قصيرة هى تلك الفترة التى تقضيها فى هذه الحياة، قصيرة بدرجة تدعو للدهشة والاستغراب، ألأجلِ هذه الفترة شديدةِ القصر تحملُ كلَ هذا الحزن بداخلك، والأكثر غرابةً حقاً أنك ستفارق وحيداً كما أتيت وحيداً لحياةٍ جديدة لا يعلمُ سرَّها إلا الله وحدَه سبحانه تعالى، من غير تلك المشاكل ومن غير هؤلاء المنافسين لتبقى لكلِّ حياةٍ حساباتِها .
حَضَرَتْ إلى هذا العالم رُوحُك فى ثوبٍ اسمُه الجسد وستغادرُ هذا العالم يوماً متحررةً من هذا الثوب لتعود إلى عالمِها وكُنهِها من غير هذا الثُقل الذى يُدعى الجسد، حينما أفكرُ وأتأكد أن هذا الجسد الذى لا يمثلُ إلا الرفيقَ الزائل والثُقلَ المفارِق، هو فقط من نستهلكُ وقتنا المحدود فى هذه الحياة لأجلِه، فالسعى وراء الدنيا واللهثُ ورائها ما هو إلا لإرضاء هذا الجسد حتى تُطعمَه وتسقيه وتحققَ له رغبتَه وشهوتَه، ولا نهتم أبداً بغذاء الباقية ألا وهى الروح .
بالله قلى كم أطعمت جسدَك من الحِلِ والحرام، وكم شُغلت بزائلٍ بُغيةَ إرضاءِه وطاعتِه ولبئس والمطاعُ و المُطيع، أن التفرقة بين الجسد والرُوح ما هى إلا لإظهارِ الخللِ فى الفكرِ عند أولئك الذين حينما ترى تكالبَهم على الدنيا تشعر أنهم على يقينٍ من بقاءٍ دائمٍ وكأن الموتَ أبداً لن يكون وكأن البقاء حقيقةٌ وفلسفةٌ يُعتَدُ بها .
لابد أن تنتبه لما تعرِفُه حقَ المعرِفة وتهمِلُه بكلِ معانى الإهمال، الموتُ حقيقةٌ لا ريب فيها والحياةُ باليةٌ لا خلودَ فيها، عليك دوماً أن ترى حالَ السابقين و كيف انتهى رُعاةُ الأجسادِ وكيف كانت نهايةُ رُعاةُ الأرواح .
إن ما سبق ما هو إلا لترسيخ الاعتقاد واليقينِ بأن الدنيا لا تستحق أن تحزن لأجلها ولو لبرهةٍ واحدة، بل لا تستحقُ أن تضيِّعَ فيها وقَتَك المحدود ولو لثانيةٍ واحدة تحصُراً على فائتٍ أو رغبة فى مستحيل، العاقلُ من عرفَ قدرَ الدنيا وعلم أنها ما سُميت دُنيا إلا لأنها لا ترقى بحالٍ من الأحوال لتكونَ الشغلَ الشاغل والعملَ الأهم .
الآن وجبَ عليك ألا تحزن مطلقاً ووجب أن تتساءل لما أنا هنا وإلى أين أنا ذاهب، وما الطريقُ إلى النجاة، أسئلةُ أسمعُها منك الآن وحُق لك أن تسألَها .
أنت هنا فى اختبارٍ قصير وهناك لحسابٍ عادلٍ ودقيق وفى انتظارِ ثوابٍ جزيل وعقابٍ شديدٍ حسب ما تحمِلُه صحائفُك، والطريقُ إلى النجاة هو حُسن العمل وجودَةُ الأداء، ولتعلم أنك لن تحسن العمل إلا إذا تخلصت من قيود الحُزن الذى يُقعدُك عن العمل ويدمرُ فيك الأمل وما أن دُمر الأملْ لا يتبقى طريقاً رائقاً لإنجازٍ أو عملْ .
إذن لماذا أفرح، ببساطة كاملة ٍ لأنك لا تملكُ الحزن بل هو عارضٌ لا يستمر والغريبُ أنك تملِكُ كل َ أسباب السعادةِ ولكنك تُنكرُها، الشابُ لا يُعذرُ فى حزنِه بأى حالٍ من الأحوالِ فلعلَ فترةَ الشبابُ هى أهم أسباب السعادة لأنك تملكُ فيها الحياة بين يديك فتستطيعُ أن تغير وأن تجتهد وإيااااك ثم إياااك من الانتظار للمناسب فلن يكون المناسبُ إلا بالبداية وإن كانت غير المناسبة، ولتعلم أن الشباب مثل الماءَ بين يديك يتسربُ سريعاً، وليكن مبدؤك دائماً ما دام الأمر حلالاً فما العيب إذن، ولتعلم أن العيب كل العيب هو الاستسلام والدخولِ تحت طائلةِ الحزن التى تدمرُك هنا ولا ترحمُك هناك حيث المصيرِ المحتوم والنهايةِ الحاصِلة.
الوقت ضيق حقاً والعذر مرفوض والسبيل للوصول موجود وإياك أن تضع لأحلامِك حدود إلا حدود الحلال والحرام وكل ما عدا الحرام مباح، ((فألهما فجورها وتقواها ))) صدق الله العظيم .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة