بين حين وآخر نسترجع كلماته وكأنه يعيش بيننا يشهد ما نعانيه من أزمات ومشكلات ويقدم بحكمته ونور قلبه وفصاحة لسانه حلولا تشفى الصدور، ووصفا يتطابق مع واقعنا الحالى رغم أنه رحل عنا منذ سنوات.
كانت كلماته عن مصر ولا تزال ردا مفحما لكل المتشددين والمتربصين بكنانة الله فى أرضه، الذين وصفوها بالأمة الكافرة، مؤكدا أن مصر صدّرت علوم الإسلام إلى الدنيا كلها، حتى للبلد التى نزل فيه الإسلام.
وما أحوجنا اليوم لفكر إمام الدعاة الشيخ الشعراوى الذى تحل ذكرى مولده اليوم الموافق 15 إبريل، وتأتى هذه الذكرى فى وقت يعيث فيه المتشددون وأصحاب الفكر المتطرف فسادا فى عقول الشباب، ويسممون حياة الناس بفتاواهم التى تحرم كل شىء وتكفر الجميع، ولا يجد الشباب من يحصنهم ضد هذا التطرف بإظهار سماحة ووسطية الإسلام بأسلوب سهل كما كان يفعل إمام الدعاة.
وفى هذه الذكرى نسوق بعضا من مواقف إمام الدعاة وسماحته وموقفه من جماعات الإسلام السياسى، ومما يسوقه مشايخ التطرف من تبريرات للتحرش بالنساء تحت زعم عدم الحشمة.
كان الشيخ الشعراوى وسطيا سمحا ولم يكن شيخا منفرا ممن يكرهون الناس فى الدين، لذلك لم يحرم الفن حتى لمن جاءوه من الفنانين والفنانات يسألونه عن حكم العمل بالفن، وكانت إجابته دائما أن حلاله حلال وحرامه حرام، وهو ما فعله عندما ذهب إليه الفنان حسن عابدين ليؤكد أنه سيعتزل الفن بعدما منعه أحد الحراس فى مسجد الرسول عندما ذهب لأداء العمرة قائلا "ابعد من هنا أنت ممثل"، وتأثر عابدين بشدة وقرر اعتزال التمثيل، فنصحه الشعراوى بعدم الاعتزال وتقديم فن هادف يحارب الفن الرخيص، وهو ما فعله مع الفنان حسن يوسف وعدد من الفنانات اللاتى ذهبن لأخذ رأيه بعد ارتداء الحجاب فى اعتزال التمثيل ومنهن عفاف شعيب وسهير رمزى.
كان إمام الدعاة يتعامل باحترام مع الفنانات، وهو ما جعل أغلبهن يلجأن إليه للسؤال عن أمور الدين حتى وإن لم يكن محجبات أو لم يعتزلن التمثيل، وفى حوار أجريناه مع حفيده أكد أن جده كان يستقبل كل من يلجأ إليه بحفاوة، وأنه استقبل الكثير من الفنانات ومنهن شادية وشمس البارودى وهالة الصافى وغيرهن، وكن يجدن لديه ما يشرح صدورهن ويطمئن قلوبهن وكان يتعامل معهن باحترام شديد، حتى أنه كان لا يذكر الفنانة شمس البارودى إلا بلقب “الست شمس”، وكان يقول دائما إن هناك شيوخ ترغيب وشيوخ ترهيب، وأن شيوخ الترغيب يقتربون من الناس ويشجعونهم على التوبة والتقرب إلى الله، أما شيوخ الترهيب فيرهبون الناس، وأكد الحفيد أنه كان يتعجب من استقبال جده إمام الدعاة لبعض من يراهم غير ملتزمين دينيا وأنه حين كان يسأله قائلا: كيف تستقبل فلانا وهو يفعل كذا وكذا فكان يقول له: “من خدعنا بالله انخدعنا له".
لم يكن الشيخ الشعراوى متشددا وكان سمحا وسطيا، وسمعت من الفنانة المعتزلة شمس البارودى تفاصيل ما قاله لها فى حكم ارتداء النقاب، فرغم أنها أكدت أن إمام الدعاة لم يكن لم يكن له دور فى قرار اعتزالها، إلا أنها حين سألته عن حكم ارتداء النقاب أكد أنه لا يفرض ولا يرفض قائلا: "النقاب فضل وليس معلوما من الدين بالضرورة وأنه لا يفرض ولا يرفض"
كانت الفنانة تحية كاريوكا تلجأ للشيخ الشعراوى فى أواخر حياتها تستشيره وتسأله فى أمور الدين، بعدما قابلته صدفة أثناء أداء العمرة، وبكى عندما كلف محاميا ليسترد شقتها من طليقها، وفوجئ برفضها قائلة: أنا راضية بحالى وكبرت ويمكن طليقى مايلاقيش مكان تانى يسكن فيه مع زوجته وبنته، فبكى إمام الدعاة قائلا: أنا غيران منك يا تحية لأن ربنا جعل لك قصورا فى الجنة.
وفى الوقت الذى نشهد فيه تزايد حوادث التحرش ونرى فيه مشايخ السلفية يبررون هذه الجريمة بإلقاء التهم على النساء واتهامهن بعدم الاحتشام، نحتاج أن نرجع إلى رأى إمام الدعاة الذى لم يبرر مجرد النظر إلى المرأة حتى وإن كانت ترتدى مايوه.
ففى معرض سؤال الشيخ الشعراوى فى أحد البرامج عن حكم من يرى السيدات عاريات فى حمامات السباحة وعلى الشواطئ؟ تساءل الشيخ إن كان المذيع يقصد كلمة يراها "بفتح الياء" أو "يراها" بضم الياء، قاصدا، هل نظر الرجل إلى المرأة عن قصد منه أم لا، مؤكدا أنه مذنب إذا نظر لها عن قصد، وقال الشيخ: "ماحدش ضربك وقالك بص، وأن الله جعل الإنسان قادرا على غض بصره وإغماض عينيه، وأن الإنسان إذا استحضر العقوبة مع كل معصية فلن يرتكب المعاصى، وأن آفة البشر أنهم يستعرضون لذة المعصية ولا يستحضرون عقوبتها".
لم يبرر الشيخ مطلقا نظر الرجل إلى المرأة حتى وإن كانت عارية، ولم يلق عليها اللوم ليبرر تحرش الرجال بالنساء، ولكنه نصح الرجال بغض أبصارهم.
وساق الشعراوى مثالا بأنه إذا جىء لشاب بفتاة سويدية جميلة وقيل له افعل بها ما تشاء، ولكن بعد أن تنتهى من فعلتك ينتظرك فرن ستلقى فيه بعد انتهائك من هذه اللذة، مؤكدا أنه لن يرتكب هذه المعصية وسيراجع نفسه قبل الخطيئة.
وقال الشعراوى مؤكدا مسئولية الرجل إذا نظر إلى عورة المرأة عن عمد قائلا: "لك أول نظرة التى تطرأ دون احتياط، أما الثانية التى تقصدها فستحاسب عليها."
وهو نفس المنطق الذى فسر به الآية القرآنية "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، مؤكدا أن الله يريد ترقية الغرائز ويسد منافذ فساد الأعراض حتى يصبح المجتمع طاهرا شريفا، لا تسوده الإثارة أو الإهانة أو الاعتداء على الأعراض.
أما عن علاقة إمام الدعاة بجماعات الإسلام السياسى، فتحدث عنها حفيده مؤكدا أن جده كان وفديا حتى النخاع مؤمنا بمبادئ الوفد، وأنه انضم لجماعة الإخوان المسلمين فى مهدها وبداية نشأتها حين كانت جماعة دعوية وإصلاحية لا تتطلع للحكم والسياسة، وأنه هو الذى كتب وصاغ أول بيان لإعلان تأسيس جماعة الإخوان، حيث كان خطيبا مفوها وكان عمره وقتها حوالى 28 عاما، ولكنه سرعان ما انفصل عن الجماعة بعد تدخلها فى السياسة وما حدث وقتها من اغتيالات للنقراشى والخازندار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة