فرق كبير بين البصر والبصيرة، والنشطاء والمعارضين، فى بلدى قادرون جيدا على رؤية كافة الأشياء، قادرون على رؤية الإنجازات الحادثة على أرض الواقع، هم يرون جيدا شبكة طرق كانوا يشكون من إهمالها، وقد أصبحت حاضرة وتضاهى شبكات الطرق العالمية، التى كانوا يعايرون المصريين بها، هم يرون إنجازا فى مشروعات الصرف الصحى بالقرى المصرية، ويعلمون جيدا أن ماتم إنجازه فى مشروعات الصرف الصحى خلال عامين لم يحدث خلال السنوات العشرين الماضية، هم يشعرون بالتقدم، الذى حدث فى ملف الطاقة، ويعيشون فى نعيم كهرباء لا تنقطع بعد شكاوى كثيرة من انقطاع الكهرباء فى السنوات الماضية، وهم ينظرون حولهم فى سوريا وليبيا ويشاهدون فوضى ودماء ولاجئين، ولكنهم لا يعترفون بأن تحقيق الاستقرار والأمن إنجاز فى حد ذاته، وسط ظروف منطقة مضطربة ومتأزمة، هم يرون أنفاقا تربط سيناء بالوطن الأم بعد سنوات من البكاء والتمنى بأن يحدث ذلك، هم يعلمون الآن أن حجر أساس تنمية قناة السويس ومحورها أصبح واقعا، رغم أنهم عاشوا سنوات من الدعاء بأن يجعل الله هذا الحلم حقيقة.
بصر النشطاء والمعارضة فى مصر لا يمنعهم من رؤية كافة هذه الأشياء التى تحدث على أرض الواقع، ولكن بصيرتهم تمنعهم من الاعتراف بها، والبصيرة محلها القلب، وقلوب هؤلاء مغلفة بالمصلحة وخصومتهم مع السلطة غير شريفة لأنها تقفز من مرحلة المنافسة والاعتراض السياسى إلى مرحلة الانتقام من الوطن ذاته.
تحدثهم عن وطن يعانى أزمات عصر تباطأت فيه معدلات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى نهاية زمن مبارك، وعصر انهار فيه كل شىء بسبب فوضى واضطراب ما بعد الثورة، ويحدثونك هم عن أداء مثالى ورفض لأى خطأ وعثرة، رغم أنهم هم- أى النشطاء والمعارضة- أكثر من تعثروا وأخطأوا فى سنوات مابعد الثورة، هم أكثر الناس تقديما للوعود وأكثر الناس تهربا من تنفيذها.
يتكلمون كثيرا عن فشل الوزير الفلانى أو خطأ المسؤول العلانى، وإن سألتهم عن خطأ البرادعى، الذى أسس حزبا وانهار قبل أن يكمل عامه الأول، وعن أخطاء ممدوح حمزة، الذى يتحدث كثيرا ولا يفعل، وعن جرائم الإخوان الذين يتوعدون مصر بالانتقام والنار حتى الآن يصمتون وكأن الخرس أكل ألسنتهم.
يملأون الدنيا ضجيجا وصخبا حينما تنشر مجلة بريطانية تقريرا عن انهيار الاقتصاد المصرى، ولكنهم يصمتون تمامًا حينما تخرج مؤسسة موديز للتصنيف الائتمانى بتقرير يؤكد أن الاقتصاد المصرى فى وضع مستقر ومبشر.
يملأون الدنيا صخبا حينما يسقط وزير فى فخ الخطأ أو التصريح غير الدقيق، بينما يصبحون من أهل بنها فجأة حينما يسقط أحدهم فى نفس الفخ، فخ الخطأ والتحريض ونشر شائعات وأخبار مغلوطة عن مصر دون تقديم أى اعتذار أو توضيح عما ارتكبه من خطأ.
النشطاء والمعارضة فى مصر يطالبون الكل بعدم التخوين ولكنهم يمنحون أنفسهم حق تخوين الجميع واتهام المخالف معهم بالعمالة وطعنه فى شرفه المالى والأخلاقى، إن لزم الأمر، هم مصابون بارتباك يمكن وصفه بهوس التحكم فى كل شىء، هوس الظهور الدائم فى بؤرة الإثارة والاهتمام، لذا تبدو كافة أحكامهم دوما خاضعة لشىء آخر غير مصلحة هذا الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة