فى الندوة التى نظمتها جمعية النقد الأدبى بجاردن سيتى، حول قصيدة النثر، والتى حاضر فيها الناقد أحمد حسن عوض، وأدارها الشاعر وائل السمرى نائب رئيس تحرير "اليوم السابع"، جاء الحديث عن قصيدة النثر مفيدا ومتشعبا وفتح بابا واسعا للحديث عن الشعر ومستقبل الكتابة فى مصر، وعلاقة هذه القصيدة بالماضى ورجالها، وجمالياتها.
فى البداية قدم وائل السمرى الندوة قائلا: "إن أحمد حسن له تجربة مهمة فى النقد بوجه عام وفى قصيدة النثر بوجه خاص، فهو يتجاوب مع النص بصفته نصّا، ولا يقرأ القصيدة من الخارج مثلما يفعل الكثيرون الذين يضفون قدرا من آرائهم وتوجهاتهم وأفكارهم السياسية على النصوص، كما أن أحمد حسن يستكشف العلاقات اللغوية القائمة داخل القصيدة بشكل مندمج كلى وبشكل تفصيلي، لذا فإن ما يقوم به أحمد حسن تجربة حقيقية ومفيدة فى مسرته الشخصية وفى مسيرة قصيدة النثر".
وبدأ الناقد أحمد حسن كلامه قائلا: "إنه يريد مساءلة قصيدة النثر والبحث عن الشعر الكامن فيها، ويحاول أن يتجاوز ما قاله سابقا فى كتابه (مغامرات نصية)".
وتتبع أحمد حسن الاختلافات التى صاحبت قصيدة النثر منذ بدايتها، وتحديدا منذ قرأ العرب كتاب سوزان برنارد "قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا"، وبدأت مجلة شعر ورجالها خاصة أدونيس وأنسى الحاج هدم آخر جدار لقصيدة التفعيلة، وطرحوا كل شىء قديم للتشكك حتى اللغة التى يكتب بها النص، وبذلك صنعت القصيدة مساحة بين الشعر وأدواته، وبالتالى أصبحت قصيدة النثر هوية مفتوحة، وأصبح البعض يخشى أن تصبح بلا هوية، لذا صار لزاما على الناقد البحث عن أطر وقواعد، فالشاعر يسعى للهروب من القاعدة بينما دور الناقد أن يجدها ويؤصل لها.
وأضاف أحمد حسن أن جيل السبعينيات حاولوا شرعنة قصيدة النثر بالبحث عن أصول عربية لها عند آباء عرب مثل النفرى وغيره، أما جيل الثمانينيات فبدت قصيدة النصر لديه أكثر ألفة واعتيادية وأكثر اقترابا من الواقع والتأمل فيه.
وتوقف "حسن" عند بعض القيم الجمالية الجديدة التى تفرضها قصيدة النثر، ومنها شعرية الصورة والتناص والكتابة بالجسد والبطل الضد "الذى لا يحلم بتغيير العالم"، والذى لم يعد يحمل القداسة القديمة بل صار إرهابيا عند الشاعر أسامة بدر وقاطع طريق عند فتحى عبد السميع، كذلك هناك شعرية التأمل وشعرية التأويل، والكتابة ضد الكتابة.
وطبق أحمد حسن بعض هذه الجماليات على قصائد لـ شعراء مثل "عاطف عبد العزيز، جمال فتحى، أسامة حداد، أسامة بدر، فتحى عبد السميع، محمد القليني".
وعقب على ذلك الكلام، قال وائل السمرى: "هناك شيئان فيما قاله أحمد حسن، الأول أنه يتعامل مع قصيدة النثر تعاملا حرا، لا يهرب إلى أى تبريرات، أو يضفى عليها شرعية تاريخية أو نقدية، ولا يتعامل معها بتمييز نسبى، فهى قصيدة كاملة الأهلية".
الأمر الثانى الذى أشار إليه "السمرى" إلى أن أحمد حسن يعتبر قصيدة النثر حلقة من سلسلة الشعرية العربية وليست كيانا يخاصم التاريخ، فهو يرصد الاختلاف ويلمح الحساسية الجامعة لها ويؤطر لها فى سياق واحد.
ومن جانبه قال الشاعر عاطف عبد العزيز، إن أحمد حسن ليست لديه رؤى متجمدة، ولا يقدم نقدا ثابتا، لكنه فى الوقت نفسه يبحث عن صورة ثابتة لكائن حر.
وأضاف عاطف عبد العزيز: "قصيدة النثر بالمصطلح الفرنسى ليست موجودة فى العالم العربى، خلال جيلى الستينيات والسبعينيات، ومجلة شعر لم تفعل سوى التخلى عن الوزن، كما فى نصوص أنسى الحاج، فقد احتفظوا بالاستعارة وهى أساس القصيدة العربية القديمة".
وأضاف عاطف عبد العزيز أن العرب كتبوا القصائد القديمة نفسها بكل ما فيها، فقط أسقطوا الوزن، لكن الرؤية واللغة والمعنى لم يختلفوا فى شيء، لكن فى فرنسا تخلوا عن كل القيم الكتابية التى كانت معروفة.
وأشار "عبد العزيز" إلى أن القصيدة العربية سعت لتكون "مفهومة" وواضحة، لكن القصيدة فى فرنسا هى مجرد كيان هندسى معلق فى الفراغ.
وتابع عاطف عبد العزيز: "الخلاصة أن العرب لم يقدموا قصيدة نثر لكن قدموا شعرا حرا بطريقة الغرب، وعلينا أن نؤكد أن شعر التفعيلة ليس شعرا حرا لأنه (خليلى) نوعا ما".
وعن جيل "السبعينيين" قال عاطف عبد العزيز، نفر قليل جدا من كتب قصيدة النثر هم رفعت سلام وأمجد ريان ومحمود نسيم فى ديوانه الأول فقط .
ويعتبر عاطف عبد العزيز أن جيل التسعينيات هو من كتب قصيدة النثر لأنهم قالوا "لا للاستعارة ويمكن تقبل الكناية"، وفعلوا ذلك ليصبحوا فى مواجهة الحقائق مباشرة، ففى القصيدة السابقة عليهم كانت الذات عظيمة وتمثل مركز القوة، أما جيل التسعينيات فالذات صارت على الهامش خارج المركز تماما.
واختلف عاطف عبد العزيز مع أحمد حسن فى سبب ظهور قصيدة التفعيلة العربية، فـ أحمد حسن اعتبر ظهورها سببه حركات التحرر السياسى، بينما أرجعها "عبد العزيز" إلى الحرب العالمية الثانية خاصة ما حدث فيها من استخدام للقنبلة الذرية فالعالم تهشم تماما والقصيدة العربية وعمودها تهشما أيضا، ثم بعد ذلك جاءت قصيدة النثر التى تعتبر أول إشارة إلى ما بعد الحداثة لأنها خرجت من الثنائية إلى التعدد.
ومن جانبه قال الناقد خالد حسان: "علينا أن نتنبه إلى أن قراءة القصيدة من الدخل بقدر قيمتها لكنها فى الوقت نفسه فخ يسقط فيه الناقد، لأن قد يتورط فى الجمع بين أشياء هى فى الحقيقية ليست كذلك"، وطالب "حسان" الناقد أحمد حسن بالإشارة إلى نوعين فى قصيدة النثر "القصيدة الرؤيوية" ويمثلها أدونيس و"القصيدة اليومية" ويمثلها محمد الماغوط.
الشاعر جمال فتحى أشاد بتجربة أحمد حسن فى دراسة قصيدة النثر، وأكد أنه مطلع على محاولات "حسن" بشكل دائم، وطالبه بالبحث عن قيم جمالية جديدة تطرحها النصوص الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة