانتقاما لأبناء شعبنا الذين يشردون ويقتلون يوميا وسط صمت عربى مريب».
سأل أبو العباس، القنطار عمن يختاره ليكون مساعدا له فى قيادة العملية، فأشار إلى «ماجد»، ويصف هذه اللحظة بالكوميدية، والسبب أن ماجد الأطول بيننا يكبرنى بسبع سنوات (1955)، وأبو أسعد باثنتى عشرة سنة، ومحمد على بسنتين، وأنا الأقصر قامة بينهم، لا أعرف ما الذى جعلنى قائدا للمجموعة، اندفاعى للقتال ربما، فهذا ظاهر علىّ فى تصرفاتى وحياتى الخالية من أى اهتمام أو بعد آخر، وخيارى أن أكون فى تنظيم فلسطينى «جبهة التحرير الفلسطينية» يفسر ذلك، لقد جذبنى الخطاب الثورى للجبهة الجديدة وقيادتها عناصر من جيل الشباب المتأثر بنكسة 5 يونيو 1967.
انطلق «القنطار» والمجموعة بالزورق الساعة الثامنة مساء، وبعد ساعتين من المسير المتأنى حتى لا تكتشفهم الزوارق الإسرائيلية التى تجوب البحر، توقف نتيجة عطل ميكانيكى، وفشلت كل المحاولات معه، وبالاتصال عبر اللاسلكى مع أبو العباس أمر «القنطار» بالعودة، وحين استدار الزورق عائدا كانت المفاجأة أنه تعافى، لكن العملية تأجلت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة