على مدار 3 أيام، عقدت الدورة الأولى للجنة "المصرية- البرتغالية" المشتركة، بحضور وفد برتغالى لمصر يترأسه وزير الخارجية البرتغالى، وطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى، الاستفادة من خبرات البرتغال فى مجال الإصلاح الإدارى والاقتصادى وتطوير القطاع العام وترشيد الإنفاق الحكومى، وتشكيل لجان لتطبيق "التجربة البرتغالية" فى مصر. فما ملامح تلك التجربة؟ وماذا جرى فى البرتغال وتسعى مصر لتطبيقه فى مجال الإصلاح الإدارى والاقتصادى؟.
وزير الخارجية سامح شكرى والمستشار أحمد أبو زيد والوفد المصرى خلال أعمال اللجنة المشتركة
فى أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، مرت البرتغال بأزمة اقتصادية طاحنة، بدأت فى 2010 وعاشت تهديد الدائنين الدوليين، وعانت من ديون بلغت 129% من الناتج المحلى الإجمالى، ووصلت نسبة البطالة إلى 18%، وفى تلك الفترة لم يجد أكثر من نص مليون برتغالى سوى الهجرة، ملاذا له هرباً من البطالة وتردى الأوضاع، "يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 11 مليونا".
عانت البرتغال بما عرف بـ"أزمة الديون السيادية" وفقدت القدرة على الاستدانة من الأسواق، مما اضطرها إلى اقتراض 78 مليار يورو من الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى، وذلك مقابل تنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية وتقشف مالى صارم.
اضطرت البرتغال لاتخاذ تدابير تقشفية حادة، وتطبيق إصلاحات اقتصادية وإدارية وهيكلية فورية، وترشيد الأجور والعمالة فى القطاع الحكومى، واتجهت نحو التصدير لإنعاش الاقتصاد، إلى أن تمكنت من استعادة عافيتها، وبدأت فى تحقيق النمو الاقتصادى من جديد، وذلك كله خلال أربعة سنوات.
سر نجاح التجربة البرتغالية كانت فى سرعة التأقلم السريع للجميع على الوضع الجديد، واتخاذ الجميع قراره بالمشاركة من أجل تنفيذ سياسيات الإصلاحات، فتطورت الصناعات، وطرحت المنتجات بأسعار منخفضة لزيادة الصادرات، وتطورت الزراعة كذلك وحققت نهضة كبيرة، وتم استصلاح الالاف الأفدنة، حيث تحولت الأراضى الصحراوية الجراء إلى حقول زراعية، وتم منح العديد من الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين لتشجيع الاستثمار، وسرعة انجاز التصاريح اللازمة، وغير ذلك من أمور تجذب الاستثمار.
اجتماعات اللجنة المشتركة بين مصر والبرتغال بمقر وزارة الخارجية
ورفعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتمانى، علامة الديون السيادية للبرتغال، وخرجت بذلك هذه الديون من خانة الاستثمارات الخطرة التى انحدرت إليها منذ أن لجأت البلاد إلى خطة مساعدة دولية فى 2011، وأشارت إلى أن السبب وراء قرارها هذا هو "آفاق نمو أفضل" و"تقدم ثابت" أحرزته لشبونة على طريق ضبط الموازنة العامة و"مخاطر أقل" فيما يخص شروط التمويل.
وبلغ معدل نمو اقتصاد البرتغال فى الربع الأول من العام الحالى 2.8 بالمائة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضى وهو أقوى نمو له فى عشر سنوات، وأصبحت البرتغال بمثابة "المثل الأعلى" فى مقاومة ويلات سياسة التقشف، وفى الإصلاح الاقتصادى والإدارى، واستعادة عافية اقتصادها فى سنوات قليلة.
اجتماعات اللجنة المشتركة بين مصر والبرتغال برئاسة وزيرى خارجية البلدين
وقت إحداث الإصلاحات اتفق الجميع على السياسيات التقشفية الصارمة سواء الحكومة أو المعارضة، ففى حين أن المعارضة استخدمت الخطاب المناهض للتقشف على مدى السنوات التى سبقت الأزمة، فإن كلا الطرفين التزم ببرنامج التقشف الذى شرعت البرتغال فى تنفيذه منذ الأزمة الاقتصادية.
وزار الرئيس عبدالفتاح السيسى، البرتغال فى نوفمبر من العام الماضى، وكانت أول زيارة لرئيس مصرى للشبونة، وخلال الأيام القليلة الماضية، التقى بجراسا فونسيكا، وهى وزيرة الدولة للتحديث الإدارى البرتغالية، وذلك بحضور الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، وسفيرة البرتغال فى القاهرة.
الرئيس السيسى أعرب عن التطلع للاستفادة من خبرات البرتغال فى مجال الإصلاح الإدارى والاقتصادى وتطوير القطاع العام وترشيد الإنفاق الحكومى، فى ظل تجربتها الناجحة عقب الأزمة المالية التى مرت بها، مشيراً إلى الاهتمام بتعزيز التعاون فى تلك المجالات أخذاً فى الاعتبار ما تقوم به مصر حالياً من خطوات جادة للإصلاح الاقتصادى وتطوير الجهاز الإدارى بالدولة.
"جرسا فونسيكا" أكدت استعداد بلادها لتبادل الخبرات مع مصر فى مختلف المجالات، حيث استعرضت جانباً من تجربة بلادها فى تنفيذ برنامج الإصلاح والتحديث الإدارى، وما تم اتخاذه من إجراءات لتعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، مشيرة إلى تجربة الحكومة البرتغالية فى تقديم الخدمات للمواطنين والشركات بالتعاون مع السلطات المحلية، من خلال أسلوب بسيط يوفر المرونة والكفاءة وييسر على المواطنين الاستفادة من تلك الخدمات.
الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، قالت فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن البرتغال تتشابه مع مصر فى مرورها بأزمة اقتصادية، احتاجت لقرارات وإصلاحات إدارية واقتصادية عاجلة، ونجحت بخطوات قوية وإجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية استطاعوا أن يعيدوا المؤشرات لحالة جيدة وانخفضت معدلات البطالة.
أضافت أن البرتغال اعتمدت على ميكنة تامة لكل الخدمات الحكومية، مع وجود أماكن كبيرة لتقديم كل أنواع الخدمات للمواطنين، فى مكان واحد، وهذه التجربة لها بعُد تشريعى وآخر مؤسسى وثالث فنى.
أعلنت كذلك عن تشكيل لجنة لدراسة التجربة البرتغالية بشكل دقيق، وكيفية تطبيقها والاستفادة منها فى مصر، وسيتم اتخاذ عدد من القرارات عقب انتهاء أعمال تلك اللجنة وبناءاً على ما تتوصل إليه من نتائج.
اجتماعات اللجنة المشتركة بين مصر والبرتغال برئاسة وزيرى خارجية البلدين
أشارت "السعيد" أن الإصلاح الإدارى هو العمود الفقرى للإصلاح الاقتصادى، وهذا الأخير يحتاج إلى جهاز إدارى كفء ينفذ خطواته بقوة وثبات. والتجربة المصرية فى الإصلاح الاقتصادى تتشابه مع دولة البرتغال التى مرت بأزمة اقتصادية كبيرة منذ عام 2010 ولمدة أربع سنوات، ولكن الوضع الاقتصادى تحسن نتيجة الإصلاح الإداري".
وخلال اجتماع الرئيس السيسى مع الوزيرة البرتغالية والوزيرة المصرية، ثمنت فونسيكا على ما حققته مصر فى هذا الصدد، مشيدة بما تم اتخاذه من خطوات للإصلاح الإدارى والاقتصادى، وما يجرى تنفيذه من مشروعات كبرى، خاصة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذى اعتبرته بمثابة إنجاز ضخم سيساعد فى تحقيق نقلة نوعية على صعيد تطوير الأداء الحكومى المصرى.
وكان وزير الخارجية البرتغالى أوجستو سانتوس سيلفا، زار مصر بصحة وفد رفيع المستوى يضم وزيرة الدولة للتحديث الإدارى البرتغالية، والتقى عددا من كبار المسئولين والشخصيات، من بينهم أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وسحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، وطارق قابيل وزير الصناعة والتجارة، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حيث بحث سبل دعم التعاون المشترك بين البلدين فى شتى المجالات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة