لم يتم تكريمها كأم شهيد أو كفنانة قدمت أعمالا خالدة، فهى تعيش حالة من العزلة والحزن ولا يتواصل معها من الوسط الفنى سوى فيفى عبده.
تجلس شريفة فاضل فى غرفتها تتابع التلفزيون، تدمع عيناها كلما سمعت أغنيتها "أم البطل" التى تذيعها معظم القنوات الفضائية فى المناسبات الوطنية، وخاصة ذكرى انتصارات أكتوبر.
تردد الكلمات وتتذكر إبنها الشهيد الذى غنت من أجله هذه الأغنية لتهديها إلى كل أمهات الأبطال سواء الأحياء أو الشهداء لتكون الأغنية الوحيدة التى تتحدث بلسان أم البطل.
تبكى المطربة والفنانة الكبيرة وهى تتذكر ابنها الشهيد سيد السيد بدير، الذى استشهد خلال حرب الاستنزاف وقبل انتصارات أكتوبر بأشهر قليلة، بعد تخرجه وتلقيه تدريبات على الطيران فى روسيا، كانت صدمة عمرها التى لم تستطع تجاوزها رغم مرور أكثر من 44 عاما ، لا تتمالك دموعها عندما تتحدث عنه، وعن هذه الذكرى التى فقدت فيها إبنها الأكبر وأول فرحتها.
جاءنا صوتها حزينا عبر الهاتف بعد سنوات من العزلة والحزن، لا تخرج من بيتها و لا يزورها أحد من الوسط الفنى ، لم يتم تكريمها سواء كأم شهيد من شهداء حرب الاستنزاف، أو كفنانة من رواد الفن ونجوم الزمن الجميل، الذين شكلت أعمالهم وجدان أجيال.
تعيش أغنيتها "أم البطل" وتتردد فى كل المناسبات الوطنية ومع استشهاد أبطال الجيش والشعب والشرطة، تلك الأغنية التى حفظها شباب وأطفال ربما لا يعرفون شيئا عن صاحبتها، وربما لم تحظ أى أغنية وطنية بمثل ما حظيت به هذه الأغنية.
يردد الجميع أغنيتها "تم البدر بدرى " التى ظلت ولا تزال أحد العلامات البارزة فى وداع شهر رمضان، ولم تستطع أى أغنية أخرى أن تحظى بمكانتها فى نفوس المصريين والعرب، رفضت شريفة فاضل الحصول على أجر مقابل غناء " تم البدر بدرى"وغنتها بدافع الحرص على أن يكون لها أغنية تذاع خلال شهر رمضان.
"ماحدش كرمنى ..مش مهم ..المهم الناس فاكرانى وبتسمعنى رغم إنى بعيدة عنهم ، أنا كبرت خلاص ومش هاخد زمنى وزمن غيرى ..هكذا كان رد شريفة فاضل عندما سألناها عما إذا تم تكريمها كأم شهيد أو كفنانة".
"أغنية أم البطل بتوجعنى وأنا باغنيها ورغم كدة أصريت إنى أعمل أغنية لأم البطل بعد استشهاد ابنى سيد فى حرب الاستنزاف وكان عمره 20 سنة".
وأضافت سلطانة الطرب وهو اللقب الذى عرفت به بعد أدائها دور منيرة المهدية فى بداية مشوارها الفنى، أنها توقفت عن الغناء بعد استشهاد ابنها، ولكن بعد انتصارات أكتوبر استدعت صديقتها الشاعرة نبيلة قنديل وطلبت منها كتابة أغنية تعبر عن أم البطل المقاتل، فجلست نبيلة فى غرفة ابنها الشهيد نصف ساعة، ثم خرجت ومعها كلمات أغنية أم البطل والتى انهارت شريفة فاضل فور سماعها وطلبت من الملحن على اسماعيل تلحينها ثم ذهبت إلى الإذاعة لتسجلها، وأغمى عليها أكثر من مرة أثناء التسجيل .
تبكى أم البطل وهى تتذكر هذا اللحظات،" كلمات الأغنية كانت صعبة عليا ،واتأثرت وأغمى عليا أكثير من مرة وانا باغنيها ، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلى طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت وسجلتها فى يوم واحد ، وكنت دايما باغنيها أخر أغنية فى الحفلات علشان مابقدرش أغنى بعدها".
أصيبت أم البطل بنزيف فى الشرايين أثناء غناء الأغنية فى إحدى الحفلات وتوقفت فترة عن الغناء حتى أن الأطباء منعوها من غنائها ولكنها لم تستمع إلى هذه التعليمات.
حياتها حافلة بالأحداث منذ مولدها عام 1938، فهى حفيدة المقرئ أحمد ندا شيخ المقرئين ومؤسس دولة التلاوة، واسمها الحقيقى فوقية محمود أحمد ندا، انفصل والداها، وتزوجت والدتها من إبراهيم الفلكى أحد أثرياء مصر الذى أطلق اسمه على ميدان الفلكى الشهير، وعاشت مع والدتها وزوجها فى عوامة بالنيل، وكان يزورهم كبار الأثرياء ورجال الدولة ومنهم الملك فاروق، الذى استمع إلى صوتها وهى طفلة فصفق لها، وسمعها رجل الأعمال الشهير «السيد ياسين»، فاقترح على والدتها وزوجها أن تدخل المجال الفنى كمطربة فى فيلم من انتاجه، وهو فيلم «الأب»، لتبدأ شهرتها ومشوارها الفنى، وبعدها التحقت بمعهد التمثيل والإذاعة قبل أن تكمل سن 13 عامًا.
فى منتصف الخمسينيات تزوجت شريفة فاضل من الفنان السيد بديرالمخرج والمؤلف والممثل، رغم فارق السن وأنجبت منه ولدين «سيد، وسامى».
وتوالت نجاحاتها وأعمالها ، التى تعتبر علامات فى تاريخ الطرب، ومنها «فلاح كان فايت بيغنى»، «حارة السقايين»، «وأه من الصبر وأه»، و«أمانة يابكرة»، «وأه يالمكتوب» و«الليل » وغيرها من الأغنيات والأفلام ، وحازت لقب سلطانة الطرب لجمال صوتها وأدائها شخصية منيرة المهدية، التى أسندها لها مخرج الروائع حسن الإمام، وبسبب الغيرة الشديدة انفصلت عن الفنان سيد بدير.
حازت شريفة فاضل شهرة واسعة ونجاحا كبيرا وكان يطلبها الرؤساء والملوك فى الحفلات، فأحيت حفل زفاف هدى عبدالناصر ، وكان السادات يطلبها فى كل الحفلات، حتى قيل إنها غنت له خصيصا أغنية «أسمر ياسمارة ياابو دم خفيف» ، كما كانت تحظى بمكانة كبيرة عند الملوك والرؤساء العرب ومنهم الملك الحسن ملك المغرب.
أسست كازينو الليل فى الهرم ، وباعته منذ سنوات بعدما أصيب زوجها الثانى اللواء طيار على زكى بالشلل فتفرغت لخدمته ، وأنجبت منه ابنها تامر الذى يعيش معها حاليا، بينما يعيش ابنها سامى السيد بدير فى أيرلندا، وعاشت حزنا جديدا بعد وفاة شقيقتها الصغرى منذ شهور قليلة.
تقول لـ"اليوم السابع"،" كنت عاملة كازينو الليل للعائلات مطعم ومسرح وكنت حاطة شروط علشان يكون مكان لائق ومناسب للعائلات وكان ممنوع ستات يدخلوا لوحدهم".. وأضافت شريفة فاضل" كان محمد عبدالوهاب بييجى علشان يسمع أحمد عدوية".
تعيش شريفة فاضل الأن فى عزلة، لا تخرج من بيتها ولا يزورها أحد من الوسط الفنى سوى الفنانة فيفى عبده ، رغم أنها كانت سببا فى نجومية الكثير من الفنانين والمطربين الذين كانت بدايتهم فى كازينو الليل.
"ماحدش بيزورنى من الوسط الفنى غير حبيبتى فيفى عبده، دايما متواصلة معايا وبتسأل عليا، الدنيا تلاهى وماحدش فاضى لحد ..وأنا كل وقتى باقضيه فى الصلاة وقراءة القرآن ومشاهدة التلفزيون".
حالة من الشجن والحزن عاشتها وتعيشها شريفة فاضل بسبب كثرة الأحداث التى مرت عليها، ورغم ذلك لم تمنعها من أن تعبر عن الفرح وأن تصبح أغنيتها "مبروك عليك يامعجبانى ياغالى" والتى غنتها فى فرح هدى إبنة الرئيس جمال عبدالناصر أحد أيقونات الفرح ، كما تزوج على أغنيتها دقوا المزاهر ألاف العرسان.
تنساب دموعها كلما أذيعت إحدى أغنياتها التى تثير الشجن ومنها أغنية "تم البدر بدرى" ،التى تذكرها بكل حبيب رحل مبكرا..«يا ضيف وقته غالى والخطوة عزيزة، حبك حب عالى فى الروح والغريزة، أيامك قليلة والشوق مش قليلة، والغيبة طويلة ع الصبر الجميل»
لا تتمالك نفسها وهى تسمع وتردد أغنية أم البطل قائلة :"يامصر ولدى الحر ، اتربى وشبع من خيرك ، إتقوى من عظمة شمسك ، اتعلم على إيد أحرارك ،اتسلح بإيمانه واسمك ، شد الرحال ،شق الرمال ، هد الجبال ،عدى المحال ، زرع العلم ،طرح الامل ،وبقيت أنا أم البطل"
هكذا تعيش أم البطل التى أبكت الملايين ولازالت أغنياتها تتردد فى كل المناسبات الوطنية ، لتعبر عن حال ألاف من أمهات الشهداء والأبطال ، ألا تستحق شريفة فاضل أم البطل الشهيد سيد السيد بدير التكريم كأم شهيد وأحد عمالقة زمن الفن الجميل؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة