رحلت "صوت مصر" النجمة الكبيرة شادية عن عمر يناهز 86 عاما، بعد رحلة عطاء فنية وإنسانية طويلة، بعدما اعتزلت الفن منذ 31 عاما، حيث أعلنت ابتعادها التام عن الحياة الفنية عام 86، ولم يكن قرارها هذا عن تردد أو بشكل مؤقت وقتها، ولكن كان عن اقتناع تام، حيث ابتعدت عن كل ما يخص الحياة الفنية شكلا وموضوعا ومضمونا، فلم تحضر منذ اتخاذها هذا القرار أى احتفالية فنية، ولم تقابل أيا من الفنانين الذين سعوا لزيارتها على مدار سنوات اعتزالها، حيث كانت تفضل المكوث فى المنزل بعيدا عن كل شىء، حتى تتفرغ للعبادة والصلاة بحسب تصريحات المقربين منها، حيث أرادت اعتزال المجتمع الفنى والحياة الغنائية وكان هذا اتجاهًا خالصًا لوجه ربها وحده، وليس من باب المزايدة والتجارة.
شادية كانت تهوى الفن، وهى فى الثامنة من عمرها، فكانت تقف أمام مرآتها بالساعات، وتقلد "ليلى مراد"، حيث تمنت "فاطمة محمد شاكر"، هذه الطفلة الصغيرة أن تصبح فنانة مشهورة تغنى وتمثل مثل ليلى مراد، حيث كان فيلم "ليلى" هو بداية دخول الأحلام والأمنيات فى قلب فاطمة.
لم تكن هذه الفتاة الصغيرة التى غزت العالم العربى بفنها الممتع قادرة على مواجهة أبيها المهندس الزراعى كمال شاكر لدخول عالم الفن، خاصة بعدما منع شقيقتها الكبرى "عفاف" بل وقاطعها، والتى كانت تتمتع هى الأخرى بصوت عذب، ولذلك استغلت وجود المغنى التركى الشهير منير نور الدين مع العائلة بإحدى المناسبات، وطلبت من جدتها أن تدعوها للغناء أمام الجميع، فاستجابت الجدة على الفور ، فى نفس الوقت الذى تساءل فيه الأب بدهشة "وهى تعرف تغنى؟"، فردت الجدة: "نشوف".
لم تتردد الفتاة الصغيرة فى الغناء بأغنية ليلى مراد الشهيرة "بتبص لى كدة ليه" ، لتنال شادية إعجاب منير نور الدين الشديد، ليخبر والدها بأن بين يديه كنزاً يجب أن يعرف طريقه إلى عالم الفن، ومنذ تلك اللحظة أدرك الوالد موهبة ابنته ذات السنوات الثمانية وقرر أن يساعدها على صقلها بالدراسة، فأحضر لها من علمها العود و الـ"صوفليج" أو الغناء مع البيانو حتى تعاقدت فاطمة بمرور الوقت مع شركات الإنتاج الفنى المرموقة آنذلك، لتصبح "شادية" الفتاة الدلوعة الرقيقة التى دخلت البيوت والقلوب دون استئذان.
تميزت النجمة الكبيرة شادية فى السينما مع بداية ظهورها عن كل نجمات وفنانات جيلها، فلم يقدر أحد أن يصنفها فى خانة فنية معينة، أو بمعنى أدق يطلق عليها فنانة رومانسية أو كوميدية أو غنائية أو غيره، لأنها جمعت كل هذه الخطوط فى موهبة واحدة، فقدمت الكوميدى مع عملاق الكوميديا إسماعيل ياسين، حيث قدمت معه حوالى 23 فيلما، ليشكلا ثنائيا ناجحا للغاية فى عالم الكوميديا والفانتازيا، حيث التقيا الاثنان للمرة الأولى عام 1949 بفيلم "كلام الناس"، ثم التقيا مرة أخرى فى نفس العام فى فيلم "صاحبة الملاليم"، وبعدها توالت الأفلام بينهما التى حققت نجاحا ضخما على مستوى الإيرادات منها "الستات ما يعرفوش يكدبوا" و"فى الهوا سوا" و"حماتى قنبلة ذرية" و"مغامرات إسماعيل يس"و"الظلم حرام" و"الحقونى بالمأذون".
ولذكاء شادية الشديد لم تجعل الكوميديا تأخذها من الرومانسية فكونت دويتو ناجحا للغاية أيضا مع النجم الكبير الراحل صلاح ذو الفقار، ربما تنوع أيضا فكان به لمسات كوميدية مثل فيلمهما الشهير "مراتى مدير عام"، والذى أصبح من أحد أهم أفلام شادية حتى الآن، لكن الصوت الأعلى بينهما كان فى الرومانسية بعدة أفلام متميزة منها "عيون سهرانة" و"أغلى من حياتى"، أيضا كان لقائها مع العملاق رشدى أباظة مميزا فى عدة أفلام منها "الزوجة 13" و"الطريق" و"زواج نص ساعة".
لم تأخذ السينما والتمثيل شادية من عشقها الرئيسى وهو الغناء، فعلى مدار حياتها الفنية قدمت العشرات من الأغانى التى ما زال يرددها محبوها حتى الآن، منها الأغنية الوطنية الشهيرة "يا حبيبتى يا مصر"، والتى ما زالت تعد أحد أقوى الأغانى الوطنية التى قدمت على مدار تاريخ الفنى المصرى، و"إن راح منك يا عين هيروح من قلبى فين" و"على عش الحب طير يا حمام على عش الحب"، "سونة يا سونسن جيتلك أهو" و"أحلى كلام هنقوله الليلة أحلى كلام" و"الحب الحقيقى ما ينتهيش ولا يتنسيش طول السنين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة