انطلقت اليوم فى مدينة عنتيبى الأوغندية فعاليات الاجتماع "الطارئ" لدول حوض النيل، لمناقشة الشواغل المصرية التى تمنعها عن المشاركة فى أنشطة المبادرة منذ عام 2010، نتيجة الخطوة المنفردة من بعض من دول الحوض بالتوقيع المنفرد على مسودة الاتفاقية الإطارية "عنتيبى" غير المكتملة دون الوصول لتوافق حولها، ومن المقرر أن يصدر بيانا عن نتائج الاجتماع عقب الانتهاء منه.
يأتى الاجتماع فى إطار الحرص من دول المبادرة على وجود مصر فى الأنشطة المختلفة للمبادرة، بعد أن أوضح شركاء التنمية الممولين للأنشطة صعوبة استمرار التمويل فى ظل عدم وجود توافق بين الدول، وغياب مصر وضرورة التشاور معها، لتقريب وجهات النظر بين القاهرة، وبين هذه الدول وإعداد سيناريوهات لحل النقاط الخلافية لأن التمويل المتبقى للمبادرة سينتهى يونيو المقبل .
وجاء فى بيان رسمى لوزارة الرى اليوم أكدت فيه أن مصر تعول على تفهم دول الحوض لتلك الشواغل مع إعادة الحوار حول النقاط الخلافية فى الاتفاقية الإطارية ووضعها على مائدة التفاوض بما يسهم فى عودة مصر للمشاركة فى أنشطة مبادرة حوض النيل بعد الاتفاق على حل النقاط الخلافية، مما يكفل التحرك الجمعى والشامل لكل دول الحوض سعيا لتحقيق مبدأ الفائدة للجميع ومنع الضرر .
وزير الرى: مصر تسعى أن تكون النتائج طريقا لاستعادة وجود الجميع بمبادرة حوض النيل
من جانبه أكد الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والرى، ورئيس الوفد المصرى فى الاجتماعات، أن مصر يحدوها الأمل فى أن تمهد نتائج هذا الاجتماع الطريق أمام عملية لاستعادة شمول الجميع لمبادرة السلام الوطنية، من أجل رفاه شعبنا والأجيال المقبلة، وأننا على يقين تام من أن الوضع الفريد لمصر، وحالة ندرة المياه الحادة التى تواجهها مصر، سوف ينظر فيها بشكل جيد خلال مناقشة خارطة الطريق المستقبلية، موضحا أن عقد الاجتماع فى عنتيبي، التى تستضيف مقر مبادرة حوض النيل، هو تذكير بالأساس لمبادرة حوض النيل، عندما التزمت جميع دول حوض النيل بالعمل معا لتحقيق الرؤية المشتركة.
أشار عبد العاطى فى كلمته إلى حرص مصر على المساهمة والإسهام بشكل إيجابى كشريك فى التنمية المستدامة لجميع دول حوض النيل من أجل القضاء على الفقر وتحقيق المياه والطاقة والأمن الغذائى لجميع شعوب النيل، وكذلك اقتناعها الراسخ بأن تعاوننا الجماعى فى حوض النيل يجب أن يسعى إلى إيجاد حلول مستدامة لجميع اهتماماتنا، سواء كانت ندرة المياه أو تحديات تنموية وتغير المناخ وأن حقوق ومصالح جميع دول حوض النيل ينبغى أن تولى الاعتبار الواجب، بوصفها أسرة واحدة وحوض واحد.
وطالب فى ختام كلمته بضرورة العمل بشكل جماعى لبداية جديدة والتغلب على خلافاتنا ومناقشة شواغلنا المتبادلة بروح من التفاهم والتعاون، مع مراعاة المفاهيم المتفق عليها وأفضل الممارسات التى اعتمدتها منظمات حوض نهر ناجحة.
خبير بمبادرة حوض النيل: المقترحات المصرية لحل خلافات عنتيبى تتسم بالمرونة وتضمن حقها التاريخى فى مياه النيل.
من جانبه أكد الدكتور محسن العرباوى خبير السياسات المائية وإدارة أحواض الأنهار الدولية بمبــادرة حوض النيــل، أن الاجتماع الاستثنائى لوزراء مياه النيل يناقش حاليا المقترح المصرى المتكامل، للوصول إلى توافق حول النقاط الخلافية العالقة فى اتفاقية عنتيبى التى تشمل الإطار القانونى والمؤسسى لمستقبل التعاون بين دول الحوض وبما يتفق مع القوانين والأعراف الدولية المعنية بالأنهار العابرة للحدود التى صدق عليها حتى الآن برلمانات كل من "أثيوبيا ورواندا وتنزانيا" متضمنا تحليل هذه النقاط، وتقييم متكامل لموارد حوض النيل المائية والسيناريوهات المختلفة للحلول القانونية لها فى بنود الاتفاقية الحالية التى ترفضها مصر والسودان .
وأضاف العرباوى، أن مصر وضعت تعريفا لمفهوم الأمن المائى وكذلك صياغته بشكل أكثر دقة ومرونة بما يحفظ حق مصر التاريخى فى مياه النيل، ويتضمن عدم المساس بالاستخدامات الحالية للمياه، وفى نفس الوقت عدم الإضرار بالمشروعات التنموية لدول الحوض المعتمدة على مياه النيل، أما بالنسبة للإخطار المسبق فإن تعريفه ومفهومه معروف فى القوانين الدولية والأعراف المنظمة للأنهار العابرة للحدود، موضحا أن الإخطار وفقاً للقوانين الدولية يعطى مهلة 6 أشهر للرد على الإخطار المكتوب من قبل الدولة التى ترغب فى إنشاء أية مشروع على النهر .
وأوضح العرباوى، أن أهمية الإخطار والموافقة عليه يعطى دولتى المصب حق رفض المشروع إذا أكدت الدراسات التى يقوم بها أنه يتعارض مع حقهم التاريخى فى المياه، وفى نفس الوقت حق الموافقة دون شروط أو الموافقة بشروط مثل تعديل التصميمات الهندسية أو قواعد التشغيل، مشيرا إلى أن الاحتياجات المائية لمصر تصل إلى نحو 120 مليار متر مكعب سنوياً بينما حصتنا ثابتة بـ55.5 مليار متر مكعب.
وأكد العرباوى، أن مصر لا تمانع من قيام أى دولة من دول المنابع فى تنفيذ مشروعات زراعية وتنموية على روافد النهر أو باستقطاب الفواقد من المياه التى توجد بمناطق المستنقعات أو على مياه الأمطار وليس السطحية، فى إشارة منه إلى وجود خطة لدى الخرطوم وأديس أبابا لاستصلاح وزراعة 20 مليون فدان ضمن خططهما الطموحة.
رفع نتائج الاجتماعات لرؤساء الدول والحكومات
ومن المقرر أن يرفع الوزراء المشاركون فى الاجتماع نتائج ما تم التوصل إليه رؤساء دولهم وحكوماتهم، وأنه فى حالة ما إذا تم التوافق على المقترحات المصرية بشأن الأمن المائى والإخطار المسبق، ففى هذه الحالة يصبح من حق دول المنابع تنفيذ مشروعاتهم على الروافد والمستنقعات وفى نفس الوقت الإقرار بالوضع الحالى لحقوق مصر والسودان فى مياه النيل بشكل مباشر وتطبيقاً للمفهوم الدولى لمبدأ الإخطار المسبق، ومن ناحية أخرى يتم إضافة قرارات الاجتماع الاستثنائى لبنود اتفاقية عنتيبى على أن يتم اعتمادها فى الاجتماع الدورى للوزراء نهاية يونيه القادم .
مصادر: مصر منفتحة تماما لأى حوار مع دول المبادرة
فى السياق ذاته أكدت مصادر مطلعة بملف مياه النيل، أن مصر منفتحة تماما لأى حوار مع دول المبادرة مع الأخذ فى الاعتبار النقاط الخلافية العالقة والتى كانت وراء تجميد مصر للمشاركة فى الأنشطة، والاكتفاء بالمشاركة فى اﻻجتماعات الوزارية وشركاء التنمية، مشيرة إلى أن مصر والسودان ينتظران مقترحات جديدة لحل الخلافات العالقة فى اتفاقية "عنتيبى" بشكلها الحالى خاصة أن بعض الدول الموقعة على اﻻتفاقية تتحرك نحو التصديق عليها من البرلمان.
وأشارت المصادر إلى أن القاهرة تتفهم أوضاع بعض الدول فى تنفيذ مشروعات مائية تحقق التنمية لشعوبها، وأن مصر ليس لديها مانع من إقامة أى مشروعات أو تنمية بما لا يضر بالأمن المائى المصرى خاصة أننا نعتمد بنسبة تصل إلى 96% على مياه النيل، ونحن من أكثر المناطق جفافًا، كما أنها تعانى من عجز مائى نتيجة زيادة الطلب على المياه، وﻻ توجد مصادر أخرى عكس دول المنابع، ما يتسبب فى ارتفاع معدلات الشكوى بسبب نقص مياه الرى فى محافظات مصر وظهر ذلك خلال تعبير عدد كبير من المزارعين عن غضبهم من الحكومة بسبب نقص مياه الرى وتلف زراعاتهم.
وزير الرى السابق: لا يوجد عجلة لدى مصر بالتوقيع على اتفاقية "عنتيبى"
من جانبه قال الدكتور حسام مغازى وزير الموارد المائية والرى السابق: لسنا متعجلين للتوقيع على الاتفاقية الإطارية "عنتيبى" إلا عندما تأخذ فى الاعتبار المطالب المصرية، موضحاً أن دول حوض النيل قطعت شوطاً كبيراً فى اتفاقية "عنتيبى" وأن نقاط الخلاف المتبقية 3 نقاط وهى الخاصة بالإخطار المسبق والإجماع على القرارات بأن تكون الأغلبية بوجود مصر والسودان واحترام الاتفاقيات التاريخية.
وأضاف مغازى فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أنه لابد من الوصول إلى الحلول الوسط واحترام الاتفاقيات التاريخية لأن كل دولة رتبت موازنتها المائية على الحصص التى تحصل عليها، وبالتالى لا حديث أو نقاش على اتفاقيات تاريخية فلا يمكن التنازل عن الحقوق المكتسبة فى كميات المياه الواردة لمصر والسودان، مطالباً دول الحوض بضرورة احترام اتفاقية 1959 الموقعة بين مصر والسودان.
وأشار مغازى إلى الخلاف الثانى وهو الإخطار المسبق، قائلاً "فى إطار التشاور وبناء الثقة وحسن النوايا بين دول حوض النيل، النهر الدولى الذى يشترك فيه مجموعة دول فلابد من التشاور بين دول الحوض وهذا لن يقلل من سيادة الدول ولكن لضمان عدم تأثيره على دول المصب خاصة أن مصر ساعدت بعض الدول فى بناء السدود مثل "سد أوين" فى أوغندا و "سد جبل الأولياء" فى السودان وبالتالى فمصر ليست ضد بناء السدود فى حد ذاتها ولكن دون أن يؤثر على الحصص المائية.
وبالنسبة للتوافق أو الأغلبية فى التصويت على القرارات والتى طالبت مصر بضرورة أن تكون من بينها مع السودان، قال مغازى لابد أن تتفهم الدول ظروف مصر الاستثنائية كدولة مصب وأنها أقل الدول أمطاراً وآخر دولة فى دول المصب ولذلك لابد من اخطارها المسبق بأى مشروعات تتم على مجرى نهر النيل.
وقال مغازى، أعتقد أن اللقاءات الرسمية على المستوى الوزارى والفنى قد تساهم فى تحريك الموقف الحالى، أما فى حالة التمسك بشكل الاتفاقية فى صورتها الحالية دون الأخذ فى الاعتبار المطالب المصرية لا يوجد عجلة فى الوقت الحالى للمضى قدما فى أى تنازل عن المطالب المصرية السودانية فى الثلاث نقاط، خاصة أن العلاقات الثنائية بين مصر ودول الحوض فى أحسن صورة حالياً فلا يوجد ما يستدعى التنازل.
وأشار مغازى إلى اهتمام رئيس الجمهورية بالتعاون مع كل دول حوض النيل، مشيراً الى أن اللقاء على مستوى القادة سوف يكون مبشراً بحدوث انفراجة فى مبادرة حوض النيل .
واختتم مغازى تصريحاته بالتأكيد على التعاون على مستوى النيل الشرقى لأنه من المقترحات التى يمكن دراستها، حتى يتم التوصل الى اتفاق مع المبادرة وهو المضى قدما فيما يطلق عليه التعاون بين دول حوض النيل الشرقى، و لا مانع من التعاون سوياً فى تدبير الموارد المائية وتنميتها واستقطاب الفواقد فيما بينها بالتوازى مع التفاوض حول المبادرة نظراً لان معظم موارد مصر المائية تأتى من النيل الشرقى.
وأكد الدكتور خالد أبو زيد الخبير الدولى فى الأنهار الدولية، أنه لا توجد حاجة ملحة حالياً لعودة مصر لممارسة أنشطتها فى مبادرة حوض النيل المتوقفة منذ 2010، قبل توافر الشروط التى تضمن عدم تضررها، ولكن انطلاقا من مبدأ اثبات حسن النية والرغبة الحقيقية فى التعاون لتحقيق المنفعة للجميع ولتوفير سبل التمويل اللازمة للتنمية فى بقية دول حوض النيل فيمكن لمصر العودة إذا ما تعاملت دول الحوض بجدية مع الشواغل المصرية.
وأضاف أبو زيد فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع" أنه يجب أن يكون هناك توافق وطنى حول الشواغل المصرية التى يجب بحثها فى الاجتماع الاستثنائى لوزراء مياه النيل المنعقد حاليا بمدينة عنتيبى الأوغندية، والفصل بين الشواغل المتعلقة بالعودة لمبادرة حوض النيل وتلك المتعلقة باتفاقية عنتيبى حيث يجب أن نتحرى الدقة فى تحديد وتوصيف هذه الشواغل، والتأكد مما اذا كانت هذه الشواغل مصرية - سودانية كلها أم بعضها.
وعلق أبو زيد على ما جاء فى بعض الصحف فيما يخص الاتفاقيات التاريخية، أنه بالنسبة للاتفاقيات التاريخية لمياه النيل لا يوجد هناك إشارة باتفاقية عنتيبى لوضعها بملاحق، وأن المادة ١٤ ب الخلافية حول الأمن المائى تشمل فى نصها صياغتان واحدة متوافق عليها من دول الحوض ماعدا مصر والسودان، والثانية التى اقترحتها مصر، والتى تنص على "أن تتفق دول حوض النيل، بروح من التعاون على عدم التأثير سلبا على الأمن المائى والاستخدامات الحالية والحقوق لأى دولة من دول الحوض” وهو ما يضمن حصة مصر الحالية.
وحول نقطة الإخطار المسبق أوضح أبو زيد أنه مذكور بالمادة "٨" ولكن إجراءاته هى التى كانت سوف تدرج بملحق للاتفاقية بعد توافق جميع وزراء حوض النيل الأطراف حولها، مشيراً إلى أن الملاحق جزء لا يتجزأ من الاتفاقية ويمكن لمصر أن تصر على وجود هذه الإجراءات ضمن الاتفاقية او بملحق لها قبل الانضمام إلى الاتفاقية، مشيرا الى ان إجراءات فض النزاعات لا تقل أهمية عن الإخطار المسبق بل تعتبر مكمل رئيسى له، خاصة إذا لم يتم الموافقة على ما قد تخطر به الدولة من مشروعات ستقوم بها، والالتزام بتنفيذ قرارات آليات فض النزاعات ذو أهمية قصوى وهناك بنود أخرى بالاتفاقية تتعلق بفض النزاعات.
ولفت أبو زيد إلى أنه يوجد بند لاتخاذ القرارات فى الاتفاقية " ٢٣ الفقرة 5" وينص صراحة على أن "قرارات مجلس وزراء حوض النيل تؤخذ بالتوافق"، ولكن المهم الإلتزام بهذا المبدأ، ليس فقط خلال العمل بالاتفاقية، ولكن أيضا خلال العمل بالمبادرة وقبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
وكشف أبوزيد عن جزئية هامة يجب الانتباه إليها وهى أن الاتفاقية الموقعة الآن فيها اختلاف (طفيف ولكن محورى) عما تم التفاوض والاتفاق عليه حتى ٢٠٠٩ قبل التوقيع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة