"بين الرياض والخرطوم".. لا تنظر إلى ما يظهر للعلن، فخلف اللقاءات الأخوية خفايا عن المصالح المتبادلة التى كانت سببا فى تخطى عقود من القطيعة بين البلدين، والمضى قدما نحو "شهر عسل" فى العلاقات بينهما، الذى بدأ، ومتوقع أن يستمر فترة من الزمن طالما ظلت الأسباب التى قام عليها مستمرة.
البشير
ورغم التقارب السعودى السودانى، الذى تم على مراحل وفى خطوات متتالية على مدار العامين الماضيين، إلا أن هذا الأسبوع كان تتويجا لهذا التقارب بعدد من الإجراءات كان آخرها زيارة الرئيس عمر البشير للرياض، التى شهدت مزيدا من فرض النفوذ الاقتصادى من قبل السعودية على الدولة الإفريقية التى تعانى من اقتصاد منهك ويحتاج إلى حالة إنعاش.
الملك سلمان
وتم خلال الزيارة توقيع مذكرة تفاهم إطارية بشأن منحة المملكة لتمويل مشروع توفير مياه الشرب فى المناطق الريفية، كما تم إعادة جدولة ديون شركة الخطوط الجوية السودانية "سودانير" لدى هيئة الطيران السعودية والتى تبلغ 22.5 مليون ريال سعودي، فضلاً عن منح المملكة للشركة 3 طائرات "بوينج 777" و3 طائرات "ايرباص 320" و6 طائرات "أمبرير" فضلاً عن طائرتى شحن "إيرباص 330".
ايرباص 320
وتعد هذه الزيارة هى الأولى للرئيس السودانى خلال العام الحالى وفى أعقاب اعتراف نظامه بأن السعودية توسطت لدى واشنطن لرفع العقوبات الأمريكية الاقتصادية عنه، حيث قدم البشير للسعودية شكرا رسميا معبراً عن امتنانه للجهود التى قامت بها لدعم رفع العقوبات، كما تأتى فى أعقاب اختتام فعاليات التمرين البحرى المشترك "الفلك 2"، الذى تم تنفيذه بالأسطول الغربى بين القوات البحرية الملكية السعودية والقوات المسلحة السودانية فى إشارة الى عزم البلدين تطوير تعاونهما العسكرى.
هذا التحول فى العلاقات ما بين النقيضين شغل انتباه المراقبون، فبعد أن أقدمت الرياض فى أغسطس 2013 على عمل غير مسبوق بمنع عبور طائرة البشير لأجوائها حيث كان الأخير فى طريقه لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيرانى حسن روحانى فى احتدام للأزمة السياسية بين البلدين، أصبح اليوم الرئيس السودانى، ضيفا مرحب به فى الرياض ومن قبل مسئوليها.
وما بين سنوات هذا التحول اللافت، توجد أسباب عديدة لكلا الطرفين دفعت إلى تكوين هذا المشهد الحالى، فالسودان يعانى اليوم من وهن اقتصادى غير مسبوق نتيجة العقوبات الاقتصادية المتتالية عليه من قبل أمريكا بزعم دعمه للإرهاب، فضلا عن الخسارة التى لحقت به فى قطاع البترول نتيجة انفصال الجنوب، الذى يمتلك 80% من النفط السودانى وهو الأمر الذى انعكس سلبا على كافة القطاعات، ما أسهم فى تفاقم أزمة الدَّيْن الداخلى وتراجع حاد فى سعر صرف الجنيه السودانى.
ومن الوهن الاقتصادى إلى العزلة السياسية، عانى السودان كثيرا بسبب علاقاته الوطيدة بطهران والتى وصلت إلى حد الشراكة الاستراتيجية خاصة فى مجال التسليح، وهى العلاقة التى فرضت عليه قطيعة خليجية لسنوات طويلة، وهو ما دفع الخرطوم إلى التحول من الحلف الإيرانى وإعلان استسلامه وهرولته تجاه الخليج ليجد انعاشا لاقتصاده الذى دخل مراحل صعبة.
حسن روحانى
وكان التحول فى 2015 بعد إعلان السودان المشاركة فى عاصفة الحزم وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وهو ما تلاقى مع تحول فى استراتيجية السعودية لمواجهة المد الشيعى، حيث قررت فى السنوات الآخيرة تبنى سياسة مواجهة النفوذ بالنفوذ.
من هنا تلاقت المصالح "السودانية ـ السعودية"، حيث قررت الرياض منازعة النفوذ الإيرانى فى إفريقيا، ورأت فى السودان موقع استراتيجى مهم، إذا ضمته إلى صفهاـ لتُقلص النفوذ الإيرانى بالقرن الإفريقى ومحيطه، نظرا لما تمتلكة السودان من سواحل بالبحر الأحمر مقابل السواحل السعودية فى الضفة الشرقية للبحر.
البشير أصبح أكثر احتياجا إلى منح الخيلج ومساعداته للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد من جانب ولتخطى مطب تصاعد الغضب الشعبى الداخلى ضده من جانب آخر، وفى المقابل أصبحت السودان يد الرياض لمطاردة التوغل الشيعى فى إفريقيا، إلا أن ما بٌنى على المصالح قد يزول بزوال المصلحة، خاصة أن النظام السودانى له تاريخ فى تغيير التحالفات والتنقل فيما بينها وفقا لمصالحة التى تخدم بقائه فى السلطة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة