لم يخطر على بال أحد قبل يوم الجمعة الماضى، أن الحادث الإرهابى الأضخم الذى ستتعرض له مصر فى تاريخها المعاصر، سيستهدف مسجدا تقام فيه شعائر الله، ومسلمين ذهبوا لأداء فريضة صلاة الجمعة.
تنتهى الدهشة ويبطل العحب، حين تطلع على الكتابات التى تستقى منها التنظيمات الإرهابية أحكامها الفقهية بكل تأويلاتها الفاسدة، ومحاولتها لى عنق النصوص والأحداث التاريخية للسيرة النبوية، وإخراجها من سياقها، فقط من أجل مزيد من التكفير ومزيد من القتل.
هذه النصوص ليست بنت اليوم، لكنها تعود إلى سنوات طويلة مضت، وكلها تزعم نفى صفة الإيمان عن المسجد والمصلين داخله، وتصفه بأنه مسجد ضرار على غرار المسجد الذى أقامه المشركون فى عهد الرسول وأمر بهدمه.
سيد قطب
كان سيد قطب أحد أبرز المنظرين لجماعة الإخوان فى القرن الماضى من اوائل الذين أعادوا إحياء مصطلع "مسجد ضرار" فى العصر الحديث، وحاول إسقاط هذا الوصف على مساجد اليوم وهو ما يمكن اعتباره تحريضا على استهدافها واستهداف المصلين داخلها.
بحسب النص الذى أورده فى تفسيره الشهير "فى ظلال القران" فأن سيد قطب يقول فى معرض حديثه عن المسجد الضرار :"هذا المسجد –اى الضرار - ما يزال يُتخذ فى صور شتى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التى يتخذها أعداء هذا الدين تتخذ فى صورة نشاط ظاهره للإسلام وباطنه لسحق الإسلام، أو تشويهه وتمويهه وتمييعه، أو تتخذ فى صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتترس وراءها وهى ترمى هذا الدين! وتتخذ فى صورة تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث تتحدث عن الإسلام لتحذّر القلقين الذين يرون الإسلام يذبح ويمحق.. ومن أجل مساجد الضرار الكثيرة هذه يتحتم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها، وبيان حقيقتها للناس، وما تخفيه وراءها".
أبو محمد المقدسى
تعتبر رسالة "تحفة الأبرار فى أحكام المساجد الضرار" لـ"أبو محمد المقدسى" منظر التيار التكفيرى فى الأردن هى المصنف الأهم على الإطلاق فى مسألة تقسيم المساجد والتحريض على استهدافها وهدمها، حتى وإن كانت الرسالة تبنت منهج العنف المؤجل أى هدم هذه المساجد فى مرحلة لاحقة عندما يتحقق "التمكين" لهذه الجماعات.
يمتلئ كتاب المقدسى- الذى هو الأب الروحى لأبو مصعب الزرقاوى مؤسس تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين- بأوصاف غاية فى الغلظة تجاه المساجد الموجودة فى عالمنا اليوم التابعة لوزارة الاوقاف سواء أسستها الحكومة أو أسسها الأهالى، ثم تم ضمها إلى الأوقاف، أو حتى المساجد الكبرى المؤسسة منذ زمن بعيد وتشرف عليها الآن جهات حكومية، فيصفها بأنها "ينطبق عليها صفات مسجد الضرار" ويزعم أنها "تسخر للصد عن سبيل الله"،و"لم تؤسس على تقوى من الله ورضوانه "،وغيرها من الأوصاف التكفيرية.
ويقر المقدسى فكرة استهداف هذه المساجد، لكنه يختلف فقط حول التوقيت حيث يقول صراحة :" قضية مسجد الضرار واعتزاله وهدمه لم ترد ولم تذكر إلا بعد التمكين والتمكّن من ذلك"
أبو قتادة الفلسطينى
لا يختلف الأمر كثير عند أبو قتادة الفلسطينى أحد أهم المنظريين الفكريين للتنظيمات الإرهابية، حيث أصدر رسالة بعنوان "هجران مساجد الضرار" وصف فيها كثير من مساجد اليوم بهذا الوصف، بل ويفتى بهدمها وحرقها قائلا: "وأنه من الجائز لأهل الولاية والقدرة هدم هذه المساجد وإزالتها، بعضها واجب الإزالة وبعضها مما يجوز لهم هدمه وحرقه وإزالته".
أبو بصير الطرطوسى
أبو بصير الطوطوسى، أحد المفتين الذين تعتمد عليهم التنظيمات الإرهابية يذهب لنفس الأحكام، حيث يورد سؤالا فى رسالته عن مساجد الضرار هو :"هل يجب هدم وحرق مساجد ضرار؟.
ويجيب قائلا:" مرد الأمر إلى الإمام أو من ينوب عنه من أمراء الجند والجهاد من ذوى الشوكة والقوة والمنعة، فإن رأى من المصلحة والسياسة الشرعية حرقه وهدمه يُحرق ويهدم، وإن رأى من المصلحة أن يغير صورته ويخرجه عما وضع له، فله ذلك كذلك".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة