3 رصاصات فى الرأس أنهت حياة زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن فى مايو 2011 لم تستغرق سوى ثوانى، لتفتح خلال السنوات التى تلاها مقتله صندوقه الأسود أمام التاريخ، والذى ما كان يرفع عنه النقاب إلا بعد وفاته، حيث عثرت القوات الأمريكية الخاصة التى داهمت مخبأه على وثائق تكشف الكثير من جوانب علاقاته ببعض البلدان، وصلاته بالجماعات المتطرفة، واحتفظت بتلك الوثائق وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA فى خزائنها لسنوات.
وبعد أن نشرت الاستخبارات المركزية الأمريكية دفعة جديدة من الوثائق الخاصة بزعيم القاعدة السابق، عاد من جديد اسم بن لادن يتصدر المشهد الإخبارى، لكن هذه المرة كشف عن العلاقات التى جمعته بدولة قطر المعروفة برعاية أميرها تميم بن حمد للإرهاب فى العالم وتمويل الجماعات المتطرفة، واحتضان إيران لنجله، إضافة إلى اعترافه باعتناق أفكار الجماعة الإرهابية (الإخوان) ذات التنظيم الدولى المتطرف.
بن لادن والظواهرى
وتشمل الملفات الجديدة مذكرات بن لادن الشخصية ووثائق وتسجيلات صوتية وتسجيلات فيديو، بما فى ذلك مقطع فيديو لابنه حمزة فى حفل زفافه، وفقًا لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية، وهذه هى المرة الرابعة التى تنشر فيها وكالة الاستخبارات المركزية مواد حصلت عليها فى الغارة التى نفذتها على مخبأ بن لادن فى أبوت أباد فى باكستان، وقالت الوكالة إنها حجبت بعض المواد والوثائق لأنها قد تضر بالأمن القومى.
وفى بيان صحفى، قال مدير "سى أى إيه"، مايك بومبيو، إن نشر رسائل القاعدة ومقاطع الفيديو والملفات الصوتية وغيرها من المواد المتعلقة بالتنظيم الإرهابى اليوم، يتيح الفرصة للشعب الأمريكى معرفة أوسع وأدق حول خطط وعمل هذه المنظمة الإرهابية.
وأشار بيان الوكالة إلى أن هذه الوثائق تقدم نظرة عميقة لخلفية وأصل الخلاف بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، فضلًا عن "الخلافات الاستراتيجية والمذهبية والدينية بين القاعدة وحلفائها"، وأضافت الوكالة، أن المواد الجديدة تظهر جهودا بذلها التنظيم لاستغلال انتفاضات "الربيع العربى" ومحاولاته لتحسين صورته الإعلامية.
بن لادن يؤكد اعتناقه فكر الإخوان المتطرف
ووفقًا لما نشرته قناة العربية، فإن بن لادن تحدث فى إحدى مذكراته المكتوبة بخط يده أنه كان ملتزما بالإخوان فى بداية حياته على الرغم من أن "منهجهم كان محدودا"، مضيفًا فى هذه الوثيقة، أن المرة الأولى التى فكر فيها فى الجهاد فى أى مرحلة فى حياته كانت عندما كان فى المدرسة الثانوية، وتابع: "كنت متدينا منذ سن صغيرة، أحفاظ على صلواتى وترعانى أمى فى كل الجوانب، ولم يكن هناك من يرشدنى مثل الإخوان، لقد كانت مجرد غريزة طبيعية".
وكان جهاز الكمبيوتر الذى تم ضبطه خلال الغارة يحتوى على أفلام هوليوودية، وأفلام رسوم متحركة للأطفال، وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية، أن سببها على ما يبدو أن بن لادن كان يعيش مع عائلته وأطفاله، وفضلًا عن ذلك كانت هناك ثلاثة أفلام وثائقية عن بن لادن نفسه، بحسب ما ذكرت "بى بى سى".
ومن بين تسجيلات الفيديو أيضًا، فيديو لزفاف حمزة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة يظهر لقطات نادرة لحمزة بن لادن، الذى أصبح الآن الوجه الصاعد فى قيادة التنظيم، فى شبابه.. وكانت وثائق سابقة قد أشارت إلى أن بن لادن كان يجهز ويعد نجله حمزة ليخلفه فى زعامة تنظيم القاعدة.
ومن ناحية أخرى، قالت صحيفة "الجارديان" إن رحلة صيفية قام بها بن لادن إلى بريطانيا فى سن المراهقة، وزيارته مسقط رأس شكسبير أقنعته أن الغرب منحل، وفقًا لما كتب فى جريدته الشخصية قبل وقت قصير من مقتله، وتشير الصحيفة إلى أنه رغم عدم وجود تقارير سابقة تفيد بان بن لادن سافر إلى الغرب، فإن هذا يعد أول تأكيد.
زعيم القاعدة يشيد بـ"قطر" و"الجزيرة"
وكشف الوثائق أيضًا الستار عن المزيد من أسرار العلاقات الوثيقة بين تنظيم القاعدة وقناة الجزيرة القطرية.
وبحسب تقرير لقناة العربية، فى رسالة من "الحاج عثمان" إلى اللجنة الإعلامية للتنظيم، دعاها إلى التنسيق مع مندوب قناة الجزيرة للرد على ما اعتبره "افتراءات" طالت القاعدة، وطلب إلى اللجنة فى رسالته إفهام "الجزيرة" بأنه نظرًا لكثرة الاتهامات التى تطال القاعدة من جهات مختلفة وترديد بعض القنوات العربية، لامتيازات يتمتع بها أعضاء التنظيم فى إيران، وما تنشره وتروجه أحزاب وجماعات عراقية من وثائق مزورة، مفادها عمالة القاعدة لإيران، فإنه من المفيد إعداد أسئلة يعدها مندوب الجزيرة فى باكستان أحمد زيدان، بصوته وصورته، حول هذه الأمور، وتنظيم لقاء له مع المتحدث الإعلامى للتنظيم الحاج عطية، ليجيب عنها، ويتم كشف الحقائق لمشاهديها، بحسب رسالة الحاج عثمان.
وبحسب بيان العربية، فى رسالة أخرى لزعيم التنظيم بن لادن شدد على أهمية مراعاة الجوانب الأمنية لعناصر القاعدة فى قسم الإعلام والوثائق، والتأكيد على الأخذ بكافة الاحترازات، قائلاً: "بالنسبة للإخوة الذين تحتاج أعمالهم إلى الحركة واللقاءات (مثل توفيق وحمزة الربيع) فليعتمدوا إنجاز أعمالهم بواسطة الرسائل، وعدد محدود جدا من المندوبين، وعدم الحركة والتنقل إلا للضرورة القصوى، وإنجاز الأعمال عبر المندوبين.
وأشار بن لادن فى هذه الرسالة إلى قناة "الجزيرة" تحديدا، ويبدو من خلال ما كتبه زعيم القاعدة أن حديثه يتعلق بسلسلة من الأشرطة واللقاءات التى تم تكليف الجزيرة ببثها، قائلا: "بالنسبة لقناة الجزيرة نوصى بعد الدعاء بالأخذ بأحوط الطرق وبالذات الحلقات المنفصلة، مع العلم بأن الأشرطة السابقة تَرُد بشكل مباشر وغير مباشر على افتراءات الدولة".
بن لادن
وفي السياق ذاته، كانت الدفعة الأولى من وثائق أبوت آباد، قد كشفت عن إحدى رسائل بن لادن، التى شدد فيها على العلاقة الجيدة مع "الجزيرة"، وأهمية الحفاظ عليها، قائلا: "إن القنوات الفضائية اليوم أشد من الشعراء الهجائيين فى العصر الجاهلى.. تعادينا معظم القنوات، وأما الجزيرة فقد تقاطعت مصالحها مع مصالحنا، ومن المفيد ألا نستعديها، ومع أنه قد تحصل منها بعض الأخطاء ضدنا إلا أنها محدودة، وباشتباكنا معها ستزداد تحاملاً".
قطر إحدى الوجهات المطروحة أمام عناصر تنظيم القاعدة
ومن ضمن ما كشفته الوثائق أيضًا "رسالة مطولة" من الحاج عثمان إلى مولاى أزمراى، بشأن آلية عمل اللجنة الأمنية بالتنظيم، كشفت عن أن قطر هى إحدى الوجهات المطروحة أمام عناصر التنظيم ونسائه، وكتب بن لادن أيضًا أنه يحتاج إلى نقل أفكاره حول "الثورات العربية" إلى نجله حمزة، والذى من المفترض أن يذهب إلى قطر.
اللافت أن الدور القطرى لم يقف عند دعايات قناتها (الجزيرة) وترويجها للقاعدة والجماعات المتطرفة، بل امتد إلى "المناهج الدراسية القطرية"، فكان لها الحضور والتفضيل بالمقر السكنى لبن لادن، إذ بحسب رسالة إحدى زوجاته معنونة بـ"الوالدة"، كانت قد بعثتها إلى ابنها الملقب بـ"عبد اللطيف"، ويبدو منها وغيرها من الوثائق، أنها كانت معنية بتدريس أبنائها وتعليمهم اللغة العربية والدروس الشرعية، وفيها تقول: "حبذا لو أحضرتم لنا المناهج القطرية إن أمكن، ولو من الإنترنت، وأفضل لو استطعتم إحضارها مطبوعة، ثلاث نسخ من كل كتاب، وإحضار ما أمكنكم من وسائل تعليمية معاونة للكتب".
علاقة بن لادن مع إيران
وقدمت الوثائق رؤية جديدة حول علاقة القاعدة بإيران، وتشير إلى تحالف براجماتى نابع من كراهية مشتركة لكلا من الولايات المتحدة والسعودية، فبعد إطاحة الولايات المتحدة بنظام طالبان فى أفغانستان عام 2001، سارع أعضاء القاعدة الذين كانوا موجودون بها بالفرار، وعبر أغلبهم الحدود إلى باكستان، لكن بعض انتقل إلى إيران، حسبما كتب مسئول بالقاعدة يبدو أنه كان رفيع المستوى فى شهادة مطولة عام 2007.
وكان كلا الطرفين راغب فى غض البصر عن الخلافات الدينية والعقائدية لمحاربة عدو مشترك، وكتب مسئول القاعدة فى هذه الوثيقة يقول: "فى ضوء خبرتى، النظام الإيرانى هو أفضل نموذج.. للبراجماتية فى السياسة"، وتابع: "فأى أحد يريد أن يضرب أمريكا، ستكون إيران على استعداد لمساعدته ودعمه بالمال والأسلحة، وهذا كله مطلوب طالما أنهم غير متورطين بشكل مباشر وواضح"، فيما ورفض مسئول ببعثة إيران بالأمم المتحدة الرد على ما ورد فى تلك الوثيقة.
CIA
تحجب بعض وثائق بن لادن.. وتعلق: مشكلة تقنيةوبعد يوما من نشرها، وبدون تقديم أية أسباب أقدم الموقع الإلكترونى للـ CIA ،على حجب بعض من الوثائق، وعلق موقع الاستخبارات الأمريكية على حذف الوثائق الذى يواجه المستخدمون بوجود "مشكلة فنية" تواجه روابط بعض الوثائق، ومنذ أن بدأت النشر يوم الخميس الماضى، قالت الوكالة، إنها حجبت بعض المواد والوثائق لأنها قد تضر بالأمن القومى، لكن اللافت للانتباه أنها أقدمت أيضًا على حجب بعض الوثائق بعد يوم من عرضها على موقعها الإلكترونى الأمر الذى لم تفسره حتى الآن، مكتفية بالقول أن السبب "عطل تقنى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة