أقام أمير الشعراء أحمد شوقى احتفالا كبيرا فى منزله «كرمة ابن هانئ» للشاعر والفيلسوف الهندى الكبير «راندرانات طاغور»، ودعا «الكثير من الأدباء والكبراء» بتعبير ابنه «حسين شوقى» فى كتابه «أبى شوقى» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة» مضيفًا: «حضرها الزعماء، إذ كان الائتلاف السعيد قائما بين الأحزاب إذ ذاك، وتفضل سعد باشا زغلول رئيس وكان رئيسا لمجلس النواب فأخر انعقاد المجلس ساعة كى يتسنى لحضرات الأعضاء المدعوين تلبية الدعوة، وهو تصرف كريم من سعد باشا أثر فى أبى أشد التأثر».
كان هذا القرار من سعد زغلول تعبيرا عن الاحتفاء الكبير بالضيف الذى وصل إلى مصر مساء يوم 27 نوفمبر «مثل هذا اليوم» عام 1926، وطوال أسبوع الزيارة «انتهت فى 4 ديسمبر»، حرصت النخبة المصرية من سياسيين ومفكرين على المشاركة فى الأنشطة والاحتفالات، التى انعقدت للشاعر العظيم، المولود يوم 6 مايو 1861، والمتوفى يوم 7 أغسطس 1941، والفائز بجائزة «نوبل»عام 1913، وهو أول آسيوى يفوز بها.
نزل «طاغور» فى فندق شبرد «المطل على بحيرة الأزبكية»، وتنوعت أنشطة الزيارة، مابين حفل كبير له فى الفندق، وحفل فى منزل أحمد شوقى، ولقاء فى الهواء الطلق بحديقة الأزبكية ألقى فيه مقاطع من شعره، وفى الاحتفال به فى «شبرد» وحسب الكاتب الصحفى «أنور عبداللطيف» فى الملف الخاص عنه فى الأهرام - 17 مايو 2016: «ألقى وزير المعارف العمومية على الشمس باشا - كلمة ترحيب بالضيف الكبير، الذى سبقته كتبه وسيرته عبر العالم، واعترف بأن خطبته أمس الأول قد سحرته، وأعرب عن اغتباطه والسامعين أكثر من ساعة لسماعه، وما احتوته من فلسفة تعكس روح الهند، ورد الحكيم الهندى على الكلمة واعتذر أنه لا يستطيع الكلام بلغته القومية، كما تكلم صديقى الوزير، وقال إننى أستطيع أن أعتبر نفسى شاعرًا مصريًا، لأنى وجدت فى شوارعها كتبى وأسفارى كما وجدتها فى الممالك المتحضرة، وهذه الأسفار خير ما يكافأ به شاعر، وقد أشار صديقى بأن أكون واسطة تعارف بين الهند ومصر وأننى قابل لهذه الوساطة».
كان لاحتفال الشاعر أحمد شوقى بطاغور فى «كرمة ابن هانئ» وقع خاص وطبيعية استثنائية، فشوقى هو أكبر شاعر عربى، ويحتفل بأكبر شاعر هندى و«منارة الهند العظيمة» بوصف الزعيم الهندى «غاندى»، ليس هذا فحسب، بل هو الحائز على جائزة نوبل أرفع الجوائز العالمية فى كل المجالات، ويروى «حسين» ابن أمير الشعراء ما حدث فى هذا اليوم: «كلفنى أبى بالتوجه إلى فندق شبرد حيث نزل طاغور لأصحابه إلى المنزل، وقد حضر ومعه سيدتان هنديتان أيضا، وكان الثلاثة يلبسون اللباس الوطنى الهندى، وكان طاغور فى هذه الملابس، وبقامته الطويلة وشعره ذى الحلقات الكثيفة، كأنه أحد الأنبياء الذين ذكروا فى التوراة».
يضيف «حسين»: «سألنى طاغور ونحن فى السيارة، فى الطريق إلى المنزل عن مؤلفات أبى هل ترجمت إلى الإنجليزية؟ فأجبته بالنفى، لأنه لم يكن ترجم شىء منها إذ ذاك، فمجنون ليلى ترجمها فيما بعد الأستاذ أربى عام 1933»، وينقل «حسين» بعض ما دار بين أبيه وطاغور: «قال أبى لطاغور فى أثناء حديثه معه أنه يغبطه إذ أن عدد قرائه عظيم، فالهند بلد واسعة تضم أكثر من 300 مليون من السكان (عددها عام 1926)»، لكن طاغور لم يؤيد كلام شوقى إذا أوضح له: «حقا إن الهند واسعة لكن مع الأسف كل ولاية فيها تتكلم لغة تختلف عن لغة أخرى، لذلك أصبح من يفهمون كلامى لا يتجاوز عددهم عشرة ملايين وابتسم طاغور مضيفا: «بل أنت أحق منى بالاغتباط، فإن قراءك هم العالم العربى كله».
فى هذه الحفلة وكما يؤكد «حسين» غنى محمد عبدالوهاب من تلحينه مقطع من رواية «مصرع كليوباترا» ويقول حسين: كان أبى يعدها إذ ذاك والمقطع الذى غناه عبدالوهاب: أنا أنطونيو وأنطونيو أنا / مالروحينا عن الحب غنى، واستمر عبدالوهاب فى الغناء حتى مقطع: فى الهوى لم نأل جهد المؤثر/ وذهبنا مثلا فى الأعصر/هو أعطى الحب تاجى قيصر/لم لا أعطى الهوى تاجى منا»، ويذكر «شوقى الابن» أن بعض الحاضرين سألوا أحمد لطفى السيد باشا عن رأيه فى هذه القطعة فأجاب: «أنا والله لا أحب التكرار، ولكن التكرار فى هذه القطعة حسن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة