يثير كتاب للتربية الإسلامية فى مرحلة الدراسة الثانوية فى المغرب يعتبر "الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة"، جدلا وانتقادا واسعين بين مدرسى الفلسفة والتربية الإسلامية تحاول وزارة التربية والتعليم تهدئته.
ومنتصف ديسمبر أثار مقرر جديد خاص بقسم "الإيمان والفلسفة" فى كتاب التربية الإسلامية الخاص بمستوى السنة أولى بكالوريا، انتقاد أساتذة ومدرسى مادة الفلسفة فى المدارس الثانوية المغربية.
ويورد هذا الجزء من الكتاب كلاما لأحد علماء المسلمين يدعى ابن الصلاح الشهرزورى (توفى سنة 643 هجرية) يبدى فيه رأيه حينما سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة.
وفى رده يقول الشهرزورى "الفلسفة أسُّ السّفَة والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان".
وقدم الكتاب هذا الرأى على أنه من "المواقف العنيفة" لعلماء المسلمين تجاه الفلسفة.
وتم ادراج هذا الكلام فى سياق تناول الكتاب للفرق بين الوحى كوسيلة لمعالجة قضايا الحق والخير والجمال بشكل يفضى إلى إيمان "لا شك فيه ولا ارتياب"، والفلسفة التى اعتبرها الكتاب "ليست كفيلة بإرشاد الإنسان إلى الصواب".
ولم تستسغ الجمعية المغربية لمدرسى مادة الفلسفة مضامين كتاب "منار التربية الإسلامية للجدع المشترك والسنة الأولى بكالوريا" الذى يتضمن هذا المقطع، معتبرة أنها "مسيئة لمادة الفلسفة والعلوم الإنسانية والعلوم الحقة والطبيعية".
وطالبت الجمعية وزارة التربية الوطنية ب"التراجع الفورى عن هذه الكتب المدرسية وسحبها من التداول المدرسى درءا للفتنة والتطرف وحفاظا على سلامة الجو التربوى بالمؤسسات التعليمية". ورأت أن "وضع مقرر رسمى بين أيدى ناشئة المغرب، يتضمن تشويها وتحريفا لمقاصد الفلسفة الحقيقية، غير مقبول".
وترفض وزارة التربية والتعليم المغربية فكرة سحب الكتاب المعنى من السوق. ووصف أحد مسئولى الوزارة الجدل القائم بأنه "محاكمة للنوايا"، لافتا إلى أنه تمت قراءة المقطع "خارج السياق".
وفى محاولة لتهدئة الجدل، قالت الوزارة فى بيان أول نهاية ديسمبر إن منهاج التربية الإسلامية يستند إلى "مبدأ الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة، ويؤكد على تعزيز المشترك الإنسانى بالبعد الروحى الذى يعطى معنى للوجود الإنسانى".
اتساع الجدل
رغم تطمينات الوزارة اتسع الجدل ليشمل مدرسى مادة التربية الإسلامية الذين اعتبروا فى بيان أن "الفلسفة التى أنكرها بعض الأئمة الفقهاء، كان يقصد بها الفلسفة الإلهية التى كانت أصولها ترجع إلى فلسفة أفلاطون الوجودية وهى تناقض فى أساسها عقيدة الإسلام فى التوحيد".
وبعد أن أكدت الجمعية أن لا عداوة لها مع مدرسى الفلسفة، استنكرت مضامين الكتاب باعتبار أن واضعيه "جاؤوا بنصوص فوق مستوى المتعلمين وركزوا فى مفهوم الفلسفة على الوجه القديم لها، ولم يتفاعلوا مع مفهومها الحديث".
وأضافت الجمعية أن "الخلاصة التى جاءت فى الدرس يفهم منها معارضة الفلسفة للإيمان وهو ما لا ينبغى أن يصل للتلميذ بهذا الشكل، لأنه خروج عن مقصود المنهاج من ذلك الدرس".
وفى بيان جديد الأربعاء وفى محاولة جديدة للتوضيح قالت وزارة التربية، إن "الخيارات التربوية المتعلقة بالمنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية تسعى إلى ترسيخ الوسطية والإعتدال ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة وتعزيز المشترك الإنسانى بالبعد الروحي".
إختراق الإيديولوجية الوهابية
رغم محاولات التهدئة واعتراف أساتذة التربية الإسلامية بخروج الدرس عن المقاصد التى كانت مرسومة له فى هذا الجزء من الكتاب، يرى عبد الكريم سفير رئيس الجمعية المغربية لمدرسى مادة الفلسفة أن "نفس الإيديولوجية الوهابية يخترق كتب التربية الإسلامية فى المستويات الثلاث للبكالوريا".
وقال سفير أن "تفسيرات وزارة التربية غير كافية لأن المشكل أكبر من مجرد اقتباس وارد فى كتاب"، مضيفا أنه "بدلا من تلقين التلاميذ الإنتاج الفلسفى الحديث نقوم بالحط من قيمته".
وبحسب رئيس هذه الجمعية فإن "ما كان منتظرا من الإصلاح مثلا (هو) أن يتم تغيير اسم التربية الإسلامية إلى التربية الدينية، لكن لم يحصل أى تطور حيث ما زالت الكتب تحدث عن "الكفرة" وما زلنا نخبر التلاميذ أن الإسلام أحسن ديانة فى العالم".
فى المقابل، يستنكر فؤاد شفيقى مدير البرامج المدرسية فى وزارة التعليم المغربية الحديث عن "نفس للإيديولوجية الوهابية يخترق" كتب التربية الاسلامية. وأضاف متحديا اساتذة الفلسفة "فليثبتوا كلامهم!".
ويؤكد شفيقى لوكالة فرانس برس أن "هدفنا على عكس ما يقال هو الترويج لمبادئ التسامح والاعتراف بالآخر، والتنوع". وقال إن الوزارة "عمدت الى إعادة صياغة شاملة للكتب"، موضحا أن "المراجعة شملت 29 كتابا من طرف فرق وخبراء خارجيين طيلة سبعة أشهر".
ويضيف شفيقى "فوجئنا ببيان جمعية مدرسى الفلسفة الذى تضمن فقرات عنيفة جدا (...) وانتقد اقتباسا تاريخيا خارج سياقه التربوى"، موضحا أن الهدف كان "خلق نقاش داخل القسم" و"عرض مواقف أخرى تصالح الفلسفة مع الإيمان".
وأكد هذا المسئول المغربى فى الأخير أن "الفلسفة تحتل مكانة هامة فى التعليم المغربى، لأنها تطور التفكير النقدى ولا أحد سعى أراد استهداف هذه المادة". وأضاف أنه "اذا كان لا بد من نقاش فى الموضوع فلا بد أن يكون بيداجوجيا (تربويا) وليس سياسيا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة