ما من قضية تشغل بال السلطات الصينية فى هذه الفترة مثل قضية بحر الصين الجنوبى، التى باتت تمثل واحدة من أكثر القضايا الإقليمية والعالمية تعقيدا، لتضارب المصالح بين أطرافها، وتدخل قوى عظمى كالولايات المتحدة بشكل سافر فى الأزمة لمصلحة أطراف محلية، الأمر الذى ترفضه بكين وترى أنه بمثابة تهديد للأمن والسلم بالمنطق.
وفى هذا الوقت بات المراقبون ينظرون إلى الأزمة باعتبارها أرض اختبار رئيسية للمنافسة الصينية الأمريكية، حيث تتصاعد القوة العسكرية للصين، خاصة قوتها البحرية، وتحاول الولايات المتحدة تقليم أظافر تلك القوة للحفاظ على تفوقها الإقليمى والعالمى.
وتجدد هذا الأمر بعد تصريحات شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض، بشأن النزاعات حول مناطق السيادة على الجزر فى الممر المائى الاستراتيجى "بحر الصين الجنوبى" الذى يمر به سنويا تجارة دولية تقدر قيمتها بأكثر من خمسة تريليونات دولار أمريكى، والذى أكد بخصوصه أنه يوجد تخوف فى واشنطن من سيطرة الصين على المنطقة ومنع حركة التجارة الأمريكية، أو فرض قوانين جديدة.
سبايسر أكد فى تصريحاته أن الولايات المتحدة سوف "تتأكد من حماية مصالحها" فى بحر الصين الجنوبى، وهو طريق التجارة الغنى بالموارد الذى يمر من خلاله تجارة تقدر بأكثر من ـ 5 تريليونات دولار كل عام، وجاءت هذه التصريحات عقب مساعى الصين لبناء جزر صناعية جديدة فى بحر الصين الجنوبى.
إلا أن الرد الصينى جاء سريعا، فخلال بضع ساعات من التصريحات التى ارتأتها "بكين" استفزازا لها، حثت الصين الولايات المتحدة على الحذر فيما يصدر عنها من أقوال أو تصرفات بشأن قضية بحر الصين الجنوبى، وأكدت التزامها بالحفاظ على حقوقها البحرية وبتسوية أى نزاعات إقليمية أو بحرية سلميا من خلال التفاوض مع الدول المعنية مباشرة.
وقالت خوا تشان يينج المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، تعليقا على تصريحات أدلى بها المتحدث باسم البيت الأبيض، إنها ترفض إصرار الولايات المتحدة على التدخل فى قضية ليست طرفا فيها، وأكدت التزام الصين بممارسة سيادتها غير القابلة للجدل على جزر بحر الصين الجنوبى والمياه المحيطة بها وتمسكها الشديد بحماية وصيانة سيادتها وحقوقها البحرية.
وقالت المتحدثة إن موقف الصين بشأن قضية بحر الصين الجنوبى ثابت وواضح تماما، وأنها تحافظ بكل حزم على حرية الملاحة فى بحر الصين الجنوبى، وكذلك السلام والاستقرار فى المنطقة.
وأوضحت حرصها على بذل جهودا مستمرة لحل النزاعات ذات الصلة من خلال التفاوض السلمى مع الدول المعنية مباشرة.
ومن جانبه أكد أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة الشعب ببكين، جين كانرونج، أن الصين لديها القدرة على الدفاع عن نفسها وحماية تنمية أراضيها بغض النظر عن الموقف الأمريكى تجاه بحر الصين الجنوبى.
وفى تعقيبه على تلميح البيت الأبيض باتخاذه موقفا أكثر صرامة بشأن قضية بحر الصين الجنوبى، قال جين- فى تصريح لصحيفة جلوبال تايمز الصينية: "لقد كان بيان المرشح لتولى رئاسة الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون قبل أسبوعين متكبرا للغاية، وإذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبع هذا الطريق وستتبنى هذا الموقف، فقد يؤدى ذلك إلى اندلاع حرب بين الصين والولايات المتحدة، وذلك يعنى نهاية تاريخ أمريكا أو حتى البشرية جمعاء".
وأضاف جين أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تخطط لإرسال ثلاث حاملات طائرات إلى منطقة غرب المحيط الهادئ: "فإذا كانوا يريدون غزو بحر الصين الجنوبى، فإن لدينا القدرة على تدميرهم كلهم حتى لو أرسلوا 10 حاملات طائرات، ليس فقط ثلاث".
وقال الجنرال لوه يوان، نائب رئيس جمعية تعزيز الثقافة الاستراتيجية الصينية، إن الجزر والمطارات التى بنيناها فى المنطقة تعتبر "حاملات طائرات غير قابلة للغرق"، وعند مقارنتها بحاملات الطائرات الأمريكية، فإن لديها أفضلية نوعا ما، ولكن الصين قادرة على حماية أراضيها".
قال الدكتور لى قوه تشيانج بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إنه تاريخيا لم تدع أى من هذه الدولة فى بحر الصين الجنوبى ملكيتها للجزر المتنازع عليها، مشيرا إلى وجود احتياطات نفطية فى هذه المنطقة وهذا ما دفع الدول للتنازع على الجزر لتستولى على حق الصين.
وأشار الباحث فى الشئون الاجتماعية، إلى أن هذه الجزر تمثل أهمية إستراتجية بالنسبة للصين، مؤكدا أن الصين لن تتنازل عن هذه الجزر، لافتا إلى أن هناك 3 سيناريوهات للحل وهى الحل القانونى والحل الودى، والعسكرى، مشددا على أن الصين تفضل الحل السلمى، والاستفادة من الجزر بشكل جماعى.
من جانبه قال جيانج جيان قوه، نائب رئيس إدارة الدعاية باللجنة المركزية بالحزب الشيوعى الصينى ورئيس مكتب المعلومات بمجلس الدولة، إن الولايات المتحدة تعمل على عسكرة بحر الصين الجنوبى باسم معارضة العسكرة"، مضيفا "تصرفات الولايات المتحدة عمقت من مخاوف الصين بشأن مصالحها الخاصة، وعززت من عزم الصين على حماية هذه المصالح".
وقال جيانج إنه قبل السبعينيات، كان المعترف به على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولى أن جزر بحر الصين الجنوبى تابعة للصين ولم تكن هناك أية دولة تعارض هذه الحقيقة، ولكن تحت إغراء مصادر النفط والغاز، بدأت بعض الدول الساحلية فى غزو واحتلال بعض جزر وحدود الصين البحرية بشكل غير شرعى، وكانت الفلبين على وجه الخصوص إلى جانب بعض الدول الأخرى، سعت نحو إنكار سيادة الصين على جزر نانشا.
وقال نائب رئيس هيئة أركان الجيش الصينى الأدميرال سون جيان قو، فى تصريحات سابقة له، أن الصين لن تستسلم للضغوط التى تتعرض لها وتشمل حكما منتظرا من لجنة تحكيم دولية حيال مزاعمها بالسيادة على معظم الممر البحرى التجارى الحيوى، مؤكدا: "نحن لا نختلق المشاكل لكننا لا نخشاها".
سبب النزاع
ويربط بحر الصين الجنوبى الشرق الأوسط بمنطقة القارة الهندية بشمال شرق آسيا وتمر به ثلث الشحنات البحرية العالمية بقيمة 7 تريليونات دولار، أى 15 ضعف قناة بنما وثلاثة أضعاف قناة السويس، ويحتوى على 7 مليارات برميل نفط كاحتياطى محتمل، و900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعى؛ ما قد يجعل منه خليجًا عربيًّا جديدًا.
وشهدت الآونة الأخيرة توترًا فى العلاقات ما بين الصين وفيتنام والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وبروناى بسبب النزاع على تلك الجزر، حيث تدّعى كل دولة منهم أحقيتها التاريخية فى عدد من الجزر التى يصل لنحو ثمانين جزيرة صغيرة لا يتجاوزه حجم أكبرها 4 كيلومترات ويغمر البحر هذه الجزر فى كثير من الأوقات.
وبدأ النزاع على تلك الجزر يأخذ منحى حادًا وجادًا مع إصدار الأمم المتحدة عام 1972 دراسة نظرية ترجّح وجود كميات كبيرة من النفط والغاز والمعادن فى تلك المنطقة من بحر الصين الشرقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة