برسم طائرة وجمل وكعبة على جدار بيت، يكتمل موسم الحج عند البسطاء فى قرى مصر، ما جعل الباحث فى الفنون الشعبية العالمية "أفون نيل" يصف تلك الحالة قائلا "أكثر حالات التعايش ديناميكية بين الدين والفن الشعبى".
الرسم الجدران والتى يمثل امتدادا طبيعا للحضارة المصرية القديمة التى كانت توثق حياتها بالرسم على جدران المعابد، أصبح اليوم "مهددا بالانقراض" ويختفى رويدا رويدا عن أعين المصريين مخلفا وراءه كمًا هائلا من الزخم الشعبى حتى أن النحات العالمى "زوسر مرزوق" أطلق عليه "نوستالجيا المصريين".
ويقول الشاعر مسعود شومان، رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية، إن الشعب المصرى بطبعه شعب احتفالى، لأنه طوال الوقت يحتفل ببعض المظاهر منها ما يطلق عليها طقوس العبور، منها الميلاد والحج، والأخير يعتبر طقس للعبور للتطهر من مرحلة لأخرى، على حد وصفه.
وأضاف "شومان" فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن النقش على الجدران قديم قدم المصريين القدماء، لكنه اختلف فقط باختلاف المناسبة، موضحا أن مناسك "التقديس" عن الأقباط فى الماضى كانت تشهد نفس نوعية الاحتفالات عن المسلمين.
وأكد "شومان" أنه نظرا لأهمية رحلة الحج كان المصريون حريصين على توثيق رحلة الحج، بداية من وسيلة المواصلات كالجمال وتطورها للسفن وأخيرا الطائرات إضافة للكعبة، مشيرا إلى أن ذلك كان ضمن فلكور شعبى معروف للحجاج، يسمى "حنون الحجاج"، وكانت تصاحبه بعض الأغانى والأناشيد الكبرى.
وتابع "مسعود شومان" أن العديد من المظاهر الشعبية الاحتفالية اختفت بمرور الزمن، كـ"حنون الحجاج، وزفة المحمل"، مشددا على أن الرسوم على الجدران سوف تبقى طالما أن الجماعة الشعبية قادرة على التعبير عن نفسها بالرسم على الجدران.
من جانبه أكد النحات والفنان العالمى زوسر مرزوق أن الرسوم على الجدران شىء فى وجدان المصريين منذ الفراعنة، ولما يمثله الحج من شعائر مقدسة، وأصبحت الرسوم على الجدران مرتبطة بتلك المناسك.
وأكد "مرزوق" فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن الرسوم على الجدران فى موسم الحج انتشرت فى مصر، أثناء فترة عمل كسوة الكعبة فى مصر، والتى كانت يقام لها احتفال كبير يسمى "يوم المحمل"، كما أن لقب حج كان ذو قيمة، وكان للرسوم على الجدران بمثابة تعبير أو إعلان عن قيام صاحب "المنزل" بتلك المناسك كنوع من "التباهى"، كما أن له جانبا توثيقيا لمراحل الحج المختلفة، خصوصا أنه فى الماضى كان يعانى الحاج الأمرين لصعوبة السفر وأداء المناسك.
وأكد "زوسر مرزوق" أنه من قبل أقيم العديد من المعارض الخاصة بالرسوم الجدارية فى موسم الحج، من نوعية المعارض المصورة، مشددا على أن الرسوم الجدارية كانت ملهمة لفنانين عدة كان يستوحون أعمالهم منهم "يوسف سيدا، على الدسوقى، وعبد الهادى الجزار ، راغب عياد".
ومن جانبه قال سيد عبد الله خطاط شعبى بمنطقة إمبابة، إن ذلك النوع من الفنون لا تزال موجودة لكن بشكل قليل، ولا تزال له روحه الخاصة خصوصا بالمناطق الشعبية والعشوائية، على حد وصفه، مشددا على أن التكنولوجيا وشغل "البنرات" أثر كثيرا على اختفائها، مشددا أن مع مرور الزمن ستختفى تماما.
وأضاف "عبد الله" فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن رسومات العكبة والطائرة، تعتبر أساسية فى كل الرسومات وله شعبية نظرا لأنها تمثل وسيلة المواصلات – الطائرة- ورمز للشعائر – الكعبة، موضحا أنه يستخدم العديد من الألوان، لكنه يتوقف على طبيعة المكان و"الزبون"، على حد وصفه، موضحا "ممكن استخدام ألوان وزيت وممكن بلاستيك، كله متوقف على طبيعة المكان وإمكانيات الزبون وطلباته".
يذكر أن لـ"أفون نيل" المتخصص فى الفنون الشعبية العالمية كتاب "رسومات الحج: فن التعبير الشعبى المصرى عن الرحلة المقدسة" يقول فيه "لا يقطع المسافرون داخل مصر مسافات طويلة دون أن يصادفوا فى طريقهم منازل تغطى جدرانها برسوماتها بسيطة غاية فى الإبداع، وتزينها خطوط لكتابات عربية غالية فى الإتقان، هذه هى منازل الحجاج أو مساكن الأتقياء من المسلمين الذين سافروا إلى مكة المكرمة، الأعداد الكبيرة من هذه الدور تزين سنويا بالصور المرسومة احتفاء بعودة الحجاج، وهذه اللوحات لا تعد من قبيل التذكير بالرحلة المقدسة فقط، بل تعكس نماذج ملونة من فن الرسم الشعبى الحديث الأكثر شهرة فى عموم محافظات مصر كلها».
وقد عمد "نيل" إلى شرح الرسومات التى ضمها الكتاب بأسلوب بسيط وبليغ دون أن ينسى الإشارة الى أسماء الفنانين الذين أبدعوها والذى خصص لهم الكتاب فصلاً من فصوله، يكتب شارحاً أحد الرسومات "هذا الرسم الذى يبدو فيه وجه الحاج مُفعماً بالرضا والحبور ويعكس جوهر المسلم الذى يتوجه أثناء صلاته خمس مرات ناحية بيت الله المغطى فى الصورة بالستائر داكنة اللون، لذلك يعد الفنان مالك زعيم فنانى رسم لوحات الحج فوق واجهات البيوت، بسبب إحساسه المرهف عندما يقوم بالتصميم، وأيضاً بسبب خيوطه الانسيابية وعنايته برسوماته وأسلوبه المبتكر فى التعبير عن خيالاته». قدم للكتاب روبرت ايه فيرنا الأستاذ بجامعة تكساس بولاية ايستون، الذى أشار إلى أن رحلة الحج إلى مكة تعد «من أعظم التجارب فى حياة المسلم، لأنها تعتبر إنجازا لشعيرة تحض عليها آيات القرآن الكريم، بشرط ألا يترتب على القيام بها مصاعب أو مضار تنعكس سلبا على أسرة الفرد الذى عزم على القيام بها، لهذا يقوم غالبية المسلمين برحلتهم هذه فى أواخر سنوات عمرهم، عندما تكون ظروف الأسرة المالية قد أصبحت يسرا، واستقرارا، وأمنا، وبالنسبة للسيدات، عندما يكون الأولاد قد أضحوا أكثر استقلالية فى حياتهم عن أمهاتهم»
يذكر أن عددا من رسامى "الجرافيتى" أطلقوا فى يوليو الماضى، حملة على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، لرصد وجمع الرسومات الموجودة على جدران منازل الفلاحين فى ربوع مصر، خشية اندثارها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة