- عمرو حمزاوى يوطد علاقته بالمؤسسة الألمانية من بوابة جامعة برلين وجهاز الاستخبارات الاتحادية «BND
»
فى خطاب كاشف لـ«أدولف هتلر»، سنة 1932، قال: «لألمانيا أصدقاء فى كل البلدان الأوروبية، وفى بعض الحالات سيتم توقيع اتفاقات سلام حتى قبل بدء العمليات العسكرية»، وكانت الشواهد العملية المتتابعة تؤكد الفكرة، فقد استطاعت قواته السيطرة على النمسا من خلال رجاله المنتشرين فى الشرطة والجيش النمساويين، والأمر نفسه فى بولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ويوغسلافيا واليونان ولكسمبورج وفرنسا، والأخيرة كان الطابور الخامس أكثر قوة وحضورًا، إلى حد تشكيل الحكومة «حكومة فيشى» التى قادت الأمور فى فرنسا خلال فترة من أحلك فترات الحرب العالمية الثانية.
كان قطار «هتلر» الحربى يجرى قاطعًا جغرافيا دول أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا على قضيبين متوازيين، أحدهما تمثله الحرب الخاطفة، المعتمدة على تكتيك متعدد الجبهات، سريع ومركز ومتداخل، يقوم على حشد الدبابات والطائرات وقوات المشاة فى وقت واحد ومن محاور عديدة، والآخر والأهم والأكثر تأثيرًا ونشاطًا، تمثله تكتيكات الحرب النفسية وتجنيد العملاء وتدشين ورعاية الطابور الخامس داخل الدول المستهدفة، وكان عهدة «جوبلز» ووزارة الدعاية السياسية، ومن خلاله تم القضاء نفسيًا على كثير من الخصوم قبل أن تتحرك قوات ألمانيا من مكانها، فقط كان التحرك لتأكيد الانتصار وفرض الولاية على الأرض، وهكذا تعمل «دويتش فيله» المؤمنة بأفكار «هتلر» ونظريات «جوبلز»، والتابعة لجهاز «BND»، وإذا كانت طبيعة المرحلة التى شهدت تدشينها قد فرضت عليها التحلل من هذه الآليات بشكل جزئى، تحت ضغط الهزيمة والاضطرار لدفع فاتورة الخسارة، فإن «DW» كانت حريصة منذ انطلاقتها على ألا يغيب قضيب من القضيبين «الهتلريين»، حتى لا ينقلب القطار، فبدأت فى 1953، ثم مع تدشين القسم العربى 1959، بالتغطية الموجهة، مع التركيز على تكوين دوائر من الولاء فى أوساط الدول المستهدفة، وتيسر لها هذا فى البداية عبر استمالة عناصر من اليسار والتيارات الدينية المعادية للتوجهات القومية للمنطقة العربية وقتها، وطوال العقود المتتالية عملت «دويتش فيله» على تدعيم شبكة الولاءات، وتوفرت لها فى مراحل لاحقة، وبالتزامن مع صعود ألمانيا، وتراجع بعض أنظمة الحكم العربية، فرصًا واسعة للتمدد والتوغل فى المجتمعات المستهدفة، لصناعة طابور خامس على الأرض، وليس الاكتفاء بالمبعدين والمنفيين إجباريًا واختياريًا، ومن لا يمكنهم تقديم خدمات حقيقية تغير من طبيعة المجتمعات من داخلها، وتضمن النصر وإصابة الغايات دون حاجة لأية عمليات عسكرية «هتلرية».
لوبى «DW» فى قاهرة المعز
خلال رحلة بحثها عن منفذ مباشر داخل الساحة المصرية، وجدت «دويتش فيله» الفرصة المواتية فى ثورة يناير 2011 والفترة التالية لها، ومن سياق الأزمة وحالة الفوضى التى شهدتها البلاد، بدأت المؤسسة الألمانية الحركة داخل القاهرة، على ضوء التقارير الأمنية والمعلوماتية المتوفرة من دائرة الاستخبارات الاتحادية «BND»، وبدعم مباشر من رجالها فى بعض الأحيان، وبدأ الأمر باستغلال الجامعة الألمانية بالقاهرة، التى تتبع بالأساس توجيهات الإدارة السياسية التى تسرب عبرها أفكارًا ومشروعات أمنية مبطنة بوجه تعليمى وثقافى، وكانت البداية فى يونيو 2011 بتنظيم دورة تدريبية فى الإعلام الإلكترونى، استمرت أسبوعين، تلتها دورة فى الصحافة التليفزيونية، وبالتزامن عملت المؤسسة على فتح قنوات اتصال مع عدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين، وفتح نوافذ لهم عبر شاشة القناة العربية والموقع الإخبارى، أو منحهم جوائز، أو الاتفاق معهم على تعاقدات وأعمال، عبر عماد الدين السيد عبد الله، مدير عملياتها بمصر منذ 2014، المحسوب على جماعة الإخوان، الحاصل على بكالوريوس فى العلوم الزراعية والذى تنحصر خبراته الإعلامية فى عمله مراسلًا لوكالة أنباء الشرق الأوسط فى وقت سابق، إضافة لقيادات المؤسسة بألمانيا الذين تعددت زياراتهم لمصر، وضمت الأسماء فى هذه الفترة يسرى فودة وعمرو حمزاوى وعلاء الأسوانى، وقائمة من أعضاء 6 إبريل والتيار الشعبى والإخوان والاشتراكيين الثوريين وائتلاف شباب الثورة، وطابور من الصحفيين فى عدد من الصحف الحزبية والخاصة، منهم واحدة انضمت لفريق عمل يسرى فودة بـ»دويتش فيله» مؤخرًا، ومن خلال هذه الأسماء توسعت دائرة التواصل مع آخرين، ومع مؤسسات ومنصات إعلامية، لتأتى مرحلة الاستمالة المباشرة للنوافذ الإعلامية فى وقت لاحق.
يسري فوده
تلت مرحلة الاتصالات الفردية، وضع خطة تتضمن قائمة بالمؤسسات المستهدفة من جانب «دويتش فيله»، إما عبر بروتوكولات تعاون وشراكة، أو عبر الدعم المالى والإنتاج المشترك، أو اتفاقات تبادل المحتوى، أو حتى تقديم الجوائز كآلية للدعم المبطن، وكانت البوابة الأولى عبر إنتاج برنامج «توك شو» مسائى لإحدى المذيعات الشهيرات وقتها، إذ تواصلت معها إدارة المؤسسة الألمانية فى الشهور الأولى من 2015، بعد قرابة 18 شهرًا على توقف برنامجها السابق بقرار مباشر من مالك القناة، وباتفاق «DW» معها تواصلت مع القناة لتنجز اتفاقًا بإنتاج مشترك للبرنامج الجديد، الذى انطلق فى مايو 2015، قبل أن يقرر المالك إيقافه بعد شهور، لأسباب اقتصادية وحسابات تخص استثماراته وعلاقاته بأطراف دولية لا يجمعها وفاق كبير بألمانيا، وسارعت «DW» بإصدار بيان أدانت فيه التدخل الحكومى لإيقاف البرنامج على غير الحقيقة.
مرحلة الاتفاقات والتعاقدات المباشرة لـ«دويتش فيله» شهدت أيضًا لقاء قيادات المؤسسة بمسؤولى إحدى الجامعات الخاصة فى فبراير 2016، لبحث سبل التعاون بين الجانبين، وأسفرت الاجتماعات عن توقيع اتفاقية شراكة فى العمل الإعلامى، وفى الفترة نفسها تقريبًا وقعت المؤسسة اتفاقات مع أحد المواقع الشبابية المتخصصة فى نشر مقالات الرأى، ومع قناة تليفزيونية مملوكة لرجل أعمال شهير، وفى إبريل 2016 وقعت اتفاقية شراكة مع صحيفة يومية، لمنح كورسات ودبلومات متخصصة مزدوجة المعادلة فى مصر وألمانيا، بحضور رئيس تحريرها الذى يشغل الآن منصب المدير العام لمجموعة قنوات تليفزيونية إلى جانب موقعه فى الصحيفة، وتشير معلومات مرجحة إلى أن شبكة القنوات التى انطلقت خلال الفترة الماضية تأتى ضمن لائحة اهتمام دائرة الاستخبارات «BND» ومؤسسة «دويتش فيله»، وأن الفترة المقبلة ستشهد التواصل مع إدارتها، إلى جانب عدد من المواقع والمنصات الأخرى، لتوقيع اتفاقات شراكة وتبادل محتوى جديدة، وتقديم دعم مالى مباشر لها، بينما شملت قائمة المواقع التى أنجزت المؤسسة اتفاقات فعلية معها، موقعًا صغيرًا يهتم بالشباب والتواصل مع الأجيال الجديدة، وترأس تحريره محررة فنية معروفة، إذ أعلنت «دويتش فيله» فى وقت سابق عن فوزه بإحدى جوائزها، وشمل الاتفاق وضع ملصق فى واجهة الموقع يشير إلى الفوز بالجائزة واسم «دويتش فيله» مرفقًا به، مع التنسيق بشأن المحتوى، ونقل بعض المواد التحريرية عن المؤسسة الألمانية، مقابل قيمة الجائزة وتوفير دعم مادى ومعنوى فى المراحل التالية.
مؤسسات كبرى تقع فى فخ «DW»
قائمة اتفاقات وشراكات «دويتش فيله» ونشاطها المباشر داخل مصر، لم تتوقف على المواقع والصحف والقنوات السابقة، فبمنطق الحرب الخاطفة «الهتلرى»، عملت المؤسسة الألمانية بالتزامن على مزيد من توطيد علاقاتها بالأفراد والقطاعات المتصلة بالإعلام والسياسة فى مصر، فزادت تعاملاتها مع شركات الخدمات الإنتاجية والعناصر الفنية العاملة فى إنتاج المحتوى، من محررين ومصورين ومونتيرين، وفتحت الباب لمزيد من استمالة الوجوه البارزة واستضافتها بمقابل مادى مغرٍ، بينما واصلت اتفاقاتها لتشمل الإعلان عن مسابقة لاكتشاف المواهب بالتعاون مع قناة تليفزيونية وموقع إخبارى، إضافة إلى لقاءات واتفاقات مع موقع آخر يهتم بمعالجة القضايا الإشكالية على أرضية حقوقية وسياسية، ويوفر تمويله من خلال منح دولية، ويقوم على إدارته عدد من نشطاء حقوق الإنسان وبعض الحركات والتجمعات اليسارية، كما تسعى المؤسسة للاتفاق مع صحيفة يومية أخرى خلال الفترة المقبلة، عبر النفاذ من بوابة علاقات مالكها بجهات إسرائيلية، ولكن تظل المفاجأة فى تحركات «دويتش فيله»، رغم كثافة اتفاقاتها وبروتوكولاتها مع مواقع وصحف وقنوات عديدة، ترتبط بنواحٍ ومؤسسات أخرى.
دويتش فيله
المفارقة الغريبة والمثيرة للتساؤل، وربما للفزع، أن عددًا من المؤسسات والمنصات ذات الصفة والتمويل الرسميين، قد سقطت فى فخ «DW»، وإذا تجاوزنا الاتفاق مع إحدى الجامعات الخاصة المرتبطة باسم مؤسسة صحفية، فبالتأكيد لن يمكننا تجاوز التعامل المباشر وبروتوكولات العمل التى تجمع «دويتش فيله» بمؤسسة صحفية كبيرة بشكل مباشر، ومنها الاتفاق على تنظيم دورات تدريب وورش عمل، بمباركة رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وهو نفسه الوجه البارز فى الأوساط اليسارية، ومن خلال هذه الاتفاقات عقدت «دويتش فيله» ورشة عمل فى أحد المعاهد البحثية التابعة للمؤسسة بين 10 و18 يوليو 2016، تحت عنوان، «أصوات نسائية»، حاضرت فيها الألمانية «جوليا جير»، التى تقود ورش عمل ودورات عديدة لعناصر دائرة الاستخبارات الألمانية، وقدمت فى الورشة برامج لتحليل المحتوى وتوظيف شبكات التواصل واستخدام التقنيات الحديثة فى الاتصال والتأثير، عبر لقاءات مغلقة تمامًا ومقتصرة على 30 فتاة مصرية شاركن فى الورشة، منهن 13 محررة بعدد من المواقع الإلكترونية المرتبطة باتفاقات مع المؤسسة، إلى جانب مسؤولات تسويق المواقع عبر شبكات التواصل الاجتماعى، وعدد من طالبات الإعلام من جامعات ومحافظات مصرية عديدة، وإضافة إلى هذا فقد سقطت جامعة حكومية فى الفخ، بدخولها طرفا فى اتفاق «DW» لاكتشاف المواهب المصرية الشابة تحت شعار «إشراقات مصرية»، ولكن يظل كل هذا عاديًا، وتظل الطامة الكبرى فى منطقة أخرى، عبر مؤسسة إعلامية ضخمة وبالغة الأهمية والتأثير، وقعت بروتوكولات واتفاقات تعاون عديدة مع «DW» فى إطار التدريب وصياغة المحتوى ودعم قدرات العاملين وآليات معالجة الموضوعات الجماهيرية وتطوير وسائل الاتصال الحافزة والمؤثرة، وهو ما يثير عددًا من الأسئلة المهمة، لعل أكثرها إلحاحًا هو من المسؤول عن هذه الاتفاقات؟ وكيف تورط الإعلام المصرى فى اتفاقات مع مؤسسة مشبوهة وترتبط بدوائر استخبارات خارجية؟ وكيف سمح مسؤولو تلك المنصات باكتمال هذه الكارثة؟ وهل شمل الأمر مكاسب شخصية ومنافع حققها القائمون على الأمر ومن سهلوا للمؤسسة النفاذ لهيكل الإعلام والتعليم المصريين؟ ولماذا صمتت الأجهزة الأمنية والحكومة على الأمر؟ وهل كانت تعلم أصلًا أم لا؟ وكلها أسئلة ملحة وتنتظر الإجابة المقنعة والمسؤولة.
علاء الأسوانى وعمرو حمزاوى
رغم نجاح «دويتش فيله» فى إبرام اتفاقات واسعة مع صحف ومواقع وقنوات عديدة، لم تغفل أهمية البعد الفردى، وضرورة الاتكاء على وجوه بارزة ورموز معروفة، فى إطار السعى لصنع دائرة من الفاعلين وذوى الشعبية والصالحين لقيادة الرأى العام، وربما للعب دور سياسى فى مراحل مقبلة، ومن هذا المنطلق جاءت فعاليات الدورة التاسعة لمنتدى الإعلام العالمى، التى نظمتها المؤسسة فى «بون» الألمانية، بين 13 و15 يونيو 2016، بحضور 2300 من الإعلاميين والأكاديميين والسياسيين والفنانين والنشطاء، وضمت قائمة الحضور المصريين، عددًا من الإعلاميين والدعاة والصحفيين والأكاديميين والنشطاء الحقوقيين المصريين، وفى مقدمتهم الإعلامى يسرى فودة، الذى وقعت معه القناة خلال تواجده بالمؤتمر تعاقدا لتقديم برنامج على شاشتها العربية، سنتوقف مع تفاصيله فى الحلقة الأخيرة من الملف.
علاء الاسوانى
تعاقد يسرى فودة مع «دويتش فيله» لم يكن مفاجئًا، كان هناك تواصل من المؤسسة معه منذ 2011، ومن خلاله هو وعمرو حمزاوى، تواصلت «DW» مع آخرين، لعل أبرزهم الروائى والطبيب علاء الأسوانى، الذى نشرت له المؤسسة مقالات متفرقة وبشكل غير منتظم فى أوقات سابقة، ولكن شهدت المرحلة التالية للثورة تواصلًا أكبر وتوطيدًا للعلاقة معه، وصولًا إلا الاتفاق فى مايو 2016 على أن يكتب لها بشكل أسبوعى، مقابل تعاقد مالى بعشرات الآلاف من اليوروهات، ولك أن تتخيله كما شئت على ضوء أن «الأسوانى» كان يتقاضى 24 ألف جنيه شهريًا من إحدى الصحف اليومية المصرية نظير 4 مقالات أسبوعية، ولكن مكاسب الأسوانى لم تتوقف على هذا، فقد شهدت الاتصالات الترتيبية التى جمعته ببعض مسؤولى «دويتش فيله»، وشارك فيها أحد عناصر «BND» تحت غطاء إعلامى، للاتفاق على فلسفة المقالات ونوعية الموضوعات والعناوين التى تحتاج المؤسسة لرؤاه حولها، وساطة «DW» بين الأسوانى ودور نشر إسرائيلية، لترجمة أعماله بشكل رسمى، وبعدما ثار فى 2010 عقب ترجمة «عمارة يعقوبيان» ترجمة محدودة وغير تجارية، وهدد بالشكوى لاتحاد الناشرين الدولى ومقاضاة الجهات الإسرائيلية التى تتداول أعماله، أقنعته المؤسسة بمنح حقوق نشر أعماله بشكل قانونى، مستغلة روابطها الإعلامية والأمنية بإسرائيل، وإمعانًا فى التضليل والتخفى تم اللجوء لدار نشر «توبى بريس» الأمريكية لتكون الوسيط، عبر شراء حقوق الطبعة العبرية، ثم بيعها لدار «كينيرت زمورا دفير» الإسرائيلية، لتصدرفى بدايات 2016 مشمولة بمباركة الأسوانى، الذى تجاهل التهديد بالشكاوى والقضايا، مقابل الاتفاق الثلاثى المتمثل فى الكتابة لـ«دويتش فيله» وتحصيل حقوق أعماله فى إسرائيل، لتشهد الشهور التالية تحقق باقى بنود الصفقة عبر التزام «الأسوانى» بالاشتباك مع السلطة والأوضاع السياسية والاجتماعية اشتباكا حادا، فكتب: ستة أوهام تحجب العقل المصرى، وماذا أغضب المواطن المستقر؟، ومتى ينجح الديكتاتور؟، وتقرير مسرب من جهاز أمنى، وفى هذه المقالات وغيرها ينتقد الأسوانى الأوضاع الاجتماعية والسياسية، والمؤسسة العسكرية والنظام السياسى، وهو نفسه من قال سابقًا للكاتب الصحفى البريطانى روبرت فيسك: «السيسى أعظم قائد عسكرى فى العالم بعد أيزنهاور»، وهو نفسه من حضر «اجتماع فيرمونت» مع جماعة الإخوان فى إطار الضغط لتمرير نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح مرشحها، بينما تواترت معلومات وقتها عن حسم السباق لصالح الفريق أحمد شفيق، وعن اجتماع مشترك ضم الفريق سامى عنان ومحمد بديع وخيرت الشاطر، فى إطار التفاوض بعد تصعيد الجماعة لموقفها وحشد أتباعها فى الشوارع والتهديد بإشعال البلاد لو لم يفز مرشحها، وفى ضوء علاقات الأسوانى وقتها بجهات أمنية نافذة، منها داعمو «DW» نفسها، حضر الاجتماع الذى استضافه فندق «فيرمونت» على مدى 7 ساعات مساء الخميس 21 يونيو 2012، ولكنه التزم بالنصيحة الأمنية بمقاطعة المؤتمر الصحفى فى اليوم التالى.
فرس الرهان الثانى لـ«DW» كان عمرو حمزاوى، الحاصل على الدكتوراه من برلين، ولعله كان أكبر رهانات «دويتش فيله» فى مصر، ليس فقط لصلته السابقة بألمانيا دراسيًا وبحثيًا وإجادته التامة للغتها، ولكن لأنه تعاون من قبل مع الاستخبارات الألمانية فى عدد من الدورات التدريبية لفريق الجهاز، حول الأوضاع السياسية وأزمة الانتقال الديمقراطى والأنظمة السلطوية بالشرق الأوسط، ومن هذا المدخل ارتبط «حمزاوى» بعلاقات وطيدة مع المؤسسة، زادت قوة ومتانة بعد ثورة يناير، إذ تم الدفع به ليلعب دورًا سياسيًا مباشرًا، بعيدًا عن اللعب البعيد من موقعه كباحث، وخلال الفترة من 2011 حتى 2013، جمعته لقاءات واتصالات عديدة بقادة «دويتش فيله» وعدد من مسؤولى الربط بين المؤسسة وجهاز «BND»، وبتوجيهات المؤسستين تحرك الأكاديمى الشاب فى الساحة، وعقد اتفاقاته وصفقاته، واتخذ مواقفه من القوى المختلفة استجابة لتوجيهات وتقارير أمنية ومعلوماتية، هكذا رفض منصب وزير الشباب فى حكومتى أحمد شفيق وعصام شرف، وانضم للحزب المصرى الديمقراطى ليزرع حالة انقسام داخله، قبل أن يتركه ويؤسس حزب مصر الحرية، ومن خلاله تواصل مع «الإخوان» وحصل على دعمها، بحسب اتصالات مسربة له مع عصام العريان وقيادات الجماعة، وفاز بعضوية البرلمان 2012، وكان من داعمى محمد مرسى ومن اتصلوا بالإخوان خلال مرحلة «فيرمونت»، وبالتوجيهات نفسها استجاب للموقف العام من الجماعة بعد الإعلان الدستورى لـ«مرسى» فى نوفمبر 2012، لينضم لجبهة الإنقاذ الوطنى، ويظل لشهور مطلعًا على خططها ومثيرًا للخلاف داخلها، قبل أن يمارس هوايته المعهودة وينقلب عليها داعمًا الإخوان ورافضًا للترتيبات التى أنتجتها ثورة 30 يونيو، وخلال هذه المرحلة الطويلة من التلون سقط «حمزاوى» فى مستنقع التناقض والارتباك أكثر من مرة، فمن رفضه لاختيار مجلس رئاسى مدنى عقب الثورة، إلى دعم الإخوان، ومن تفتيت المصرى الديمقراطى وجبهة الإنقاذ، إلى تأسيس «مصر الحرية» ومفاوضة الجماعة من خلاله، ومن خطابه البحثى مدعى الحياد قبل 2011، إلى هجوم حاد وتضليل علمى ومعلوماتى بعد 30 يونيو 2013، يتضمنه حوار له مع «دويتش فيله» فى يوليو 2014، إضافة لمقالاته «الحكم بالخوف» المنشور عبر موقع مصر العربية الإخوانى، و«الجامعة نواة المعارضة» المنشور بموقع «المصريون» المقرب من الجماعة، و«المنفى» عبر صفحته على «فيس بوك»، ويمارس فيه ادعاء البطولة المعتاد باعتباره مبعدًا وممنوعًا من دخول مصر بقرار رسمى، وهو أمر غير دقيق، و«أنا والشعب» عبر موقع «Zeit»، ويتحدث فيه عن توظيف السلطة للمؤسسات الدينية لخدمة مصالحها، و«طبائع استبداد متشابهة» المنشور بموقع البداية، و«نحو الإفراج عن مصر» الذى يمارس فيه تضليلًا تاريخيًا بربط سياقات الحالة السياسية خلال فترة الاحتلال الإنجليزى بالراهن فى مصر، و«وحش حكومى جديد» ويتحدث فيه عن مشروع قانون الجمعيات الأهلية قبل إقراره، متجاهلًا كونه مشروعًا خاضعًا للدراسة وللتعديل، و«مصر.. لا نهاية قريبة للقمع»، والمفارقة أن أستاذ العلوم السياسية لم يلحظ تناقضه ولا لعبه على كل المحاور، تجاهل علاقته بالإخوان وخيانته للقوى السياسية وتبدل مواقفه وانحيازاته كما تتبدل ملابسه، وجلس قبل أسبوعين أمام يسرى فودة مواصلًا التضليل والأكاذيب والتحليلات الدعائية «جوبلزية» الطابع، انتصارًا لشهوة الظهور وتلميع الاسم، وإنعاش الحساب البنكى أيضًا.
عمرو حمزاوى
الخلاصة من كل هذه التفاصيل، أن ثمة تحركات على الأرض لا يقودها التوجه الإعلامى، الشفاف أو حتى الرمادى، ولكنها تتم على أرضية أمنية واستخباراتية فى جانب كبير منها، وإن كنا نعرض المعلومات المتاحة، ونحتفظ بتفاصيل أخرى تتعلق بها وتتصل بالأرقام وحجم الدعم والتدفق المالى، فالسبب فى هذا أننا ننتصر للجوهر العام لا التفاصيل الصغيرة، وأننا من موقع الثقة فى زملاء المهنة، نعرف أن استجابتهم لهذه الاتفاقات كانت بريئة، رغم شبهتها لدى «DW» ومن يقفون وراءها، لهذا لا إتهام لمؤسسة إعلامية ولا زميل صحفى اتهاما أخلاقيا وماليا، والافتراض الأساس فى مساءلة هذه الاتفاقات والتفاصيل هو عدم معرفة المتورطين فيها بالنوايا السوداء لـ»DW»، ولا إنكار أن الشراكة والتعاون أمران معروفان فى الإعلام، ولكن شريطة أن يكونا بريئين ووفق محددات مهنية، غير موجهة ولا مُستخدمة أمنيا لصالح دول ومؤسسات خارجية، وربما كان كثيرون ممن تورطوا فى اتفاقات مع «دويتش فيله» حسنى النية، ولا يعلمون تفاصيل استغلالهم واستخدامهم، وحقيقة علاقة المؤسسة بدائرة الاستخبارات الألمانية، وهنا فإننا ندق ناقوس خطر ونشعل ضوءا أحمر لينتبه الجميع، ولا شك ستقود المعرفة كثيرين من المغرر بهم للتحرر من سطوة هذه المؤسسة، أما من يعرفون ويصرون على لعب هذا الدور فبالتأكيد سيواصلون الاستجابة للإملاءات والرسائل، وسنواصل الحديث عنهم وكشفهم، بالقدر الذى نواصل به تحذير المؤسسات والصحفيين والعاملين فى حقول التعليم والإعلام والتدريب من التعامل مع «دويتش فيله»، تحذيرا مبنيا على معلومات وحقائق، ليهلك من هلك عن بينة، ويستعيد حَسن النية دفته ودماغه من بين أنيابهم، ويعلم من يضع يده فى يد «DW»، أنه فى الوقت ذاته يضعها فى يد «BND».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة