بعد 15 عاما من تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ،أصبحت فى مهب ريح السقوط ،وهو ما يعنى سقوط أحد أهم روافد ورموز العدالة الدولية بعد سلسلة من الانتكاسات لهذه المحكمة الدولية، بعد تداول وثيقة داخل الاتحاد الأفريقى ترمى إلى الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما وصفته بانحياز المحكمة ضد افريقيا إذ أكدت هذه الوثيقة أن الدول الأفريقية تدرس انسحابا منسقا من المحكمة الجنائية الدولية إذا لم يتم إصلاحها لمعالجة ما تعتبره انحيازًا من المحكمة ضد القارة، وتشكل الدول الأفريقية حوالى ثلث أعضاء المحكمة البالغ عددهم 124، وإذا انسحب عدد كبير من الدول الأفريقية فإن ذلك سيكون سببا فى إسقاط المحكمة التى لم تحقق حتى الآن الآمال المعقودة عليها لضمان أن مرتكبى جرائم الحرب والإبادة الجماعية لن يفلتوا أبدا من العقابز
وأشارت ثلاث دول إفريقية العام الماضى إلى نيتها الانسحاب من المحكمة ، قائلة إنها تنتقى على نحو غير منصف جرائم إفريقيا فقط للملاحقة القضائية، وعلى مدى حوالى 15 عاماً منذ إنشائها لم توجه المحكمة الجنائية اتهامات إلا إلى أفارقة، من بينهم رئيسا كينيا والسودان، رغم أن لديها إجراءات مفتوحة فى مراحل سابقة تتعلق بجرائم فى شرق أوروبا والشرق الأوسط وأمربكا الجنوبية، وتحدد الوثيقة التى جرى تداولها فى شكل مسودة بين مسئولين كبار بالاتحاد الأفريقى "استراتيجية للانسحاب" للدول الأعضاء إذا لم تتم الاستجابة لمطالب الإصلاح، وتدعو إلى عدالة دولية "نزيهة وشفافة" خالية من "المعايير المزدوجة" وتدافع عن "إقليمية" القانون الدولى، فى إشارة إلى مقترحات لإنشاء محكمة إفريقية قارية لجرائم الحرب وتقترح الوثيقة أن يكون من حق الدول التى تستهدفها المحكمة الجنائية الدولية فى طلب تأجيل المحاكمة، وعلى الرغم من الدعم القوى من معظم الدول الغربية فإن المحكمة الجنائية الدولية عاجزة عن التعامل مع بعض من أخطر الصراعات فى العالم بما فى ذلك الحرب الأهلية فى سوريا المستمرة منذ نحو 6 سنوات،وأيضا عجزها عن مواجهة جرائم إسرائيل العنصرية.
كانت صحيفة نيويورك تايمز قد أكدت هذا الأسبوع أن إدارة ترامب تعد أوامر تنفيذية لخفض الدور الأمريكى فى المنظمات الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية، ورغم أن الولايات المتحدة ليست عضوا فى المحكمة الجنائية الدولية لكنها ساعدتها فى ملاحقة المجرمين بتوسيع نطاق برنامجها (المكافآت من أجل العدالة) الذى تدفع بموجبه لمن يقدم معلومات تفضى إلى القبض على المشتبه بهم ليشمل من وجهت لهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات، وعندما سلم أحد كبار متمردى جيش الرب للمقاومة الأوغندى نفسه للقوات الأمريكية العام الماضى سلمته الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية على الرغم من عدم وجود إلزام عليها بفعل ذلك، لكن القائمين على المحكمة يخشون أن تشجع قيادة ترامب- الذى تعهد بسياسة خارجية ذات توجهات دولية أقل- منتقدى أول محكمة دولية دائمة لجرائم الحرب، وأزعج الموقف الأمريكى الجديد القائمين على المحكمة وهو ما عبرت عنه رئيسة الادعاء فى المحكمة الدولية فاتو بنسودا، عن أملها فى ألا تسحب إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعمها للمحكمة وطالبت مؤيديها بالاحتشاد وراء قضيتها لمواجهة النعرات القومية المتزايدة، ولا تمول الولايات المتحدة المحكمة بشكل مباشر، لكن بنسودا قالت إن عدم التعاون الأمريكى لإلقاء القبض على المتهمين سيوجه ضربة لمحكمة تعتمد على الحكومات وليس لديها صلاحيات تنفيذية خاصة بها.
وكان الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين قد وقع مرسوما بشأن رفض التصديق على "نظام روما الأساسى" الذى كان أساسا لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، مما طرح تساؤلات بشأن الخطوة، حول مدى جدوى هذه المحكمة،وكانت روسيا قد وقعت فى العام 2000 على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية التى أنشئت للنظر فى جرائم الحرب، لكنها لم تصادق عليه، وتضمن المرسوم توجيهات إلى وزارة الخارجية الروسية بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بقرار روسيا الاتحادية الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت أن محكمة الجنايات الدولية خيبت الآمال المعقودة عليها ولم تعد هيئة رسمية مستقلة.
كانت كل من بوروندى و جنوب إفريقيا و جامبيا قد أقرت الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية فى أكتوبر الماضى متهمة إياها بـ"السعى لمقاضاة الأفارقة فقط" وسط تصاعد المخاوف الدولية من انتقال عدوى الانسحاب من المحكمة إلى دول أخرى فى القارة التى تعانى من أزمات حادة، وقد شرعت جنوب أفريقيا فى إجراءات الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية وأفادت التقارير بأن دبلوماسيين أخطروا الأمم المتحدة برغبة الانسحاب متهمين المحكمة الجنائية الدولية بـ''التحيز ضد الدول الأفريقية"، وجاء هذا القرار حسبما يعتبره محللون سياسيون على خلفية رفض سلطات جنوب أفريقيا العام الماضى اعتقال الرئيس السودانى عمر البشير المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ''الإبادة'' و''جرائم حرب'' عندما حضر قمة الاتحاد الأفريقى فى جوهانسبورغ.
وينفى البشير ضلوعه فى جرائم بمنطقة دارفور المضطربة غرب السودان، وجاء قرار الانسحاب بعد عام من تهديد جنوب إفريقيا بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية, إذ نشرت تقارير عن الانسحاب بعد أسبوع من زيارة رئيس البلاد جيكوب زوما إلى كينيا التى انتقدت المحكمة الجنائية الدولية لأنها اتهمت رئيسها أوهورو كينياتا بالضلوع فى جرائم ضد الإنسانية.
ونفى كينياتا الاتهامات وأسقطت التهم لاحقا لعدم كفاية الأدلة...أما بورندى فقد كانت أول دولة تعلن رغبتها فى الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية فى خطوة وصفتها المحكمة بأنها "انتكاسة لمكافحة الإفلات من العقاب"،و حث الاتحاد الأفريقى فى وقت سابق الدول الأعضاء على عدم التعاون مع المحكمة متهما إياها بالتحيز ضد إفريقيا، وكان برلمان بوروندى التى يمزقها الصراع- قد صوت لصالح الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية فى وقت سابق.. فيما جاءت جامبيا, ثالث دولة أفريقية تعلن انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية,متهمة إياها بـ"السعى لمقاضاة الأفارقة فقط" قائلة "إن حكومة جمهورية غامبيا تعلم العالم بسحب عضوية جامبيا من المحكمة الجنائية الدولية".
وكان لمصر دور رئيسى فى المساهمة فى إنشاء النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية من خلال اتفاقية روما فى هذا الشأن، ووقعت عليه بتاريخ 28 ديسمبر عام 2000، ولم يتبق ليدخل هذا النظام حيز التنفيذ سوى تصديق مجلس النواب على هذه الاتفاقية وفقًا لأحكام المادة 151 من الدستور المصرى، ولكن مصر حتى الآن لم تصدق على اتفاقية روما، وكان وليد شرابى القاضى الإخوانى الجاهل الهارب قد قام بالاتفاق مع سبرخت أحد المحامين المعروفين بدفاعه عن الشواذ لعرض قضية ضد مصر أمام هذه المحكمة التى رفضت دعواهم مما يؤكد جهلهم الذى ينحدر من غباء قانونى يتعلق بهذه المحكمة وإجراءاتها .
فهل تنتهى المحكمة الجنائية الدولية ،لتتحول إلى تاريخ سىء يمثل الانحياز الواضح ضد أقريقيا ،أم تلجأ المحكمة إلى تصحيح أوضاعها ، وتغيير أسلوب ونطاق عملها،فى ظل السعى الإفريقى لإنشاء المحكمة الإفريقية لمكافحة الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة