حينما بدأت حملتى حول مفهوم الإيجابية على صفحات الشبكة العنكبوتية، أدركت حينها فقط أن معظم الناس لا تعى المفهوم الحقيقى للإيجابية، وأن معظم الناس ترى أن مفهوم الإيجابية هو مفهوم مثالى، لا يمكن الوصول له وأنه مجرد كلام نظرى لا يمت للواقع الحقيقى بصلة.
الإيجابية لا تعنى مطلقا أن يخدع الإنسان نفسه فيقول إن الدنيا كلها ربيع وان الجو بديع، وإن الألوان فى هذه الحياة كلها ليست سوى تدرجات عن اللون الوردى، هذا ضرب من ضروب الحماقة، بل رمى بالنفس إلى التهلكة. الإيجابية بمعناها الحقيقى والعملى هى ان يكون الإنسان مدركا تمام الادراك ما يحدث من حوله، وان يدرك شكل المشاكل والمعوقات وحجمها ومصادرها، ويدرك ان فى هذا الواقع الكثير من المصائب التى قد تصل إلى حد الكوارث، وان كثيرا من الناس سيواجهون تحديات وصعوبات فى هذه الحياة، وانهم قد يخفقون فيها ويصابون ويتألمون، وان هذا كله من سنن الله الماضية التى ستستمر حتى قيام الساعة. الإيجابية تعنى ان يدرك الإنسان هذا كله مؤمنا ألا مفر من وقوعه، ولكن أن يقبل فى ذات الوقت على مواجهته متسلحا بالعزيمة المرتفعة والهمة العالية، وقبل ذلك الايمان بالله سبحانه وتعالى.
الإيجابية الحقة تعنى ان يثق الإنسان ان الامور مهما كان شكلها اليوم ومهما بلغت درجة تعقيدها وإيلامها سائرة إلى الاحسن بإذن الله تعالى، وعلى الإنسان ان يتذكر كم من المصائب والجراح والمشاكل قد مرت على البشر منذ فجر التاريخ، وكيف أنها سرعان ما انقضت، سواء طال عمرها أو قصر. الإيجابية الحقة تعنى ان على الإنسان عند مواجهته لتلك المعوقات والفشل ان يفكر بالدروس الخفية والحلول المحتملة والثمرات المستخلصة منها، فيأخذها ويجعلها بذورا لمحاولات الغد السائرة به نحو النجاح، لا ان يجلس طوال الوقت يجتر مفردات المشكلة وتعقيداتها وآلامها، ويرفض حتى مجرد التفكير ان هنالك حلا ما يجب البحث عنه، كمن يلف حبلا حول عنقه ليخنق نفسه، وليس فى هذا القول أى دعوة بأنه لا يصح للإنسان ان يحزن مطلقا، أو ان يتألم فيمارس طبيعته البشرية لبعض الوقت، بل العكس تماما، ان من مكملات الإيجابية ان يعى الإنسان حاجته النفسية لممارسة ضعفه البشرى وانكساره النفسى فى أوقات معينة تكون له كإستراحة المحارب، يعود بها أقوى شكيمة وأصلب عودا. ان الإيجابية ليست أمرا محصورا بأناس بعينهم، بل هى طبيعة وعادة يمكن التطبع بها، وكما قال النبى الهادى البشير: " العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم. ", لذلك فعلى الإنسان ان يدرك أهمية ان يصبح ايجابيا متفائلا وان لايقع فريسة الاحباط والاكتئاب، بل يجب ان يصادق الايجابيين، ويرتاد المجالس الإيجابية ويتابع الأخبار الإيجابية ويقرأ الكتب الايجابية، وان يبتعد فى المقابل عن كل ما يرتبط بالسلبية والتشاؤم. عزيزى القارئ، هذا ليس كلاما إنشائيا، بل هو ما نراه بأعيننا، وما أثبتته تجارب الناجحين عبر الأزمنة والعصور فى مختلف بقاع الدنيا، ولو تصفحنا سير هؤلاء فنادرا ما سنجد منهم من واتاه النجاح من المرة الاولى، بل ان أغلبهم أخفق وأخفق يصل إلى ما يريد، ثابر وعمل حتى ذاق حلاوة طعم النجاح الذى ليس له مثيل. علينا جميعا ان نحاول فهم المفهوم الحقيقى للإيجابية، وإننا من نتحكم فى كوننا ايجابين ام لا. السبب الأهم الذى يحتم علينا ذلك هو علم الطاقة، ذلك العلم الذى يبحث فى كيفية سريان الطاقة من والى الأجسام، فعند مجالسة اشخاص سلبيين فأنت بذلك تحول سريان الطاقة، مما يؤثر عليك سلبيا، فبعد انتهاء نقاشك مع صديقك المكتئب والمتشائم دائما، حتما ستشعر ان العالم من حولك اسود، وستشعر بالعصبية والحزن. مما سيؤثر بالسلب على علاقتك بمن حولك، فهى عجلة مترابطة تدور ف فلك واحد. حاول ابعاد نفسك دائما عن مصادر الحزن والتشاؤم، واصنع لنفسك عالما خاصا بك يتزين بالسعادة والايمان بالله وبنفسك، والثقة ان الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا ليعذبنا، بل ثق بأنه يدخر لك الافضل دائما. ليس من السهل ان تمحى كل الامور السيئة من حياتك، ولكن من السهل المحاولة فبداية المطر قطرة!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة