بدأت الروائية الأمريكية ماريسا سيلفر رحلتها مع الفن كمخرجة وسيناريست فى سن الـ23 عاما وقدمت العديد من الأفلام، غير أنها اتجهت فى سن الأربعين، إلى الكتابة القصصية واعتبرت صحيفة نيويورك تايمز الكتاب القصصى الأول لسيلفر "فتاة فى الجنة" الصادر عام 2001 من أبرز كتب العام وقت صدوره، وعندما صدر كتابها القصصى الثانى "وحيدة معك" وصفت نيويورك تايمز الكاتبة بأنها "أحد أكثر كتاب كاليفورنيا المعاصرين جدارة بالاحتفاء".
وفازت سيلفر بجائزة الرواية من اتحاد كاليفورنيا الجنوبية المستقل للكتب الأكثر مبيعا، عن روايتها مارى كوين، التى استطاعت فيها أن تنسج من صورة لامرأة بائسة أرهقتها الأزمة الاقتصادية الكبرى التى ضربت الولايات المتحدة فى ثلاثينيات القرن الماضى، رواية خيالية تستكشف من خلالها حياة السيدة التى تظهر فى تلك الصورة، التاريخية المعروفة لكل الأمريكيين، وحياة المصورة التى ألتقطت الصورة وتلك اللحظة التى جمعتهما.
رواية "اللا شىء الصغير" هى أحدث ما نشرته الروائية الأمريكية، حيث صدرت فى سبتمبر 2016، لتنضم إلى مجموعة رائعة من روايتها مثل ورواية "إله الحرب" الصادرة عام 2008 والتى وصلت بها إلى تصفيات جائزة الرواية من لوس أنجلس تايمز، ورواية "لا وجهة للبيت" عام 2005 .
شاركت ماريسا سيلفر فى الدورة الثالثة لمهرجان الأدب بالقاهرة، فبراير الجارى، حيث شاركت فى عدد من الندوات تحدثت خلالها عن رواياتها وتقنيات وأسلوب الكتابة ودور المرأة فى الأدب العالمى. وقد كان لليوم السابع لقاء خاص مع الروائية الأمريكية تحدثت فيه عن طريقة بناء روايتها وردت على الكثير من الأسئلة الجدلية فى عالم الأدب.. وإلى نص الحوار:
محررة اليوم السابع مع الروائية الأمريكية ماريسا سيلفر خلال الحوار
قبل اللقاء بحثت عن قصص مترجمة لكى ولم أجد.. لماذا ؟
أعتقد أنه من المفترض أن الناشرين العرب يتصلون بالممثل الخاص بى ويطلبون نشر الرويات بالعربية، الأمر لا يتعلق بنا فى الولايات المتحدة ولكن لابد من مبادرة من الناشرين فى مصر أو أى دولة عربية. وأنا أرحب بالتأكيد بنشر رواياتى بالعربية.
بدأت حياتك كمخرجة ثم تحولتى إلى الكتابة.. كيف تؤثر صناعة الأفلام على رواياتك ؟
صناعة الأفلام تختلف كثيرا عن الكتابة ومع ذلك هناك تشابهات.. فعلى سبيل المثال عندما تركزين على شخصية ما، ففى الكتابة عليك أن تدخلين فى عقل هذه الشحصية وأفكارها الداخلية وهذا يشبه كثيرا صناعة الأفلام. فعندنا تقطع من مشهد للتالى يشبه كثيرا الرواية حيث بناء المشاهد والإنتقال من مشهد للأخر وكيف ترتب المشاهد لخلق حالة زخم فى الرواية.
لذا فهناك عناصر معينة فى الحرفة تكون متشابهة. لكن ما هو مختلف تماما، ان القراءة تمنحك الفرصة لقضاء الكثير من الوقت داخل أفكار الشخصية، بينما فى الأفلام أنت تستمع إلى حوار أو تنظر إلى أوجه الممثلين.. ففى الأدب يمكننا حقا سماع أفكار الشخصيات وفهم ما يمرون به حتى لو لم يتكلموا لذا فإنها تمنحنى فرصة أكبر لإستكشاف النفس البشرية.
رواية مارى كوين هى واحدة من أفضل رواياتك التى دخلت ضمن قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا حصلتى بها على جائزة الرواية من إتحاد كاليفورنيا الجنوبية المستقل.. كيف ألهمتك صورة فوتوغرافية لكتابة رواية عن الشخصية التى تظهر فى الصورة؟
حسنا.. فى أمريكا هذه الصورة التى تسمى "الأم المهاجرة" والتى أخذتها المصورة الشهير دوروثيا لانج ، هى لوحة مشهورة للغاية وتعود للعشرينات من القرن الماضى حيث تمثل فترة الكساد الكبير، وهو أزمة إقتصادية طاحنة وقعت عام 1929 مرورا بالثلاثينيات وبداية الأربعينيات. وحتى الأطفال فى المدارس لدينا يدرسون هذه الصورة ضمن دراسة فترة الكساد اكبير، فالصور تمثل جزء مما نتعلمه.
لذا فإن معرفتى بالصورة قديمة وواسعة وقد شاهدتها فى معرض داخل متحف وعلمت فى هذا المعرض أن هذه السيدة التى فى الصورة عاشت طيلة حياتها فى الظلام دون أن تبلغ أى شخص أنها هى نفسها السيدة التى تظهر فى الصورة، حتى أصبحت عجوزة للغاية ومريضة وباتت تحتاج إلى المال ومن ثم كشفت عن هويتها أملا أن يساعدها الناس بالمال للرعاية الصحية.
لذا كانت الفكرة مثير لى جدا كيف أن هذه السيدة التى كانت تمثل واحدة من أشهر الصور فى القرن العشرين لم تبلغ أى شحص بهويتها وتسائلت إذا ما كانت السيدة تشعر بالخجل لأنه الصورة تم إلتقاتها لها خلال أكثر فترات الكساد فى حياتها عندما كانت فقيرة للغاية وتحاول أن ترعى 10 أطفال ، وربما تحسنت حياتها بشكل كبير، لكن "الصورة هى تلك اللقطة التى تؤخد للحظة تظل أبدية" . وتساءلت ربما كانت تشعر بالغضب لأنها لم تتقاضى المال مقابل الصورة، حتى عندما أصبحت الصورة مشهورة جدا لم تحصل صاحبتها على أى مكاسب جراء هذا. فلم أكن أعرف لماذا بقيت السيدة على هويتها سرا ورغبت فى إستكشاف ذلك، لذا كتبت قصة خيالية مستخدمة الشخصية وكذلك شخصية السيدة التى ألتقطت الصورة وهى المصورة الشهيرة دوروثى لانج، وبدأت فى إستكشاف حياة السيدتين وأستكشاف اللحظة التى جمعتهما، ومن ثم أستكشفت ما قد حدث لاحقا وإرث هذه الصورة الشهيرة.
محررة اليوم السابع وماريسا سيلفر
هناك جدل دائم فى عالم الأدب بشأن كتابة الروايات بين أيهما يسبق الأخر الشكل أم المضمون ؟
أعتقد أن المضمون يأتى أولا ثم يتم اختيار الشكل لدعم المضمون. فعلى سبيل المثال إذا تحدثت عن رواية مارى كوين فإنها تحمل 3 وجهات نظر وهى السيدة صاحبة الصورة والمصورة وأخيرا الشخصية الأحدث التى قامت بإستكشاف علاقة الصورة بصاحبها ومن ثم فإننى أتنقل من وجهة نظر إلى أخرى حيث الإنتقال من فكرة تلو أخرى . فالمضمون هو ما يقودونى، عندما أبدأ باكتابة أحاول إيجاد الشكل الذى سوف يصل بى إلى أفضل تعبير عن تجربة وشعور الشخصيات وكذلك معنى الكتاب.
هل ترين أن هناك اختلافا فى قدرة الكاتبة عن الكاتب فى تشخيص وتجسيد بعض التجارب والمشاعر؟
المؤلف يجب أن يكتب عن أى شخص، وهذه هى وظيفته أن يحقق فى شخصيات مختلفة ليصبح متعاطفا مع كل الأنواع المختلفة من الشخصيات لذا أعتقد أن الكاتب الرجل يمكنه الكتابة عن المرأة والعكس صحيح. عندما أكتب عن المرأة أستحضر كل خبراتى كامرأة، لكن هذا لا يعنى أن الرجل لا يمكنه كتابة شخصية نسائية غنية ومدهشة. لذا أرى أنه إذا كنتى كاتبة جيدة، فعليكى أن تكونى قادرة على الكتابة عن الشخصيات المختلفة كثيرا عنكى. فأعتقد أن جزءا من متعة الكتابة هو أن تعيشى تجارب مختلفة.
لكن هناك بعض المشاعر التى تخص المرأة مثل الولادة والأمومة على سبيل المثال؟
أود أن أوضح أننا لا نكتب عن الرجل والمرأة فى العام أو عن النوع ولكن عن أشخاص محددين. فعندما أختار أن أكتب عن سيدة فإننى لا أكتب عن النساء بشكل عام أو امرأة تمثل النساء جميعهن بل أكتب عن شخصية محددة ذات تجربة محددة، لذا فكل شخصية نسائية فى الرواية تختلف عن الأخرى. وكذلك بالنسبة للرجل عندما أكتب عن رجل فأنا أكتب أن شخصا بعينه ذو تجربة تخصه دون غيره. لذا أعتقد أنه عندما يقوم الكاتب بالكتابة عن أفراد معينيين فإنه ينظر إلى العالم من خلال وجهات نظرهم وليس متوقع أن يمثل تجربة النوع كله.
هذا يقودنى إلى سؤال آخر وهو هل الكاتب يحتاج أن يعيش تجربة شخصيات روايته قبل الكتابة عنهم ؟
لا لأنه هذا يعنى أنك لن تستطيعى أن تكتبى سوى عن حياتك فقط. أحدث رواية لى تدعى "Little Nothing"، وهى خيالية عن فتاة ولدت قزما ثم تغير شكل جسمها وتحولت إلى ذئب، ومن ثم فلم أعيش بالتأكيد تجربة مثل هذه.
فجزء من عملى هو محاولة فهم تجارب الأخرين ممن لديهم حياة وتجارب مختلفة للغاية عنى وهو ما يعنى ضرورة أن يكون لدى قدرة جيدة على التخيل، كما يجب على الكاتب أن يسعى لفهم الطبيعة البشرية ولماذا يقوم الناس ببعض الأفعال، وأحيانا ما تكون الإجابات معقدة ومركبة للغاية وأعتقد أن وظيفة الكاتب أن يقوم بالكشف عن هذه التعقيدات لتقديمها على الورق.
إنجى مجدى تلتقط صورة تذكارية مع ماريسا سيلفر
كيف ترين الأدب العربى المترجم؟ ولمن تقرأين ؟
بالتأكيد قرأت بعض الروايات الرائعة التى كتبها نجيب محفوظ، كما قرأت عمارة يعقوبيان لعلاء الأسوانى وأعجبت بها كثيرا. وأتطلع لقراءة الكثير من الروايات العربية وأتمنى ترجمة المزيد إلى الإنجليزية خاصة الرويات المعاصرة لأننى أعتقد أنه سيكون أمرا رائعا بالنسبة للناس فى أمريكا أن يفهموا ملامح الحياة فى مصر وحياة المصريين. فالروايات المترجمة تمنح فرصة لفتح العقل والقلب لتجارب الناس فى أجزاء أخرى من العالم.
بعض الروائيين يكتبون تحت أسم مستعار مثل الكاتبة البريطانية لويزا يانج.. كيف ترين ذلك؟
المؤلف بالطبع من حقه أن يكتب تحت أى اسم يريده، وأعرف أن أحيانا يفضل المؤلف نشر رواية تحت اسم مستعار لأنه يقدم نوعا مختلفا عن الروايات الذى إعتاد كتابته، وهناك أخرون لا يريدون ربط هويتهم بكتاب أو رواية. وعلى سبيل المثال الكاتبة الإيطالية ألينا فيرانتى، التى كتبت عدد من الكتب المعروفة جدا مؤخرا ولكنها لم تجر أى مقابلات مع وسائل الإعلام ولا تريد أن تكون هويتها جزءا من الكتب التى يقرأها الناس. لذا فى بعض الأحيان يفضل المؤلفين فصل هويتهم عن أعمالهم.
فازت الصحفية البيلاروسية سفيتلانا أليكسفيتش جائزة نوبل فى الأدب عن رواياتك اللاخيالية... كيف ترين هذا النوع من الأدب ؟
لا أستطيع الرد على هذا السؤال، لست على دراية بأعمالها . لكن ما أستطيع قوله أن الكتابة المعاصرة أصبحت أكثر انفتاحا وتضم فئات جديدة. لذا فأحيانا ما تضم الرواية مذكرات أو مقال أو حتى الكتابة الواقعية وأعتقد أن هذا أمر شيق أن يضم الأدب أشكال مختلفة بدلا من إقصاره على فئة واحدة، لأننى أرى أن ما يدفع الأدب نحو التطور والنمو هو أن يضم أساليب مختلفة من السرد القصصى.
هناك تساؤلات كثيرة عن جدوى الجوائز العالمية وهل تخدم الأدب.. كيف ترين هذا ؟
الجوائز تختار كتب وروايات من بين العديد مما ينشر سنويا وبعض من أفضل الروايات التى يتم نشرها لا يتم قراءتها أو انتشارها على مستوى واسع، لذا أعتقد أن الجوائز تقدم فرصة جيدة جدا للفت الانتباه نحو روايات أو كتب معينة وتقديمها لجمهور أوسع. لكن عليكى أيضا أن تتذكرى أن الأمر شخصى جدا فيما يتعلق بعملية الحكم على الروايات، فليس هناك كتاب أو رواية هى الأفضل إذ إن كل الكتب مختلفة جدا. وفى بعض الأحيان يكون من الصعب مقارنتهم وهناك الكثير من الكتب والروايات التى لا تحظى بجوائز ولكنها رائعة. لذا فإن الجوائز تعتبر طريقة لتعريف الناس برواية يراها الآخرون جيدة مع العلم أن هناك كتبا أخرى فى نفس المستوى.
أثارت جائزة نوبل للأدب الجدل خلال العام الماضى عندما تم منحها للمغنى الأمريكى بوب ديلان ؟
أحب بوب ديلان كثيرا وأعتقد أن هناك الكثير من المؤلفين ممن يستحقون الجوائز. وإذا أعتبرنا موسيقى بوب ديلان كشعر، فهناك شعراء فازوا بجائزة نوبل قبلا. بشكل عام ليس لدى رأى فى هذه المسألة.
بعد زيارتك لمصر هل سوف تجسدين المرأة المصرية فى إحدى رواياتك؟
لكن إذا أردت الكتابة عن النساء المصريات فأحتاج أولا أن أعرف مصر أكثر، هذه ثانى زيارة لى لمصر ولا أزال أشعر أننى لا أعرف الكثير عن الوضع هنا وعن ثقافة الحياة بالنسبة للمرأة المصرية لكى أكتب عنها، وإذا قررت ذلك فسوت أتى وأقضى الكثير من الوقت فى مصر لأتقرب من الناس وأسعى لفهم ماذا يعنى أن تكونى امرأة فى هذه الثقافة. وقبل أن تكون لدى الشجاعة الكافية للكتابة عن المرأة المصرية، بالتأكيد أحب أن أقرأ روايات مصرية مكتوبة من روائيات مصريات وأتمنى أن يتم ترجمة مثل هذه الروايات إلى الإنجليزية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة