الكثير من الجدل أثارته مأساة انتحار شابة عشرينية مصابة بالإيدز فى منطقة بولاق الدكرور بعدما تعرضت للكثير من الضغوط النفسية، وهى الضغوط التى ضاعفتها الوصمة المجتمعية المرتبطة بهذا المرض، والتى يتسبب فى ترسيخها بشكل كبير عشرات الأفكار المغلوطة عن المرض وطريقة انتقاله.
وعلى الرغم من وجود مئات النتائج التى توصل لها الأطباء على مدار سنوات من اكتشاف المرض، والتى تصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة المرتبطة به والمسببة لوصمته، كفكرة انتشاره فقط بسبب ممارسات جنسية شاذة أو غير شرعية، أو إدمان المخدرات، وتجاهل أسباب أخرى كالإهمال الطبى ونقل الدم الملوث؛ إلا أن تأثير هذه الأبحاث وحملات التوعية التى تحاول نشرها، يظل محدودًا مقابل ما يمكن أن يفعله عمل فنى يتطرق إلى الفكرة سواء بطريقة إيجابية يمكن أن تساعد فى تصحيح مفهوم خاطئ، أو طريقة سلبية ترسخه. وهو ما يدفعنا بالضرورة إلى التساؤل عن أى الطريقتين اتبعتها السينما العربية أو المصرية تحديدًا فى تناول مرض الإيدز؟
الناقد كمال رمزي: يجب الترويج لإمكانية القضاء على المرض وليس المريض
وقال الناقد كمال رمزى، إن هناك أعمالًا قليلة تعرضت لمسألة الإيدز بشكل إنسانى وعلمى، ولكن للأسف الفكرة السائدة عنه غير دقيقة، وبالتالى نحتاج علميًا الترويج لفكرة مساندة المريض، والقضاء على المرض عن طريق العلم وليس عن طريق القضاء على المريض، ومن المفترض أن يكون هناك نوعًا من التنوير النظرى حول المرض قبل أن نطالب بوجود أعمال فنية تناقشه. ويمكن للسينما والفن بشكل عام أن يسهم فى هذا التنوير لكن لا يمكننا أن نلقى المسئولية على الأفلام لتقوم بهذا وحدها.
مشهد من فيلم أسماء
وأضاف رمزى، لـ"اليوم السابع": "الحديث عن مرض الإيدز فى مصر يشوبه نوع من التهويل الشديد جدًا، وغالبية الأعمال الفنية التى تناولته تروج لفكرة أن كل من يقترب من مريض الإيدز مصيره الإصابة بنفس المرض الذى يكاد يكون ليس له علاج"،وهو ما يكرس الفكرة الشعبية السائدة ،وهى فكرة غير صحيحة، فهو فى النهاية مرض مثل غيره من الأمراض بالتالى الوعى التضخيمى بالمرض جعل الناس تفزع لمجرد سماع اسمه، وهو ما يذكرنى، مع الفارق، بوقع كلمة "السرطان" على الكثيرين حتى الآن، لدرجة أنهم حين يتحدثوا عنه يقولوا "المرض الوحش" ولا ينطقوا كلمة السرطان رغم أنه يمكن علاجه والشفاء منه فى الوقت الحالى.
الناقد هانى حجاج: الأفلام عن الإيدز أهملت الطب وركزت على الانحراف
أما الدكتور هانى حجاج الناقد الفنى، يرى أن هناك عددًا قليلًا من الأفلام السينمائية سواء عربية وعالمية تطرقت إلى قضية الإيدز، وهى أفلام لم تحقق جماهيرية حقيقية بمعنى أن يحبها الجمهور ويهتم بها بشكل حقيقى وليس لمجرد الضجة التى يثيرها الموضوع أو عنوان الفيلم بغض النظر عن مستواه.
فيلم الحب فى طابا
وتابع الناقد الفنى: "هناك عناوين محدودة جدًا على المستوى العالمى والعربى للأفلام التى تناولت مرض الإيدز أهمها عالميًا فيلادلفيا لتوم هانكس أما فى مصر هناك فيلم "أسماء" لعمرو سلامة وفى رأيى كان فيلما ضعيف المستوى، كان هناك أيضًا فيلم "الحب فى طابا" وإنتاج عام 1992 وكان فيلما تجاريا لعرض رقصات ورحلات فى شرم الشيخ، ولكنه وقتها كان أول فيلما مصريا يتطرق إلى هذا الموضوع، وكانت معالجته سطحية تناسب زمنها، وحتى حين تطرق السيناريست الكبير محمود أبو زيد لهذا الموضوع كتب فيلم "الأجندة الحمراء" لطارق علام عام 2000 ولكن الفيلم لم ينجح".
فيلم الأجندة الحمراء
وأوضح حجاج، أن الأفلام المعدودة التى تناولت الإيدز أهملت جوانب كثيرة طبية واجتماعية وركزت على فكرة الانحراف، وفى الوقت نفسه يرى أن السينما لن تؤثر على المجتمع إلا بشكل تراكمى محدود، مضيفًا: "المجتمع أقوى وكالعادة يمارس القهر بنفسه على نفسه، وهو من يوجه السينما التى تقدم له الفيلم الذى ترضى به غالبية الجماهير ولن تحاول أن توجههم".
وأرجع "حجاج"، قلة الأفلام التى تتناول مرض الإيدز إلى أن هذا الموضوع "منفر وفال شؤم" مضيفًا: "السينما متعة قبل كل شيء وحتى هواة فواجع الدراما سيحبوا أن يرون واقع مؤلم لكنه قابل للحدوث معهم مثل قصص الفراق إلا أن كلمة الإيدز والأمراض فال شؤم، بالتالى السينما التى تتناول هذا الموضوع تظلم نفسها بنفسها".
الناقد محمود قاسم: السينما تحب البهجة وأفلام الإيدز كئيبة
واتفق معه الناقد محمود قاسم حول سبب قلة الأفلام التى تناولت مرض الإيدز وقال لـ"اليوم السابع": "السينما العالمية والمصرية عمومًا تحب البهجة، والأفلام التى تتطرق إلى الإيدز تكون كئيبة، وأنا شخصيًا لا أبادر بمشاهدتها لأننى أبحث عن شيء يفرحنى".
ويرى "قاسم"، أن هناك تغيرًا طرأ على طريقة تناول السينما المصرية لمرض الإيدز، ففى البداية كان "الحب فى طابا" الذى عالج الفكرة بنظرة مؤامراتية ضيقة حيث صدر فكرة أن المرض جاء من الحدود وأن الإسرائيليات استدرجوا الرجال المصريين لإصابتهم بالمرض وإدخاله مصر.
فيلم الحب والرعب
واستطرد الناقد الفنى: "هناك أيضًا فيلم "الحب والرعب" لشريهان وفيه تم تناول الإيدز كطريقة للانتقام حيث تحاول نقله إلى زعيم عصابة، وهذه الفكرة ليست جديدة استخدام النساء المرض كنوع من الانتقام حيث استخدمت من قبل بمرض السل أو الدرن. وأخيرًا فيلم أسماء الذى تناوله من جانب اجتماعى وما يقاسيه مريض الإيدز من نظرة المحيطين به".
فيلم أسماء
وأضاف قاسم: "فى البداية كان هناك منظورًا اجتماعيًا للإيدز أنه مرض مشين تسببه ممارسة الجنس بشكل غير شرعى أو الشذوذ ولكن مع الوقت بدأنا نكتشف أنه يمكن أن يصيب الأطفال حتى، وأنا شخصيًا لم أعرف إلا قريبًا جدًا أنه لا ينتقل عن طريق الاختلاط بالتالى نحن لم نعرف بعد هوية المرض".
ووفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك المعنى بالإيدز فى أكتوبر الماضى فإن 1 من بين كل 5 أشخاص مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية فى 19 دولة، تجنبوا طلب الرعاية الطبية خوفًا من الوصمة أو التمييز المتصلين بالإيدز؛ وهو ما يعرض حياتهم للخطر وكذلك مجتمعاتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة