مائة عام مرت على إصدار وعد بلفور المشئوم.. مائة عام ومأساة الشعب الفلسطينى تتضاعف يوماً بعد يوم.. مائة عام من القتل والترويع وسفك الدماء وانتهاك الحرمات وتدنيس المقدسات.. مائة عام على إصدار "وعد بلفور" بإنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين.. مائة عام وشعب بالكامل يدفع ثمن كلمة أصدرها من لا يملك لمن لا يستحق.
المسجد الأقصى
وعد بلفور.. ومنح من لا يملك لمن لا يستحق
"عزيزى اللورد روتشيلد.. سرنى جدًا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالى الذى ينطوى على العطف على أمانى اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومى فى فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر. وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علمًا بهذا التصريح.. المخلص آرثر بلفور"...
بكلمات بسيطة من آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا آنذاك إلى روتشيلد أحد زعماء الصهيونية، منح من لا يملك لمن لا يستحق، تلك الرسالة كانت إيذاناً لليهود المشردين فى أنحاء العالم بإنشاء دولتهم على أرض فلسطين، وإبعادهم عن أوروبا بعد فشلهم فى الاندماج بالمجتمعات الأوروبية، وبالرغم من أن تلك الخطوة كانت أولى نجاحات الصهاينة نحو تحقيق حلم إنشاء وطن لهم، إلا أنها لا تزال نكسة كبرى يدفع ثمنها الفلسطينيون والعرب جميعاً حتى الآن.
بلفور
تيريزا ماى: بريطانيا تشعر بالفخر من دورها فى إنشاء إسرائيل
منذ أيام، أعلنت تيريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا، فى جلسة لمجلس العموم، أن بريطانيا ستحتفل بـ"فخر" بالذكرى المئوية لصدور "وعد بلفور"، والذى وضع قاعدة لتأسيس دولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية المنتزعة من أصحابها، قائلة بكل اعتزاز، "نشعر بالفخر بالدور الذى لعبناه فى إقامة دولة إسرائيل، ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر"، واصفة ذلك الوعد بأنه أحد أهم الرسائل فى التاريخ، لأنه يظهر الدور الحيوى الذى لعبته بريطانيا فى قيام دولة للشعب اليهودى"، داعية رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لحضور الاحتفالية، مختتمة كلمتها بعبارات معسولة حول ضرورة قيام الدولتين بما يضمن للجميع الأمن والاستقرار.
تيريزا ماى
كلمات تيريزا ماى تحمل توجهات سياسية متطرفة بسبب تأكيد دعم بلادها المطلق لفكرة الاحتلال والتمييز العنصرى ومحو الهوية العربية، لأنها بعد مرور مائة عام على احتلال إسرائيل أرضاً عربية، مازالت تصرّ على التعامى عن الحق، تنكر حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم، وتتباهى فى دعمها للمحتل وتفخر بمساندته على اغتصاب أرض وتهجير شعب، وتعطيه الضوء الأخضر فى ارتكاب المجازر وسفك الدماء وانتهاك المقدسات، وبعد ذلك تنادى بالسلام، فانطبق عليها المثل العربى القديم "إن لم تستح فافعل ما شئت".
نتنياهو
تجاهلت رئيسة الحكومة البريطانية عدد الشهداء الفلسطينيين، والذى قدر قبل نهاية 2015 بحوالى 12.4 مليون نسمة، وتشريد نحو 800 ألف فلسطينى من قراهم ومدنهم للدول المجاورة، بعدما سيطر الإسرائيليون بعد النكبة على 774 قرية ومدينة ودمروا 531 قرية ومدينة فلسطينية، فضلا عن ارتكاب أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطينى خلال فترة النكبة فقط، بحسب جهاز الإحصاء الفلسطينى.
وتوضح الإحصائيات، أن حوالى 28.7 % من اللاجئين يعيشون فى 58 مخيما تتوزع بواقع 10 مخيمات فى الأردن و9 فى سوريا و12 فى لبنان و19 فى الضفة الغربية و8 فى قطاع غزة، فى ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة وموثقة عن عدد الشهداء الفلسطينيين حتى الآن.
100 عام ومازالت بريطانيا ترعى الإرهاب
ولكن بعد مرور 100 عام على تلك الخطيئة السياسية التى ارتكبها الوزير البريطانى آرثر بلفور، مازالت حكومة بريطانية تمارس نفس السياسة المتطرفة الراعية للإرهاب، وهو ما يظهر جلياً فى إصرارها على إيواء بعض العناصر المتطرفة الهاربة والمطلوبة فى بلدانها والتى ترتكب أعمالاً إرهابية، فى الوقت الذى تعانى معظم دول العالم من خطر الإرهاب الذى تحصد نيرانه مئات الأرواح يوما بعد يوم.
تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية حول وعد بلفور لم تكن الأولى، حيث سبقها المتحدث باسم وزارة الخارجية العام الماضى، رداً على المطالبة باعتذار بريطانى عما بدر قبل قرن من الزمان عن دورها فى المساعدة بإنشاء دولة إسرائيل، وما ترتب عليه من استعمار أراض فلسطينية وتشريد شعبها، والذى أكد أن الحكومة لا تعتذر عن أحداث تاريخية.
جاء ذلك رداً على حملة أطلقها مركز العودة الفلسطينى فى العاصمة البريطانية لندن العام الماضى، وجمعت خلالها حوالى 100 ألف توقيع للمطالبة باعتذار بريطانى عن ذلك الوعد المشئوم.
لماذا ترفض بريطانيا الاعتذار عن وعد بلفور؟
منذ أيام أطلقت حركة فتح، التى يتزعمها الرئيس الفلسطينى محمود عباس حملة جديدة لمطالبة بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، وتحمل مسئوليتها عن تبعاته وما لحق الشعب الفلسطينى من أضرار وتشريد نتيجة الاحتلال، مطالبة الحكومة البريطانية بالاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، رافعة شعاراً للحملة مفاده "وعد من لا يملك لمن لا يستحق". وكان فلسطينيو أوروبا قد عقدوا مؤتمراً منذ عدة أشهر فى هولندا، طالبوا خلاله المملكة المتحدة بتقديم اعتذار رسمى عن "وعد بلفور"، واصفين إياه بأنه انتهاك جذرى لمعايير الإنصاف والعدالة والحقوق، فضلا عما ترتب عليه من اقتلاع الشعب الفلسطينى من أرضه ودياره وتشريده فى البلدان المختلفة.
أبو مازن
ولكن ما الأهمية القانونية للاعتذار.. وهل تقدم بريطانيا على تلك الخطوة؟
بريطانيا بالطبع رفضت الاعتذار عن وعد بلفور، وما ترتب عليه من تبعات سياسية واقتصادية، وأكدت رئيسة الوزراء أنه إعلان تاريخى بإقامة دولة إسرائيل، ما يؤكد أنها ستواصل سياسة التطرف وإنكار حقوق الشعب الفلسطينى الذى يدفع ثمن ذلك الوعد المشئومة وتلك الخطيئة الكبرى التى صدرت من غير ذى حق.
أما عن الأهمية القانونية للاعتذار فترتكز عليها إسرائيل لأنها صدرت من سلطة منتدبة ومخولة من الامم المتحدة ــ أو عصبة الأمم كما كانوا يسمونها آنذاك ـ بإدارة فلسطين، فضلاً عن تقديمها تعويضات للشعب الفلسطينى عما لحقه من أضرار من احتلال أرضه وتهجيره وتدنيس مقدساته، ولكن يبدو أن الضغط بريطانيا لإجبارها على الاعتذار يحتاج إلى وقت أطول حتى يسترد الشعب الفلسطينى حقوقه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة