بأصابع مرتبكة شديدة الحساسية يبدأ لقاؤهم الأول مع الخامات، يتعرفون باللمس على حبات الخرز حبة حبة، بينما تشرح لهم "صفاء مهران" مدربة الحرف اليدوية للمكفوفين المادة التى تتكون منها وأبعادها ولونها الذى تحاول تشبيهه بأقرب لون إلى الطبيعة، وبعد محاضرة والأخرى تبدأ علاقة الحب بين أصابعهم والخامات التى يتعلمون كيف يشكلونها ويحولونها إلى إكسسوار نسائى أنيق بألوان متناغمة وتنسيق مثالى.
واحدة من الكفيفات تصنع إكسسوارات بالخرز
هذه الرحلة التى تتكرر عشرات المرات مع "صفاء" المدربة ومؤسسة أكاديمية "سندان" لتعليم الحرف اليدوية لذوى الاحتياجات الخاصة فى سوهاج وتعيشها فى كل مرة بنفس درجة الشغف والحب، وفى كل مرة يتكرر الشعور نفسه بالإنجاز والحماس حين تنقل شعلة شغفها بالحرف اليدوية إلى واحدة من ذوى الاحتياجات الخاصة، لا سيما ذوى الإعاقة البصرية.
صفاء مهران فى "اليوم السابع" ـ تصوير كريم عبد العزيز
رحلة "صفاء" مع المكفوفين بدأت قبل عدة أعوام كما تحكى لـ"اليوم السابع" وتقول: كنت فى البداية مهتمة بالكمبيوتر وإدخال البيانات وتعليم الكمبيوتر لذوى الاحتياجات الخاصة، وعملت لسنوات مع المكفوفين فى مركز تابع لإحدى الجمعيات الخيرية حيث كنت أدربهم على الكمبيوتر واستخدامه.
واحدة من المشاركات فى تدريب الخرز
الانتشار الواسع لتدريب المكفوفين وذوى الاحتياجات الخاصة على الكمبيوتر جعل "صفاء" تشعر أنها بحاجة للبحث عن مجال آخر جديد تقدم فيه خدمة مختلفة لذوى الإعاقة البصرية، وتقول: احتكاكى بالمكفوفين خلال سنوات التدريب على الكمبيوتر جعلنى أكثر اطلاعًا على مشاكلهم ومعاناتهم وأنهم بعد التخرج دائمًا ما يبحثون عن فرص للعمل ولا يجدون، ويبحثون عن أى فرصة للخروج والتواصل مع العالم بدلاً من المكوث فى البيت، خاصة بالنسبة للفتيات.
تضيف صفاء: لاحظت أيضًا أن هناك عشرات المراكز المهتمة بتعليم الحرف اليدوية للجميع ولا يوجد أى مركز متخصص للمكفوفين، ومن هنا فكرت فى أن أتعلم الحرف اليدوية لتعليمها للمكفوفين.
صفاء مهران وجانب من ورشة تعليم تصنيع الإكسسوارات بالخرز
تطلب تعلم الحرف اليدوية رحلة إلى القاهرة تحكى عنها "صفاء": تعلمت هناك صناعة الإكسسوارات النحاس والإكسسوار العربى والكروشيه، وكان الجزء الأصعب فى جولتى بمناطق الموسكى والعتبة والغورية من أجل شراء الخامات بأفضل الأسعار من جهة، ولمتابعة السوق وتطوراته من جهة أخرى.
بعد عودتها من القاهرة بدأت "صفاء" تعلم الكفيفات صناعة الإكسسوارات الخرز، ومنذ العام 2013 وحتى 2016 كانت علمت نحو 35 فتاة من قنا وأسيوط وسوهاج، ثم شاءت الصدفة أن يتحول نشاطها إلى أكاديمية كاملة لتعليم الحرف اليدوية.
جانب من إحدى ورش تعليم الحرف
وعن فكرة أكاديمية "سندان" تحكى "صفاء": فى مركز تدريب المكفوفين على الكمبيوتر عملت مع المدرب وليد رضوان وبينما نتناقش فى إحدى المرات فكرنا فى عمل أكاديمية متخصصة لتعليم المكفوفين الحرف اليدوية، فى الوقت نفسه كان مركز بداية لريادة الأعمال التابع لهيئة الاستثمار والمناطق الحرة وأكاديمية البحث العلمى أطلق مسابقة لمشاريع ريادة الأعمال وفكرت أن أشارك فى المسابقة بفكرة أكاديمية "سندان" لتعليم الحرف اليدوية لذوى الاحتياجات الخاصة، وبالفعل شاركنا فى المسابقة وفاز المشروع بالمركز الثانى وهو ما وفر لنا تمويلاً بلغ 150 ألف جنيه من أجل شراء الخامات وجزء للمكافآت.
واحدة من الكفيفات تعمل على النول اليدوى
تضيف صفاء: الأكاديمية تأسست فى يوليو 2016 وبدأنا العمل حتى قبل أن نتسلم التمويل، ووسعنا نشاط الأكاديمية لتشمل جميع أنواع الإعاقات وليس الإعاقة البصرية وحسب، ولكن هناك بعض الحرف يقتصر التدريب فيها على المكفوفين وأخرى لا يمكن أن ندرب عليها المكفوفين لأنها تحتاج حاسة البصر وتتطلب أدوات كالمنشار أو القصافة والتى تحتاج حرص فى التعامل معها، فنعلمها لذوى الإعاقات الحركية، وكل التدريبات مجانية بالكامل ونحن من نوفر الخامات للمتدربين.
أحد المكفوفين يتعلم تصنيع البامبو
تحديات كثيرة تواجهها "صفاء" مع فريق عملها المكون من 7 أشخاص يدربون الحرف المختلفة، بين البامبو والنول اليدوى والشمع والنحاس والإكسسوار العربى والإيتامين والأركت الخشب والتطريز بالساتان، وتقول: الأكاديمية يقع مقرها الآن فى مكان يوفره لنا مركز بداية التابع لهيئة الاستثماركما وفرته للفرق الأربعة الفائزة فى مسابقة بداية، وهو مكان يحتضن المشروعات لفترة من 6 إلى 9 شهور ولكن بعدها نحن مطالبين بتوفير مقر للأكاديمية حتى يمكننا ممارسة التدريبات وحتى يمكننا إشهارها كمؤسسة رسمية.
واحدة من المتدربات سعيدة بالإكسسوارات من صنع يديها
التحدى الثانى الذى تواجهه "صفاء" هو نقل المتدربات الكفيفات من محل سكنهم إلى الأكاديمية وتقول: بعض الأهالى يرفضون تحمل العبء المادى لمصاريف تنقل المتدربات، إما لأنهم غير قادرين أو لأنهم غير متحمسين للفكرة، بالتالى أتحمل تكاليف مواصلاتهن كى أضمن حضورهن التدريب.
جانب من منتجات المكفوفين
وتحكى فرحة رمضان، 16 سنة، عن تجربتها مع الأكاديمية: "أنا فى أولى ثانوى، اتعلمت صناعة الإكسسوارات الخرز فى الأكاديمية لأنى عارفة إنه بعد الكلية مش هلاقى شغل، فعايزة أعمل مشروع خرز عشان أصرف على نفسى".
أما إلهام، خريجة آداب لغة عربية البالغة من العمر 25 عامًا فتعلمت أكثر من حرفة فى الأكاديمية وتقول: اتعلمت البامبو عشان أصنع أباجورات وأطباق، واتعلمت الإكسسوارات الخرز وحاليًا بتعلم على النول.
وسط الحرف الثلاث تفضل "إلهام" الخرز وتقول: بفكر أعمل مشروع خرز وأكمل شغل فيه. وعن الأكاديمية تقول: ساعدتنى كتير أتغلب على الزهق والملل من قعدة البيت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة