تركتك بعد منتصف الليل لأنام قليلا وأستريح من عناء الرحلة .. لكن والدتى جعلتنى أستيقظ فى الساعة الثالثة والخمسة والأربعون دقيقة تقريباً من فجر يوم 1/9/1991 وكان كل شىء جاهزا للتحرك وبدأت أستعيد ذكرى لقائنا الأخير وتذكرت وعدك لى بالصلاة وقمت فتوضأت ثم ذهبت لأصلى الفجر حاضراً فى جماعة .. وكأن هناك شىء بداخلى يتغير بعدما عرفتك .. أشكرك كثيراً على هذا الدافع الذى أعطيتنى إياه فألهمنى الكثير فما أجمل و أطهر العشق الأفلاطونى ما دام الله يحيطنا بالإيمان و دعوت أن يوفقنى فى عملى لكى أكون جديراً بكى فى يوم من الأيام .. أعلم بأننى سأواجه الكثير من الصعاب و لكن كله يهون فدى لكى يا عزيزتى سأتغلب على غربتى و بعدى عنكى و عن الأهل و الأصدقاء و المكان الذى نشأت فيه من أجل عينيكى .. أسألك بكل طيب أن تحافظى على صلاتك و إيمانك بالله بل و تقربى بحجابك إلى الله لعله يفتح علينا باليمن و البركات .. حاولى لأجلى مثلما أحاول لأجلك .
أكتب إليكى هذه الكلمات و قرآن الفجر يتلو عبر المذياع .. و هكذا انطلق صوت أذان الفجر لأكون فى أول صفوف المصلين و أشعر بأننى أصغر المصلين عمراً و أقلهم إيماناً رغم أنهم لم يتعدوا العشرون .. و ما أن انتهيت من الصلاة حتى أسرعت أحمل حقيبتى و الشوق يحملنى لألقى نظرة أخيرة عليكى قبل سفرى إلى المجهول .. أسرعت إلى الكورنيش المكان الذى يفضله قلبى على أى مكان أخر فى العالم و قبل أن أقوم بالصفير الخاص بنا وجدتك تنتظرينى فى حياء و شوق خلف ستارة البلكونة .. يا لها من مفاجأة لم أكن لأحلم بها.. فلم تنامى و انتظرتى حتى تودعينى .. لم أحتمل انفعالاتى و شعرت أن الدنيا أصبحت ملكا لى فى لحظة كأنها أسعد لحظات عمرى .. كأننى أحلق مع الطيور فى كبد السماء وكأن يكفينى هذا زادى لرحلتى .. ورغم أنها لم تكن رحلتى الأولى إلا إننى كنت فى غاية التفاؤل و فى نفس الوقت يعترينى القلق عليكى .. شعرت بأننى سوف أفتقد حبيبتى و لكنك فى قلبى دائماً نسمة رقيقة و بسمة بريئة تضئ لى الطريق بمصابيح الأمل و الحرية.. لا أشعر بالحزن لفراقك لأنك معى فى داخلى وهذا المصحف الكريم الذى يلازمنى وتلك السلسلة الفضية التى تحمل نصف كلمة لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فيه تحيط جيدك و ما أدراكى ما جيدك يا حبيبيتى .. أتمنى أن لا تطول الرحلة حتى أعود إليكى يا عالمى بشوق واشتياق لأتذوق عبيرك الذى تفوح منه زهور الأوركيد ..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة