دون مناسبة، قرر الأنبا يؤانس أسقف أسيوط وتوابعها، فرض أزياء خاصة على بنات الكنيسة، جاكيت وتنورة تتسلمهما الداخلة إلى الصلاة على الباب وتعيدهما مرة أخرى عند الخروج، وتعمل بيوت الخدمات التابعة للكنيسة على تفصيلها بقياسات مختلفة لتناسب الجميع، ومن يعارض، لا دخول له، وستصرفه الكشافة بهدوء.
هل يستجيب الأسايطة للأنبا يؤانس؟
قرار الأسقف الذى كان يعمل سكرتيرًا للبابا شنودة سنوات طويلة، أثار عاصفة من الجدل فى المدينة الواقعة فى قلب الصعيد، بين مؤيد يرى أن ارتداء ملابس محتشمة أمر بديهى عند دخول بيت الله، أما المعارضين يؤكدون أن ما قاله الأسقف ثقافة دخيلة على المجتمع المسيحn.
كيف فسر الأقباط الآية "ببيتك تليق القداسة"؟
"بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ" يقول الإنجيل المقدس، وحتى تلك الآية التى يستخدمها مؤيدو القرار للاصطفاف خلف الأسقف الذى رأى القداسة فى الملبس، فإن المعارضين رأوا أن جوهر تعاليم المسيحية هى لياقة العقل والقلب والروح وليس المظهر الخارجى.
قرار الأنبا يؤانس بدأ صارمًا عنيفًا، يمنع كل الفتيات من دخول الكنيسة لأى غرض كان إن لم يرتدوا الملابس المفصلة خصيصًا لهذا الغرض، ولكن ثمة ضغوط مارستها مواقع التواصل الاجتماعى دفعت الأسقف الشهير لمراجعة قراره مرة أخرى، والاكتفاء بفرضه على الداخلين لحضور الأفراح وممارسة سر الإكليل أحد أسرار الكنيسة السبعة، خاصة مع ما يرتبط بتلك المناسبات من ملابس "سوارية" مكشوفة لا تليق بالسر المقدس كما يقول الأنبا بنيامين مطران المنوفية الذى اتخذ قرارا مشابهًا ألغى من خلاله الاحتفال فى قاعات أفراح بعيدة عن الكنيسة حتى لا يفسد الرقص والمجون هذا السر أيضًا.
مهاجمو الأنبا يؤانس تساءلوا عن السر فى توقيت اتخاذ هذا القرار، خاصة وأن الأسقف الذى يتولى الخدمة فى إيبراشية أسيوط، كان قد شغل منصب سكرتير البابا شنودة لسنوات طويلة، حضر خلالها مئات الأفراح فى كنائس العاصمة الفخمة دون أن يفرض شروطًا مماثلة على المدعوين، وهو ما فسره بعضهم باختلاف التقاليد الحاكمة بين مجتمع الصعيد المحافظ الذى سيتقبل القرار وبين مجتمع القاهرة الذى يصعب فرض تلك الشروط عليه.
بين خشونة الأنبا ميخائيل ونعومة الأنبا يؤانس
الأنبا يؤانس الذى درس فى كلية الطب بجامعة أسيوط قبل رهبنته، وعاون الأنبا ميخائيل مطرانها الراحل فى سنوات مرضه الأخيرة، جلس على كرسى أسقف أسيوط منذ ما يقرب من أربعة سنوات لم تكن كافية تمامًا لاستيعاب طبيعة المجتمع فى المدينة الملقبة بعاصمة الصعيد، بسبب تشابه نمط الحياة فيها مع أنماط الحياة فى القاهرة، من ملبس ومأكل ومشرب وارتفاع مستوى المعيشة، وهو ما جعل تطبيق قراره على كل نواحى الخدمة فى الكنيسة صعبًا فجعل الأمر مقتصرًا على الأفراح فقط.
عاش أقباط أسيوط سنوات طويلة، ملتزمون بقرارات الأنبا ميخائيل مطرانها الراحل، الذى كان من تلاميذ القمص متى المسكين حتى إنه ترأس دير الأنبا مقار المدرسة التى خرج منها المسكين، وترك "ميخائيل" رصيدًا كبيرًا فى المجتمع هناك، تعود أقباط أسيوط على إطاعته دون جدال، وهو الذى عرف عنه الالتزام بحياة النسك والتقشف، إلا أن الوضع تغير كثيرًا بعد وفاته.
على سبيل المثال أدخل الأنبا يؤانس الكثير من التغييرات التى تسهل حياة زوار دير العذراء بدرنكة، فى عيد العذراء كل عام، وهو الدير الأشهر الذى تقوم عليه حياة مسيحى المدينة، ففى عصر الأنبا يؤانس عرف الأسايطة لأول مرة المقاعد المريحة المكيفة عند زيارة الدير، والسيارات التى تنقلهم أعلى الجبل، بعد سنوات من السير على الأقدام فى عصر الأنبا ميخائيل والالتزام بالممارسات الخشنة فى العبادة لذلك فإن القبول بقرار ارتداء الأزياء المحتشمة الإضافية يصعب تطبيقه فى عصر الأنبا يؤانس، وكان من السهل الالتزام به إذا وضع الأنبا ميخائيل تلك القاعدة بالتوازى مع قواعد خشنة أخرى كسرها الأنبا يؤانس بعد توليه المنصب.
الأنبا يؤانس ليس وحده.. أساقفة آخرون سبقوه للقرار
كنائس أسيوط سوف تلتزم وحدها بتلك القرارات، فى ظل النظام اللامركزى للكنيسة، لكل أسقف الحق فى إدارة شئون إيبراشيته روحيًا وماديًا ورعويًا بالشكل الذى يروق له، إلا أن الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى قد فرض قرارات مشابهة فى الكنائس التابعة له وكذلك فعل الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس الذى أعلن إنه لن يصلى صلاة الإكليل إذا كانت العروس تكشف عن جسدها.
الأسرار المقدسة والاحتشام فى الكنائس التقليدية
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من ضمن الكنائس التقليدية الطقسية، كذلك هى الكنيسة الكاثوليكية المتمثلة فى الفاتيكان، حتى أن زوار القصر الرسولى بروما ملزمون أيضًا بارتداء ملابس محتشمة إذا قرروا الدخول إلى الصلاة المقدسة.
سر الافخارستيا، أو التناول أحد أسرار الكنيسة القبطية السبعة، وهو السر الذى لا يمكن أن تمارسه النساء دون أن تضع إيشاربًا على شعرها، وعلى الرجال والنساء أن يلتزما بالصوم قبل التناول، أما صلاة الإكليل أو سر الزواج المقدس، فتلتزم العروس بارتداء جاكيت أبيض ويرتدى العريس ملابس كنسية أيضًا، وهى كلها تقاليد ترتبط بالأسرار المقدسة، ولا يمكن الخروج عليها، خاصة إذا شرعها الكهنة أصحاب السلطة الدينية.
أما الكنائس غير التقليدية المسماة بالمصلحة كالكنائس البروتستانتية فهى غير ملتزمة بتلك التقاليد، فلا وجود للكهنوت أو السلطة الدينية وما يستتبعها من التزامات من المؤمنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة