بالصور.. قصة العقوبات الأمريكية على السودان فى 20 عاما

السبت، 07 أكتوبر 2017 04:50 م
بالصور.. قصة العقوبات الأمريكية على السودان فى 20 عاما الرئيس السودانى عمر البشير
محمد محسن أبو النور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعد عملية سياسية بدأها الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، أصدر الرئيس دونالد ترامب قرارًا رفعت بموجبه واشنطن عقوبات اقتصادية عمرها 20 عامًا على السودان، بعد إحراز الخرطوم تحسن فى مجالى حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، ومن خلال السطور التالية نستعرض بالوصف والشرح والتحليل قصة تلك العقوبات فى عقدين من الزمن، منذ البداية على يد البشير وحتى النهاية بعد وساطة الخليج.

إيران كلمة السر

ومن جانبه، قال الدكتور هانى رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن قطع السودان علاقاته مع إيران مطلع العام الماضى هو أحد أهم أسباب القرار الذى أصدره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، برفع العقوبات عن الخرطوم.

 

الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما
الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما

وأوضح رسلان وهو باحث خبير فى الشئون الإفريقية، ووثيق الصلة بتطورات الأوضاع فى السودان، إن النظام الإخوانى الحاكم فى السودان جاء فى التسعينيات بشعار "أمريكا وروسيا قد دنا عذابهما.. وحان وقت ضربهما"، وتم فتح أراضى السودان بدون تأشيرة لكل حركات ومنظمات العنف والتطرف بداية من بن لادن مرورًا بالظواهرى وانتهاء بكارلوس.

وأضاف رسلان فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أنه جرى اتباع استراتيجية راديكالية تهدف لإحداث تغييرات جوهرية فى المنطقة والإقليم وكان من ضمن ذلك التدخل فى إريتريا والاشتراك فى محاولة اغتيال الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك والوقوف مع صدام فى غزو الكويت.

ورأى أن النظام السودانى لم يكن قادرًا على تحمل عبء أو تمويل مثل هذه السياسات التى شملت أيضًا إنشاء ما سمى حينها بـ"المؤتمر الشعبى العربى الإسلامى" الذى كان يضم العديد من الحركات والتنظيمات المعارضة فى العالم العربى؛ وذلك لأن النظام لا يمتلك الإمكانيات التى تؤهله للعب هذا الدور، خاصة وأن السودان دولة تزخر بمختلف أنواع الصراعات الداخلية والأهلية بكل مستوياتها.

شماعة الترابى

فى هذا السياق، جاء فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية قبل 20 عامًا وتحديدا فى العام 1997، فضلًا عن وضع السودان فى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفقًا للتصنيف الأمريكى.

 

السياسى السودانى البارز حسن الترابى
السياسى السودانى حسن الترابى

 

ومع انفجار الصراع الداخلى فى النظام الحاكم فى 1999 وبداية 2000 والذى انتهى بخروج الترابى من السلطة وسجنه لاحقا، بدأ النظام السودانى فى حقبة جديدة من إعادة التكيف والانقلاب على سياساته السابقة، وعلقها جميعًا على شماعة الترابى.

لكنه مع توالى دراما السياسة ومع إصلاح العلاقات مع مصر وتوقيع الحريات الأربع وقبول المساعى الأمريكية لإنهاء الحرب الأهلية فى الجنوب، جرى قبول حق تقرير المصير للجنوب بما يعنى القبول بانفصاله، وفى تلك اللحظة بدأت استراتيجية النظام السودانى فى وضع تطبيع العلاقات مع أمريكا كهدف له الأولوية.

وبحسب الخبير السياسى، فإن الاستجابة للضغوط الأمريكية جرت فى كل الاتجاهات بما فى ذلك التعاون الأمنى وتسليم ملفات كل من مر بالسودان من "الإرهابيين".

الخرطوم ملاذا آمنا للإرهابيين

بالفعل كان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يرسل سفرائه إلى دولة السودان للحصول على الدعم والتدريب، وكان السودان ملاذا آمنا لكل عناصر تنظيم القاعدة فى مرحلة ما بعد الحرب الأفغانية ـ الروسية، وخاصة الأفغان العرب، فى إشارة إلى العرب الذين ذهبوا لـ"الجهاد" ضد الاتحاد السوفييتى وأطلق عليهم هذا الوصف.

زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن
زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن

 

فى تلك المرحلة كان التصور السودانى يقوم على أن الموافقة على انفصال الجنوب فى يوليو 2011 يعنى تلقائيا رفع العقوبات ورفع السودان من لائحة الإرهاب وتقديم دعم ومعونات اقتصادية.

وبالفعل تصور بعض صناع السياسات فى الإدارات العليا بالخرطوم أن "قادة النظام الإنقاذى الإخوانى سيحصلون على جائزة نوبل للسلام"، بحسب تعبير رسلان.

لكن وقائع التاريخ تثبت أن كل ذلك لم يحدث واستمر التلويح بالجزرة للحصول على مزيد من التنازلات، كما تم استحداث أدوات ضغط جديدة بصدور اتهامات للبشير بالإبادة الجماعية فى دارفور وارتكاب جرائم حرب.

المطالب الأمريكية

المؤكد فى هذا السياق، أن المطلوب الآن أمريكيا من النظام أن يتعاون فى قضايا منع الهجرة غير الشرعية والتعاون الأمنى ومراعاة حقوق الإنسان والتسوية السياسية فى الملفات الداخلية الملتهبة مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها والمساعدة فى احتواء الحرب الأهلية فى دولة جنوب السودان بدلا من إشعالها.

الدكتور هانى رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
الدكتور هانى رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

ولفت رسلان إلى أن النظام السودانى مستعد لأى مطلب فى مقابل رفع العقوبات والحصول على الرضا الأمريكى، كما أن أحد المتشددين فى النظام وهو خال الرئيس الحالى عمر البشير، ورئيس لجنة الإعلام فى المجلس الوطنى (البرلمان)، الطيب مصطفى، أعلن أنه يؤيد الانبطاح لأمريكا وجرى نشر ذلك فى مانشتات رئيسية فى الصحف السودانية اليومية التى تخضع لرقابة جهاز الأمن.

ونشرت الصحف السودانى تصريحات للطيب مصطفى قبل أيام قال فيها بالحرف الواحد: "ارتكبنا أخطاء كبيرة جدًا، ولا نزال فى التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حان الأوان لأن نراجع أنفسنا ونقول إننا أخطأنا، لاسيما وأننا نعرف ضعفنا ولا نقدر على مناطحة أمريكا، كما أننا نرفع شعارات الشريعة ولا نعمل بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مانع فى الانبطاح لأمريكا، ويجب أن نتمسكن حتى نتمكن".

العامل الإيرانى فى المسألة

إلى ذلك يتضح أن هناك بعدًا آخر لرفع العقوبات الأمريكية عن الخرطوم يتمثل فى قطع النظام السودانى علاقته بإيران وأعقب ذلك مشاركة السودان فى عملية عاصفة الحزب وإرسال جنود سودانيين للحرب البرية فى اليمن.

مصنع اليرموك الإيراني فى الخرطوم الذى قصفته إسرائيل
مصنع اليرموك الإيراني فى الخرطوم الذى قصفته إسرائيل

 

وتشير تراتبية الأحداث إلى أن رفع العقوبات جاء بضغوط خليجية، كما أن اسرائيل لعبت دورا أيضا فى الكواليس؛ لأن هناك اتجاها داخل الإدارة السودانية للتطبيع مع إسرائيل، على سبيل المثال، جرت نقاشات علنية فى أروقة مختلفة رسمية وإعلامية لتهيئة الرأى العام السودانى لهذه الخطوة حين يحين الوقت المناسب بالرغم من أن هناك رفضا مجتمعيا كاسحا لتلك الخطوة.

ويرى رسلان أن "جوهر سياسات النظام الحاكم فى السودان هو البقاء فى السلطة واتخاذ ما يلزم من مواقف أو تغير فى الاتجاهات طبقا لذلك بغض النظر عن أى مواقف أو عنتريات أو مزاعم إخوانية أو إسلامية أو الجهاد أو دول الاستكبار فى مقابل المستضعفين فى الأرض".

وكانت الإدارة السودانية فى خلال الأعوام العشرين الماضية تبنى خطابها السياسى على أن مجرد توقيع العقوبات من أمريكا هو نصر سياسى فى حد ذاته، إذ تواجه دولة إفريقية قوة عالمية كوكبية مثل الولايات المتحدة.

وعلى هذا النحو، اتخذ النظام من تلك العقوبات العنيفة المكثفة مسوغا ومبررا للفشل والتدهور الهائل فى الخدمات ومستوى المعيشة باعتبار أن السودان محاصر لأنه "لا يركع إلا لله"، فى حين أن السبب هو  سوء الإدارة والفساد، وفقا لرسلان، علما بأن السودان ثالث دولة فى الفساد على مستوى العالم بعد أفغانستان والصومال.

بناء عليه سيظهر رفع العقوبات الأمريكية أن الأثر الاقتصادى لن يكون كبيرا لأن السبب الجوهرى فى تراجع الاقتصاد وتردى المعيشة ليس العقوبات بل تفشى الفساد.

الطيب مصطفى خال الرئيس عمر البشير
الطيب مصطفى خال الرئيس عمر البشير

أما تموضع السودان فى محيطيها الإقليمى والدولى، فمن المؤكد أن رفع العقوبات بمثابة تدشين لانتقال السودان إلى مربع الدول المتعاونة التى تسعى لإعادة الاندماج إقليميا ودوليا وعليها الوفاء بمتطلبات ذلك.

غير أن رسلان يرى بالرغم من كل ذلك أن حظر البشير وقرارات توقيفه على خلفية اتهامات بالإبادة الجماعية والتطهير العرقى فى دارفور سيعوق ذلك بدرجة ما، لأنه لا يمكن استقباله أو مصافحته فى أى بلد غربى.

العامل الإسرائيلى الخفى

بالتدبر فى سير الأحداث يمكن استخلاص أن إسرائيل إحدى روافع القرار الأمريكى الأخير، إذ يعنيها التطبيع مع نظام تقوده حركة إسلامية إخوانية، وهو نصر استراتيجى بالغ الأهمية من ناحية جوهر الأهداف الإسرائيلية المتعلقة بالتطبيع الثقافى ومن ثم القبول بها كعضو طبيعى فى المنطقة.

ومن وجهة نظر رسلان، فإن هناك هدفًا آخر متعلق باجتذاب السودان بعيدًا عن المحور الإيرانى بشكل نهائى، مع التونيه إلى أن إسرائيل قصفت قوافل أسلحة ومصنع فى السودان 3 مرات وكانت القوافل إيرانية وكان المصنع إيرانى.

إضافة إلى ما سبق فإن التطبيع الإسرائيلى المحتمل مع السودان يسمح لتل أبيب بموقع متقدم جدا لتنفيذ مخططاتها بإعادة صياغة توازنات دول مجموعة حوض النيل الاستراتيجية، ومن ضمنها استكمال القضاء على ما تبقى من السودان كدولة متماسكة وحصار مصر من الجنوب.

وردا على سؤال "اليوم السابع" حول ما إذا كان ذلك يعنى بشكل مباشر أن أى تقارب فى العلاقات بين خرطوم وتل أبيب تضر القاهرة، قال رسلان إن "توسع إسرائيل فى المنطقة يتم على حساب المصالح المصرية فى كل الأحوال".

ودلل على رؤيته من خلال مسألة سد النهضة على سبيل المثال، وكذلك فصل جنوب السودان الذى بدأت تعمل إسرائيل على تنفيذه وتحقيقه وتطبيقه منذ منتصف الستينيات، حتى نجحت بالفعل فى ذلك.

على كل حال

يبدو المستقبل القريب للسودان فى تعاطيه الداخلى مع الحقوق والحريات والملفات الاقتصادية، وفى تعاطيه الخارجى مع النظام العالمى فى ضوء نظريات الشرق الأوسط الجديد هو الذى يحدد الشكل الذى سيبقى عليه فى مرحلة ما بعد رفع العقوبات الأمريكية، وبالتأكيد سيكون من الواجب على دارسى الشؤون السودانية أن يؤرخوا للسياسة السودانية المعاصرة بـ"العقوبات الأمريكية" فيُكتب: السودان قبل العقوبات والسودان بعدها.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة