أزمة إنسانية تدمى القلوب ويغفل عنها المجتمع الدولى فى خضم الصراع بين القوى العظمى والصراعات الإقليمية على النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تعيشها دولة جنوب السودان التى باتت على شفا الانهيار التام بعد وصول معدلات الفقر والمجاعة اعلى مستوياتها عقب تفاقم الصراع الدموى المسلح بين الحكومة الجنوبية والحركات والميليشيات المتمردة.
الأزمة لا تشغل بال القوى الدولية ولا مجلس الأمن وينحصر الاهتمام بإصدار تقارير "عديمة الجدوى" بين الحين والآخر تكشف مدى التدهور الذى وصلت له الأوضاع فى جنوب السودان، ومن أحدث تلك التقارير ما أصدرته مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة لعام 2017، فى تقريرها الاستراتيجى الاقليمى للاجئين، الذى اعترف بأن عدم إحراز تقدم فى الاتفاق السياسى بدولة الجنوب يؤزم الوضع الإنسانى المتدهور للمدنيين، وتوقع مع دخول الصراع عامه الرابع أن يظل انعدام الأمن مرتفعاً للغاية.
انتهاكات واسعة للمدنيين
وأشار التقرير الأممى، الذى نشرت مقتطفات منه صحيفة "الانتباهة" السودانية، إلى أن وتيرة النزاع فى جنوب السودان قد تضاعفت منذ يوليو 2016، ومازال الوضع يتسم بانتهاكات حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنسانى الدولى، بما فى ذلك التقارير عن عمليات القتل خارج نطاق القانون للمدنيين، والاختفاء القسرى والاغتصاب وغيره من أشكال العنف، وتجنيد الأطفال واستخدامهم فى الصراعات المسلحة، ونهب وتدمير الأصول المدنية والإنسانية، وتقليص حرية التنقل.
ولفت التقرير أيضاً إلى أن الحوادث المبلغ عنها تشير إلى فظائع على نطاق واسع، بما فى ذلك عمليات "التطهير العرقى" الممنهجة، موضحا أن المستشار الخاص للأمم المتحدة المعنى بمنع الإبادة الجماعية حذَّر فى بيان أدلى به عقب زيارته إلى جنوب السودان خلال نوفمبر الماضى بقوله: "مع تزايد حدة الصراع فإن آثار اندلاع العنف فى ديسمبر 2013 مازالت قائمة، ولم يتم التحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة فى ذلك الوقت، بل تجددت أعمال العنف على أساس يومى، وأى أمل فى المصالحة أمر بعيد المنال".
ثلث السكان بدون غذاء
وأكد التقرير الأممى أن ما يثير القلق هو أن 4.8 مليون شخص فى جنوب السودان، أى أكثر من ثلث مجموع السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائى والمجاعات، وقد وصل انتشار سوء التغذية أعلى مستوياته ووصل مستوى الطوارئ العالمى فى 7 من بين 10 ولايات، ضعف سقف الطوارئ تقريباً فى ولاية الوحدة وشمال بحر الغزال.
وأوضح التقرير أن مرض "الكوليرا" يتفشى فى دولة الجنوب للسنة الثالثة على التوالى، بينما مازال اتفاق حل النزاع فى جمهورية الجنوب الذى وقعه الجيش الشعبى لتحرير السودان فى المعارضة فى أغسطس 2015، هشاً.
ولفت التقرير إلى أنه رغم تشكيل حكومة انتقالية للوحدة الوطنية فى أبريل 2016، إلا أن التنفيذ الفعال للاتفاق قد انحرف مراراً عن طريق التفتت والانشقاقات السياسية من جهات فاعلة مع زيادة الاستقطاب.
وأكد التقرير أن الأوضاع الاقتصادية هى الأسوأ هناك، حيث انخفضت قيمة الجنيه الجنوبى بشكل سريع فى عام 2016، ووصلت إلى أدنى مستوى له على الإطلاق منذ نوفمبر 2016، وارتفعت تكلفة المعيشة بشكل كبير، حيث ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك السنوى فى جنوب السودان بنسبة 835% منذ أكتوبر 2015 إلى أكتوبر 2016، وهو أعلى معدل تضخم على أساس سنوى فى العالم.
وأدى انعدام الأمن على طول الطرق الرئيسة إلى إضعاف التجارة وقدرة التجار على الوصول إلى العملة الصعبة من أجل ادخال الواردات.
وأوضح التقرير أن عوامل مجتمعة أدت لزيادة انعدام الأمن الذى تفاقم، مشيرا إلى أن الوساطة المتلاحقة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى لم تستعد بعد السلام المستقر.
اللجوء إلى دول الجوار
وحسب التقرير فإن 1.7 مليون نازح داخلى يقيم 75% منهم فى المناطق الثلاث الأشد تضرراً فى ولايات الوحدة وأعالى النيل وجونقل، متوقعا أن يستمر القتال فى أجزاء مختلفة من أعالى النيل الكبرى والاستوائية الكبرى، مما سيؤدى إلى مزيد من النزوح داخلياً وعبر الحدود حتى نهاية عام 2017 الجارى.
وأوضح التقرير أن نحو 2.1 مليون مواطن من جنوب السودان اصبحوا لاجئين فى المنطقة بصورة ليس لها مثيل، مما جعل النزوح القسرى من جنوب السودان أكبر حركة للاجئين على نطاق واسع تحدث فى إفريقيا.
وقد منح اللاجئون من جنوب السودان اللجوء فى المنطقة من قبل حكومات السودان، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، إثيوبيا، كينيا وأوغندا.
وأشاد التقرير بسياسة اللجوء السخية التى تتبعها تلك البلدان ووصفها بالجديرة بالاهتمام والنظر إليها، مثل جمهورية السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتصنف ضمن الدول العشر الأكثر هشاشة وفقاً لمؤشر الدولة الهشة لعام 2016 لصندوق السلام حسب التقرير.
وأصبح التصدى للاحتياجات المتصاعدة للاجئين من جنوب السودان بطريقة شاملة وفى الوقت المناسب ضرورة إقليمية، خاصة أن الأغلبية من النساء والأطفال والشباب أصبحوا معرضين للخطر الشديد بسبب التعرض المطول للعنف وانعدام الأمن الغذائى والتشرد المتعدد، فضلاً عن مخاطر الحماية بما فى ذلك العنف بأنواعه والتجنيد القسرى.
ووفق التقرير فإن محدودية توافر البنية التحتية عرقل تدفق قدرات الاستقبال فى مناطق الاستضافة التى تفتقر إلى الخدمات، مما أدى إلى حدوث توترات ونقص شديد فى جميع القطاعات، وخاصة الغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم والوصول إلى الأراضى الصالحة للزراعة والقدرة على الاعتماد على الذات.
انعدام الأمن الغذائى
وحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمى صدر خلال أبريل الجارى، فإن النزاع وانعدام الأمن يشكل الدافع الرئيس لانعدام الأمن الغذائى الحاد الذى تضاعف جراء موسم الجفاف بدولة جنوب السودان، مما أدى إلى آثار مدمرة على سبل العيش وحالة التغذية.
وفى مناطق النزاع أصبحت المساعدات الإنسانية مصدراً رئيساً للأغذية، وهى الآن غير كافية لتلبية جميع احتياجاتها، وارجع التقرير ذلك أساسا إلى القيود الشديدة المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية.
وأشار التقرير إلى أن سوء التغذية الحاد شكل حالة طوارئ كبرى فى مجال الصحة العامة فى الجنوب، موضحا أن الأدلة أثبتت أن فى الجزء الجنوبى من ولاية الوحدة، يعانى طفل من كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية الحاد، وهذا يمثل وضعاً غير مسبوق يتطلب اتخاذ إجراءات فورية.
تسليم مطار جوبا الدولى
وفى سياق التوتر الأمنى، ذكرت "الانتباهة" أن المجتمع الدولى أمهل رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت 48 ساعة لاتخاذ قرار نهائى بشأن تسليم مطار جوبا الدولى للقوات الدولية، الأمر الذى ترفضه حكومة جنوب السودان وتعتبره تقويضا لسيادة البلاد.
وبحسب مصدر دبلوماسى مطلع للصحيفة فان المجتمع الدولى قال أن المهلة التى قدمت للرئيس سلفا كير تنتهى الخميس، حيث من المقرر أن يعلن سلفا كير تسليم المطار للقوات الدولية التى يتوقع نشرها خلال شهر ابريل الجارى ومطلع مايو المقبل.
وكشف مصدر أن رئيس هيئة الأركان فول ملونق أوان اعتبر أن تسليم مطار جوبا يعتبر استسلاماً للمجتمع الدولى، وفيما يلى تفاصيل الأحداث الداخلية والدولية المرتبطة بأزمة دولة جنوب السودان أمس.
واو مدينة أشباح
فيما أكد مصدر بوكالة إنسانية من مدينة "واو" بولاية غرب بحر الغزال، أن المدينة أصبحت مدينة أشباح صباح الأربعاء الماضى، بعد لجوء معظم سكان المدينة لمعسكرات الامم المتحدة وخارجها نتيجة القصف العشوائى للمليشيات الحكومية على المواطنين.
وأكد مصدر طبى رفيع فى مستشفى واو التعليمى فضل حجب اسمه لدواعى أمنية، عن ارتفاع ضحايا الأحداث فى واو إلى 25 قتيلاً و11 جريحاً، مضيفا أن ذلك جاء خلال اطلاق النيران من قبل قوات الجيش الشعبى ومليشيات "مثيانق انيور" الحكومية وفقاً للشهود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة