كانت الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة من صباح يوم السبت 22 نوفمبر «مثل هذا اليوم» عام 1924، حين أطلق سبعة عشر مدفعا من حديقة الأزبكية إيذانا بخروج نعش السير لى ستاك باشا، سردار الجيش المصرى وحاكم السودان العام من الكنيسة الإنجليزية بشارع فؤاد الأول، وفقا للجزء الثانى من كتاب «السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعث المصرية» تأليف: عبدالله حسين «طبعة إلكترونية- مؤسسة هنداوى».
كان «السير لى ستاك» عائدا من مكتبه بوزارة الحربية إلى منزله فى حى الزمالك حوالى الساعة الثانية بعد ظهر يوم 19 نوفمبر، وحسب أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية- الحولية الأولى 1924» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»: «كان خمسة متربصين له فى شارع الطرقة الغربى، فلما مرت سيارته به أطلقوا عليها الرصاص، وفر الجناة راكبين سيارة، وألقى أحد المعتدين قنبلة يدوية عقب ارتكاب الحادثة إرهابا لمن كان يريد أن يتتبعهم، ولكنها لم تنفجر، وكذلك أطلق أحد المعتدين عيارا ناريا على العسكرى رقم 309 من بلوك الخفر أحد حراس وزارة المعارف، حينما أراد أن يتتبعه لضبطه، وأصيب السردار فى بطنه إصابة خطيرة وفى يده ورجله، وأصيب ياوره فى ذراعه، وأصيب السائق وعسكرى بلوك الخفر، وضبط سائق السيارة التى ركبها الجناة».
توفى «السير لى ستاك» فى منتصف الليل من مساء الخميس 20 نوفمبر متأثرا بجراحه، وتم دفنه يوم السبت 22 نوفمبر، ويؤكد شفيق باشا: «احتفل بجنازة السردار احتفالا مهيبا اشترك فيه الجيشان المصرى والبريطانى، وسار الموظفون فى الموكب مرتدين كسوة التشريفة، واشتركت جميع الهيئات المصرية والأوروبية فى تشييع الجنازة، وتقدم المشيعين اللنبى المندوب السامى البريطانى فى مصر، وكبير الأمناء نائبا عن الملك فؤاد، والأمراء، وسعد زغلول باشا رئيس الحكومة، وأحمد زيور باشا رئيس مجلس الشيوخ، وأحمد مظلوم باشا رئيس النواب، والوزراء وقناصل الدول، وفى الساعة الرابعة والدقيقة الخمسين «22 نوفمبر»، وحسب «شفيق باشا»: «ذهب اللورد اللنبى يتقدمه مائتان وخمسون جنديا بريطانيا من حملة الرماح، ويتبعه مثلهم إلى مجلس الوزراء، وقابل رئيس الحكومة سعد زغلول باشا، وقدم بلاغين له محررين بالإنجليزية».
حدد البلاغ الأول، سبعة مطالب هى: أن تقدم حكومة مصر اعتذارا كافيا وافيا عن الجناية، وأن تتابع الحكومة بأعظم نشاط وبدون مراعاة للأشخاص، والبحث عن الجناة، وأن تنزل بالمجرمين أيا كانوا ومهما تكن سنهم أشد العقوبات، وأن تمنع وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية، وأن تدفع فى الحال إلى حكومة حضرة صاحب الجلالة «البريطانية» غرامة نصف مليون جنيه، وأن تصدر فى خلال 24 ساعة الأوامر بإرجاع جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصرى البحتة من السودان، مع ما ينشأ عن ذلك من التعديلات التى ستعين فيما بعد، وأن تبلغ المصلحة المختصة أن حكومة السودان ستزيد مساحة الأطيان التى تزرع فى الجزيرة من 300 ألف فدان إلى مقدار غير محدد تبعا لما تقتضيه الحاجة، ويوضح عبدالرحمن الرافعى طبيعة هذا المطلب فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية- ثورة 1919» قائلا: «كانت إدارة مياه النيل فى السودان حتى عام 1924 بيد وزارة الأشغال المصرية، وجميع أعمال الرى فى السودان من اختصاص هذه الوزارة أسوة بأعمال الرى فى مصر، ومما قررته التصريح بزراعة 300 ألف فدان فقط فى الجزيرة».
أما المطلب السابع فنص على ألا تعارض الحكومة المصرية رغبات حكومة صاحب الجلالة «البريطانية» فى الشؤون المتعلقة بحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وانتهى البلاغ بإنذار واضح قال فيه: «إذا لم تلب هذه المطالب فى الحال تتخذ حكومة صاحب الجلالة على الفور التدابير المناسبة لصيانة مصالحها فى مصر والسودان».
وشمل البلاغ الثانى ثلاثة مطالب هى: بعد سحب الضباط المصريين والوحدات المصرية البحتة للجيش المصرى فى السودان، تحول الوحدات السودانية إلى قوة مسلحة سودانية تكون خاضعة وموالية للحكومة السودانية وحدها وتحت قيادة الحاكم العام «إنجليزى»، وأن القواعد والشروط الخاصة بخدمة الأجانب الذين لايزالون فى خدمة الحكومة المصرية وتأديبهم واعتزالهم الخدمة، وكذلك الشروط المالية لتسوية معاشات الموظفين الأجانب الذين اعتزلوا الخدمة، يجب أن يعاد النظر فيها طبقا لرغبات الحكومة البريطانية، أما المطلب الأخير فكان «تبقى الحكومة المصرية منصبى المستشار المالى والمستشار القضائى «إنجليزيين» وتحترم سلطتهما وامتيازاتهما».
فى اليوم التالى كان تصرف الحكومة أمام هذا التدخل السافر، فكيف كان؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة