الدكتور عصام عبد الصمد، الطبيب المصرى الذى تولى متابعة حالة الفنانة سعاد حسنى فى آخر سنواتها فى لندن، وهو عميد الجالية المصرية فى لندن واشتهر كطبيب تخدير دولى، يقدم خدمات بلا حدود للمصريين فى بريطانيا وأوروبا، ولم يكن يعرف سعاد حسنى قبل قدومها للندن، لكنه تفاعل مع حالتها الصحية فى أول الأمر ثم تحول إلى صديق لها، وأصبحت جزءاً من أسرته، لذا تفاعلت معه وروت له العديد من أسرارها، وكان شاهد عيان على حياتها خاصة أيامها الأخيرة، وكانت وصية سعاد حسنى له أن يكتب كتابا عنها فى حالة وفاتها قبله ولبى لها هذا الطلب فأصدر كتاب "سعاد حسنى.. بعيداً عن الوطن.. ذكريات وحكايات".
وصف الدكتور عصام عبد الصمد يوما فى حياة سعاد حسنى فى لندن على النحو التالى: كانت سعاد عادة تصحو من نومها متأخرة لأنها تذهب للنوم متأخرة، وعندما تصحو من النوم كانت تقوم بعمل فنجان قهوة مسبك كما كانت تقول، وكانت تصحو من نومها مبكرة فى حالة واحدة فقط، وهى وجود مواعيد طبية فى الصباح، وكانت لا تحب ذلك، وعليه كنت أحاول دائماً عمل المواعيد الطبية لها بعد الساعة الثانية ظهراً، وبعد تناول القهوة كانت سعاد تعد لنفسها إفطاراً خفيفاً، ثم تذهب بعد ذلك إلى السوبر ماركت للتسوق والذى يقع أمام مسكنها. وبعد الرجوع من السوبر ماركت كانت تقوم بإعداد نفسها للخروج للمواعيد الطبية عندما يكون هناك أى مواعيد، أو تقوم بإعداد وجبة الغذاء وهى عادة تكون وجبة غذاء متأخرة أيضا، وكانت سعاد طباخة ماهرة جداً تجرب كل أنواع المأكولات، ولكن كانت "محسوكة" كما كنت أقول لها. ثم بعد ذلك تبدأ فى القراءة، حيث كانت مغرمة جداً بها، كانت تقرأ فى كل شىء، فى السياسة والأدب والفن والأشعار حتى الطب خاصة الطب النفسى، كانت تقرأ أيضاً سيناريوهات، وكانت تقرأ كل المجلات والجرائد العربية، وكانت متابعة الحركة الفنية فى مصر. وعند قدوم الليل كانت تقوم بعمل رياضتها المفضلة وهى المشى أو الذهاب فى زيارة أحد الأصدقاء أو الذهاب إلى شارع كوينزاوى (Queens way) أو شارع إدجوار رود (EDGWARW ROAD) للتسوق أو تذهب إلى المسرح مع أحد الأصدقاء المقربين لها، وكانت سعاد تحب المسرح جداً مع أنها لم تشتغل به إطلاقاً.
عند رجوعها إلى المنزل فى المساء كانت تأخذ عشاء خفيفا إن لم تكن قد أخذت وجبة العشاء فى الخارج، ثم تبدأ فى عمل سلسلة من التليفونات، حيث كانت تعد "لستة" من الأشخاص الذين ستقوم بالاتصال بهم وتأخذهم واحدا بعد الآخر، وعادة تختم فاصل التليفونات هذا بمكالمتها لزوجها ماهر عواد.
وكانت أيضا تتلقى بعض المكالمات من أصدقائها فى إنجلترا أو خارجها. وكانت هذه التليفونات قليلة لقلة الذين كانوا يعرفون رقم تليفونها، وكانت السيدات سامية جاهين، وبهيجة جاهين، وإنعام سالوسة، وإسعاد يونس، والأستاذ محمود حميدة على اتصال دائم بها، هذا بجانب بعض من أفراد عائلتها مثل أختها نجاة، وزوجها ماهر عواد، وآخرين من أفراد العائلة، وبعد أن تنتهى من تليفوناتها كانت ترجع مرة أخرى إلى قراءة الجرائد والمجلات المصرية والعربية أو مشاهدة التليفزيون، حيث كانت تشاهد كل القنوات الفضائية مثل "الفضائية المصرية الأولى والثانية" وقناة تونس والقنوات الفضائية اللبنانية، وقناة الأخبار العربية ANN، والقنوات الفضائية دبى، وأبو ظبى. وكانت القنوات المفضلة عندها هى "مجموعة راديو وتليفزيون العرب ART، وكانت القراءة ومشاهدة التليفزيون تأخذ جزءا كبير جداً من الليل، ولذلك كانت تخلد للنوم فى ساعة متأخرة من كل ليلة لتصحو فى الصباح فى ساعاته المتأخرة لتبدأ حياتها من جديد مع يوم جديد.
كما وصف حالتها المرضية على النحو التالى:
1- مرضت بالاكتئاب من مدة طويلة منذ أكثر من 15 سنة، وكانت أسباب المرض متعددة منها عدم نجاح آخر فيلمين لها (علمت بعد ذلك أنهما فيلم "الدرجة الثالثة" وفيلم "الراعى والنساء")، وسبب آخر هو وفاة الأب الروحى لها الأستاذ صلاح جاهين، والسبب الثالث هو إصابتها بشلل بسيط فى وجهها، وكانت تأخذ أدوية الاكتئاب بانتظام، ولكن بعد أن تعرفت عليها أكثر اكتشفت أنها مصابة بمرض الاكتئاب منذ مدة أطول من ذلك بكثير هذا لحرمانها من حنان الأب، وكانت تعالج من هذا المرض اللعين وهى فى مصر ولفترات طويلة على يد بعض من أساتذة طب الأمراض النفسية أمثال الدكاترة "أحمد فايق"، و"صالح حزين"، و"مصطفى زيور"، الذى كانت تعتبره أبا لها. وعرفت عنها أيضا أنها كانت لا تحب النوم الكثير وكانت شديدة الأرق لأنه كانت تأتيها أحلام مزعجة وكوابيس.
2- مشكلة ظهرها، بدأت منذ نهاية الثمانينات حيث كانت تعانى من تآكل فى فقرتين فى العمود الفقرى وهما: فقرة القطن الأخيرة، وفقرة العجز الأولى. هذا وقد بدأت الآلام تتزايد عليها حين كانت تمثل فيلمها الأخير (عرفت لاحقاً أنه "الراعى والنساء") وتحاملت على نفسها حتى لا تتسبب فى إحراج زوجها السابق المخرج "على بدرخان"، لأنه كان مخرج ومنتج الفيلم، المهم بعد انتهاء التصوير سافرت إلى مرسيليا فى فرنسا سنة 1992 وأجريت لها العملية هناك، على يد الجراح الفرنسى البروفسور "رينيه لوى" فى مستشفى "دى لاكونسيبسيون"، وكانت العملية عبارة عن تثبيت الفقرتين بصفيحة معدنية وعدة مسامير، وكانت نتائجها جيدة.
ولكن بعد فترة وعندما دخلت سعاد فى الخمسينيات من العمر بدأت كأى امرأة مصرية فى هذا السن يزداد وزنها، ومع زيادة الوزن بدأت الصفيحة فى الالتواء الذى كان من نتيجته آلام شديدة لدرجة أنها لا تستطيع المشى أو الجلوس لمدة طويلة، وكانت تتكئ عند جلوسها على كوعها حتى ترفع جسمها عن ظهرها وكانت دائماً تسمى كوعها بأنه ظهرها.
3- أما موضوع الأسنان، فظهرت مشكلتها أخيراً ومنذ سنوات قليلة، لذلك ذهبت للدكتور هشام العيسوى للعلاج.
4- مشكلة الوجه، كانت سعاد قد أصيبت بشلل فيروسى مؤقت فى العصب السابع المغذى لنصف الوجه الأيمن، وهذا المرض بسيط وعادةً يشفى المريض منه فى حدود من 3 إلى 6 شهور، وهناك نسبة قليلة لا يشفى المريض شفاءً كامل، وكانت سعاد للأسف من ضمن هذه النسبة، حيث إن المرض ترك ما يشبه الشلل البسيط فى أماكن متفرقة من الوجه من الناحية اليمنى وقد أثر ذلك على حالتها النفسية بدرجة كبيرة.
5- كانت سعاد ممتلئة الجسم قليلاً وكانت تحتاج لعمل نظام غذائى صحى على يد متخصصين، وكان كل تفكيرها أن تذهب للعلاج من زيادة الوزن فى إحدى المصحات (Health Farm) المتخصصة فى ذلك.
حاول عصام عبد الصمد أن يقدم سيرة ذاتية من واقع ما روته سعاد حسنى له، بدقة لكن أكد فى كتابه أنها تزوجت الفنان عبد الحليم حافظ بعقد زواج عرفى، وذكرت أن سبب إخفاء هذا الزواج كما يلى: "أنا خبيتها عشان دى كانت رغبة عبد الحليم نفسه، احنا كنا متزوجين عرفى، وأنا ماكنش عندى مانع أن الزواج يعلن لكن عبد الحليم يا سيدى طلب السرية التامة خوفاً على معجباته وأنا كنت متغاظة قوى من الموضوع ده وبعدين علشان أبرد نارى قلت له ده أحسن لى أنا كمان خوفاً على المعجبين بتوعى، ومفيش حد أحسن من حد".
كانت سعاد حسنى قبل وفاتها فى حالة صحية جيدة إذ نجحت فى رأى الدكتور عصام عبد الصمد خطة علاجها، بما فيها علاجها من الاكتئاب الذى ظلت تعانى منه لسنوات، لكن أطرف ما فى الكتاب هو تلقائية مؤلفه، وإن كان كرر العديد من المعلومات، فقد كشف عن أن صلاح جاهين لعب دور الأب لسعاد حسنى حتى أنه كان مرجعها فى شئونها، واعتبرته مفجر موهبتها الفنية، وارتبطت بأسرته خاصة زوجته وابنته بعلاقة خاصة، واعتبرت زواجها من على بدرخان أنجح زيجاتها، إذا استمرت هذه الزيجة 11 عاماً، وارتبطت بزوجها الأخير ماهر عواد بشدة.
كانت سعاد حسنى تقرأ ثلاثة أعمال لتمثيلها حال عودتها لمصر هى:-
السيناريو الأول: اسمه "الفارس والأميرة" وهو كان فيلم رسوم متحركة قصة وسيناريو وحوار بشير الديك، وإخراج محمد حسيب. وكان دورها فى هذا الفيلم "فاطمة ولبنى" وهو دور صوت فقط بالطبع، وكان البطل أمامها الفنان "عمر الشريف" صوت فقط طبعاً. وعلمت أخيراً أن مشروع الفيلم رفض من عمر الشريف وسعاد توفت، ولذا أسندت الأدوار إلى أنغام ومدحت صالح. وعمل من الفيلم عشر دقائق فقط ولا أعلم باقى قصة الفيلم، وكان السيناريو مقدم من شركة السحر للرسوم المتحركة.
السيناريو الثانى: اسمه "هيرجادا سحر العشق" أو "الغردقة سحر العشق" وكان هذا الاسم المؤقت. قصة وسيناريو وحوار وإخراج صديق سعاد الحميم رأفت الميهى، وكان دورها فى الفيلم هو سارة، وكان السيناريو مقدم من شركة استوديو 13.
السيناريو الثالث: اسمه "اعترافات زوجية" قصة وسيناريو وحوار وإخراج رأفت الميهى، وكان دورها فى الفيلم هو الزوجة واسمها "سعاد"، ولى وقفه هنا عن الأستاذ الميهى الذى كان صديق وقريب جداً من سعاد، وكانت على اتصال دائم به حينما كانت فى رحلة المرض فى لندن، وكانا يتحادثان على التليفون باستمرار، وأتذكر هنا أنه قبل وفاتها بحوالى ستة أشهر حضر رأفت الميهى إلى لندن للتخفيف عن سعاد ومعرفة أخبارها على الواقع ومناقشتها فى السيناريوهين الخاصين به، ولكن للأسف لم تقابله إطلاقاً، وكانت على اتصال دائم به على التليفون مرة فى فترة الظهيرة، ومرة أخرى فى المساء. وفى بعض الأحوال كانت المكالمة تطول لأكثر من الساعة. وقالت له سأراك فقط بعد أن أشفى.
الكتاب حافل بالحكى ويسرد تفاصيل دقيقة فى حياة سندريلا السينما المصرية سعاد حسنى، لكن أروع ما فيه صدق مؤلفه فى كل وقائعه وتلقائيته حتى يمكن أن نعد الكتاب وثيقة لأنه ضم فقرات بخط يدها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة