انتهت عاصفة ثلجية أسفرت عن إلغاء قمة أمريكية-ألمانية بواشنطن الأسبوع الماضى، ليستقبل البيت الأبيض، أمس الجمعة، المستشار الألمانية أنجيلا ميركل، أو كما وصفها الإعلام بأنها "زعيمة العالم الحر"، بعد تسلمها الراية من الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما للدفاع عن المجتمع الدولى الليبرالى.
سيطر الاجتماع على اهتمام وسائل الإعلام التى وصفته بأنه يشكل "لحظة حاسمة" بين البلدين، بعد توترات شهدتها العلاقات خلال الفترة الماضية، على عكس التقارب الوثيق فى السياسات بين برلين والإدارة الأمريكية السابقة.
ولكن الآن، فسيتعين على الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب لقاء الشخصيات التى أساء إليها. فمنذ أشهر، هاجم الملياردير الجمهورى سياسة "ميركل" بقضية استقبال اللاجئين قائلًا إنها تدمر ألمانيا، وأن سياساتها "وصمة عار". فيما انتقدت المستشارة الألمانية قرار حظر السفر الذى أصدره ترامب لمنع رعايا دول ذات أغلبية مسلمة من دخول أمريكا.
وبالرغم من التضاد فى شخصيات كل من الزعيمين، فكما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى إلى ترامب بأنه "متهور وشعبوى"، وإلى ميركل بـ"المحافظة والواقعية والمتأنية"، فإن الإعلام رسم صورة للمستشارة بأنها "البرلينية الحكيمة" التى تسعى لإقامة علاقة "لائقة" مع الملياردير المندفع.
وقالت بى بى سى إن ميركل، التى قيل إنها تدرس شخصية ترامب، يبدو أنها قد انتهت إلى أن الطريق إلى قلب الرئيس الأمريكى هو من خلال مناقشة التجارة، مشيرة إلى أنها تصطحب معها الرؤساء التنفيذيين لشركات بى ام دبليو وسيمنس.
فيما علقت قناة سكاى نيوز البريطانية بأن أولئك الذين يأملون فى مواجهة محتدمة بين الطرفين خلال اللقاء سيصابون بخيبة أمل "لأن ميركل يعرف عنها أنها تتعامل بشكل جيد مع القادة الذكور مثل فلاديمير بوتين ويلفيو برلسكونى".
وجاء ذلك مشابهًا للخطاب الرسمى بألمانيا، إذ صرحت الحكومة الألمانية بأن الهدف الرئيسى من اجتماع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأول مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو "بناء الثقة"، وأن تنجح المستشارة فى "توضيح أن الاختلافات فى الرأى يمكن تناولها من خلال الشراكة، وليس المواجهة"، فى تصريحات للوكالة الألمانية.
ووصفت صحيفة التليجراف البريطانية التلاحم الأمريكى- الألمانى المرتقب بلقاء الـ"حياة أو موت"، بحيث يبقى أمام "ميركل" أن تختار إما أن تدفن الأحقاد بين البلدين، أو تخاطر بإغراق العلاقات الثنائية إلى مستوى متدنى جديد.
وترحَّمت الصحيفة على الأيام "الخوالى" للعلاقات الأمريكية الألمانية الجيدة، مستدعية صورة شهيرة تجمع الرئيس السابق باراك أوباما جالسًا على مقعد والمستشارة الألمانية تقف وتلوح بيدها، وهى الصورة التى أثارت الكثير من التعليقات عندما تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى قبل عامين خلال قمة السبع الكبار فى بافاريا.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن زيارة ميركل لأمريكا لن تكون لها نفس الضجة التى اكتسبتها زيارة رئيس الوزراء اليابانى "شينزو آبى"، الذى دعاه ترامب للعب الجولف معه، وزيارة رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماى" التى أشار البعض أن الرئيس الأمريكى يلقبها بـ"ماجى".
كما استعرضت "التليجراف" بعضًا من نقاط الخلاف بين الدولتين، وجاء على رأسها موقف ترامب من حلف شمال الأطلسى "الناتو"، خاصة مع وضوح موقف الرئيس الأمريكى المطالب لأعضاء الحلف من ذوى الاقتصاديات الكبرى "بدفع الفواتير"، والإحصائيات التى تشير إلى أن ألمانيا تنفق أقل من النسبة التى يستهدفها الناتو وهى 2% من إجمالى ناتجها على الدفاع، وهو ما يرغب ترامب فى تغييره.
ثم جاء العجز التجارى الأمريكى مع ألمانيا والذى يبلغ 65 مليار دولار ضمن القضايا التجارية الملحة بالنسبة للرئيس الأمريكى، واهتمامه بتقليص العجز خارج قيود الاتحاد الأوروبى.
وتعتبر الولايات المتحدة هى أكبر وجهة للصادرات الألمانية، ولكن حذر ترامب من فرض 35% ضرائب على السيارات الألمانية التى تنوى إنشاء مصانع جديدة لها فى المكسيك وتبيع منتجاتها بأمريكا، وهو ما أثار انتقادات برلين.
وبحسب صحيفة "دير شبيجل" الألمانية، فإن اصطحاب المستشارة ميركل لرئيس شركة سيمنز الألمانية "جوزيف كيسر"، والرئيس التنفيذى لشركة السيارات الألمانية BMW "هارالد كروجر"، هدفه أن يحاولا إقناع "ترامب" بإعادة النظر فى أمر الرسوم الجمركية الباهظة للدفاع عن آلاف من فرص العمل المرتبطة باستثماراتهم فى الولايات المتحدة.
وبحسب وسائل الاعلام فإن قضية المهاجرين وقبول اللاجئين لازالت تشكل محور الصدام بين الدولتين، بسبب اختلاف الرؤى حول التعامل مع الملف، فألمانيا التى استقبلت أكثر من مليون مهاجر ينظر إليها ترامب بأنه خطأ كارثى فى حق دولتها، فيما ترفض "ميركل" تبرير صدور قرار "حظر الهجرة" بالحرب على الإرهاب.
وتأتى زيارة "ميركل" بعد أقل من شهرين من المؤتمر الصحفى الذى عقده "ترامب" ورئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماى"، اللذان أكدا على دعم "علاقة خاصة" بين بلديهما من خلال إبرام صفقات تجارية، فى الوقت الذى تستعد فيه لندن للانسحاب من الاتحاد الأوروبى. أما المستشارة الألمانية، فتعتبر خروج بريطانيا بمثابة تحذير للكتلة الأوروبية التى حثتها على التوحد ضد "الحمائية"، التى تعتبر صفة مشتركة بين ترامب وماى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة