تتجدد المخاوف بسبب سرعة وتيرة تحركات الإدارة الأمريكية الحالية لإصدار قرارات من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على وضع المهاجرين فى الولايات المتحدة الأمريكية.
فبعد الإعلان الأسبوع الماضى عن خطة جديدة بشأن المهاجرين تنطوى على إقامة مراكز احتجاز جديدة لاستيعابهم وتسريع عملية ترحيلهم، جاء قرار أخير من وزارة العدل الأمريكية بإلغاء توجيهات أصدرتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالحد من استخدام السجون الخاصة، التى تضم آلاف السجناء من بينهم مهاجرين غير شرعيين، ووُجهت إليها انتقادات حادة فيما يخص نقص إجراءات السلامة وزيادة أعمال العنف بين السجناء.
وأصدر جيف سيشنز، المدعى العام، مذكرة يوم الخميس، تلغى مذكرة أخرى كانت قد أصدرتها سالى ياتس، نائبة وزير العدل فى عهد أوباما، تفيد بإغلاق السجون المملوكة للقطاع الخاص أو عدم تجديد التعاقد معها "لعدم قدرتها على توفير نفس المستوى من السلامة والأمان" مقارنًة بنظيرتها الحكومية.
ولم يكن لمذكرة "ياتس" التأثير الفورى والكبير على عدد السجناء الفيدراليين بالسجون الخاصة، حيث انخفض العدد من 22,660 سجين فى ديسمبر 2015 إلى 21 ألف سجين حاليًا.
وأضاف سيشنز أن قرار الإدارة السابقة سوف يؤدى إلى إزدحام السجون، ووصف مذكرة "ياتس" أنها أضعفت قدرة المكتب الفيدرالى للسجون على تلبية الاحتياجات المستقبلية لنظام السجون الفيدرالى، مؤكدًا على أن بإلغاء المذكرة، يستعيد المكتب المرونة لإدارة أمور السجناء الفيدراليين بما يتناسب مع نسبة استيعابهم.
صفحة المكتب الفيدرالى للسجون تتيح البحث باسم أو رقم السجين لمعرفة مكانه
ويقول المكتب الفيدرالى للسجون على موقعه الالكترونى فى تعريفه للسجون الخاصة أنها "مؤسسات آمنة تدار من خلال شركات خاصة"، وأن أغلبية السجناء بالسجون الخاصة من بينهم من تم ترحيلهم إلى هناك لاستكمال فترة حبسهم.
ويضيف المكتب أنه يقوم بالتعاقد مع القطاع الخاص "للمساعدة فى إدارة عدد السجناء".
السجون الخاصة.. الأرباح على قدوم الواردين
وبدأت الولايات المتحدة منذ العام 1980 الاستعانة بشركات خاصة هادفة للربح لإدارة السجون مقابل مبلغ من المال تدفعه الحكومة لتلك الشركات لتتحمل هى عبء مبانى الاحتجاز وطاقم الحرس والمراقبة.
وتدفع الحكومة الأمريكية المال فى أغلب الحالات على كل نزيل بالسجون الخاصة، أو على المساحة التى تريد استغلالها داخل تلك المرافق التابعة للشركات، وقد لجأت الحكومة للقطاع الخاص بسبب ارتفاع أعداد نزلاء السجون الحكومية.
ولكن نظام خصخصة السجون لاقى انتقادات واسعة، فتقول صحيفة "هافنجتون بوست" الأمريكية – فى تقرير لها عام 2015: "فى الولايات المتحدة، هناك شركات تربح بدخولك السجن. هم يريدونك أن تدخل السجن... هذه صناعة تسعى للضغط على السياسيين لمزيد من السجناء لملء جدرانها، وتحت رقابة ضعيفة، تربح تلك الشركات مال على كل سجين، بغض النظر عما يتم دفعه سنويًا لتقديم الرعاية لذلك السجين، فإن ارتفاع نسبة الإشغال يساوى مزيد من الأرباح".
وكانت قد أنكرت تلك الشركات الخاصة مزاعم لجوءها للضغط من أجل ملئ السجون بالسجناء.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن قطاع السجون الخاصة تدر مليارات الدولارات من العائدات سنويًا، وتتبرع بكميات كبيرة للسياسيين، مستشهدة بتبرع شركتى "كوريكشنز كوربوريشنز أوف أمريكا" و GEO Group بـ250 ألف دولار لاحتفالات تنصيب ترامب.
ونمت أسهم الشركتين، وهما أكبر شركتين خاصتين تديران السجون بأمريكا، بعد فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، خاصًة وأن الرئيس الجمهورى قد صرح مسبقًا عن نيته لخصخصة القطاع ردًا على سؤال له عن خططه لتنمية نظام السجون بالولايات المتحدة الأمريكية.
دونالد ترامب وجيف سيشنز
وعلق بابلو باييز، المتحدث باسم مجموعة GEO، فى تصريح لصحيفة "ديلى بيست" الأمريكية بأن الشركة ترحب بمذكرة المدعى العام لإعادة الاستخدام المستمر لمرافق الاحتجاز التى يديرها القطاع الخاص، مضيفًا أن القرار السابق قد استند على تقرير محرف صادر من وزارة العدل ومكتب التفتيش العام عن وضع السجون الخاصة.
فيما صرح جوناثان بيرنز، المتحدث باسم شركة "كوريكشنز كوربوريشنز"، للصحيفة أن القرار الجديد يثبت صحة موقف الشركة وأن القرار السابق لم يكن يعكس الجودة العالية التى قدمتها الشركة لعقود من الزمن.
قلق حقوقى من سوء معاملة المهاجرين بالسجون الخاصة
وأضافت "ديلى بيست" إن القرار يأتى بالتزامن مع السياسات الجديدة للإدارة نحو التضييق على المهاجرين من خلال التوسع فى استخدام مراكز الاحتجاز لاحتواء المهاجرين غير الشرعيين بدلًا مما كان يتبع من قبل من اطلاق سراحهم.
وبحسب صحيفة يو اس إيه توداى الأمريكية، فإن أغلبية المهاجرين المحتجزين فى أمريكا – تقدر نسبتهم بـ65% العام الماضى - هم فى مرافق تديرها شركات خاصة بالسجون.
أحد السجون الخاصة فى أمريكا
وفى عام 2014، قال اتحاد الحريات المدنية الأمريكية فى تحقيق أجراه له أن حوالى 25 ألف مهاجر محتجزين بـ13 سجن خاص، مشيرًا إلى نقص فى تلبية احتياجاتهم الانسانية والصحية.
وأزعجت القرارات الجديدة الحقوقيين، والمدافعين عن حقوق المهاجرين، فمن جانبه، علق رئيس برنامج اتحاد الحريات المدنية الأمريكية للسجون "ديفيد فاثى" أن تسليم التحكم بالسجون لشركات هادفة للربح يهدد بوجود سوء معاملة وإهمال، مضيفًا أن المذكرة هى "علامة أخرى على أن الولايات المتحدة سوف تكون بصدد طفرة جديدة بأعداد السجون الفيدرالية، مدعومة فى جزء منها بالملاحقات الجنائية للمهاجرين لدخولهم البلاد".
ويعتبر القرار الأخير هو إشارة على إصرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تنفيذ وعود حملته الانتخابية بترحيل آلاف المهاجرين غير الشرعيين خارج الولايات المتحدة، بالرغم من المواجهات التى خاضها مع القضاء، ولم يكن الفوز من نصيبه بها، حيث تم تعليق قرار تنفيذى أصدره بحظر دخول رعايا سبع دول ذات أغلبية مسلمة، مما دفعه لاتخاذ إجراءات جديدة والسعى لاستصدار قرار آخر.
وأكد الرئيس الأمريكى على الجهود التى تبذلها إدراته لطرد المهاجرين غير الشرعيين، واصفًا الخطة بأنها "عملية عسكرية"، وهو الأمر الذى يتناقض مع التصريحات الأخيرة لوزارة الأمن الداخلى لطمأنة جاليات المهاجرين من أن الهدف من الإجراءات الجديدة ليس الترحيل ولا الاحتجاز الجماعى لهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة