نقلا عن العدد اليومى...
على هامش معركة الجنيه والدولار، والسلع الاستهلاكية الاستفزازية، تجد كارثة لا يراها كثيرون، مجالات وشخصيات ومهن فى طريقها للانقراض، يعانى أصحابها من قلة العمل رغم جهود الدولة فى إحياء الصناعات المحلية والعمل على تحقيق شعار «صنع فى مصر» حتى نصل لمرحلة تصدير منتجاتنا للخارج.
«اليوم السابع» فى هذا الملف رصد أحوال 7 من الحرف والصناعات الصغيرة التى تعانى من أزمات كثيرة فى الفترة الماضية لدرجة أنها باتت مهددة بالزوال، نظرًا لامتناع الكثير من اصحابها عن العمل بها، وهى حرف الأرابيسك والنحاس والفضة والخيامية والجلود والفخار والتماثيل، والتى يطالب العاملون فيها الدولة بأن توجه إليها مزيدا من الجهود بهدف الارتقاء بها وحل مشاكلها.
«الفخار».. طين يشكو عطش الزبائن..«الصوان» يطالب الدولة بإنقاذ الصناعة من الموت وضبط سوق الخامات
منذ سنوات قبل الميلاد بدأت صناعة الفخار على أيدى قدماء المصريين الذين استغلوا قربهم من نهر النيل وطوعوا طميه فى صناعة الأوانى الفخارية، التى استخدموها فى حياتهم اليومية.
رغم انتهاء الحضارة الفرعونية إلا أن صناعة الفخار ظلت موروثا مصريا بين أبناء العائلات التى احبت الطين وخصصت وقتها لتطويعه فى صورة أشكال متعددة، وحتى نهاية الثمانينيات كانت صناعة الفخار تلقى رواجاً فى الأسواق المصرية، وتعبر الحدود من خلال السائحين من مختلف الجنسيات الأوروبية، لكن الصناعة تمر خلال السنوات الحالية بمراحل تعثر أدت إلى ركود كبير فى سوق «الفخار».
ويقول خالد الهوان أحد المعلمين «الصناعة مريضة لكنها لم تمت ففى الوقت الذى تقول فيه الدولة أنها تساعد الصناعات الصغيرة تسمح بدخول شغل صينى إلى الأسواق المصرية يهدد وجود الصناعة»، بهذه العبارات تابع الصوان حديثه قائلاً «نطور صنعتنا إزاى والحكومة تغلى علينا فواتير الكهرباء وتعاملنا معاملة الشركات الكبرى، وعندما تدعونا الدولة لحضور المعارض لعرض منتجاتنا يكون مطلوبا منا مبالغ كبيرة لا نعرف من أين نأتى بها، ونفترض أنى اقترضت من أحد الأصدقاء لا أعرف ما إن كنت سأبيع أم لا».
«عايز الحكومة تيجى تشوفنا، عايزين وزارة الصناعة تسمع لشكوانا».
«الخيامة».. السياحة هدمتها على رأس صناعها..50 حرفيا فقط متمسكون بالصنعة.. ومطالبهم تسويق منتجاتهم
عرف المصريون صناعة الخيام منذ أيام الدولة الفاطمية، تطورت الصناعة فى العهد الحديث حتى وصلت إلى رسم لوحات من القماش عليها نقش عربى قديم، كما دخلت الطباعة إلى جزء منها فطبع صناع الخيام رسومات ثابتة تميز الأقمشة المحيطة بالمآتم والأفراح فى مصر خلال العصر الحالى. قلم رصاص يدوس به على نقاط حددها الفحم بعد رسم النقش المطلوب على ورق ثم تحديده بالثقوب وتمرير غبار الفحم فوقه، من نقطة إلى نقطة يمر قلم سيد المصرى أحد صناع الخيام، وعن سر تعلقه بالمهنة قال المصرى: حبيت المهنة وأشتغلتها من 10 سنين بالرغم من إنى بكالوريوس تجارة، وأغوتنى لأن التكنوجيا لم تقدر حتى الآن أن تغلب صنعتى ولم تنجح فى الوصول لجودة عمل تضاهى ما أقوم به». «القطعة الواحدة تأخذ فى يدى من أسبوع لأسبوع ونصف وخاماتى كلها مصرية 100%» بهذه العبارة تابع المصرى حديثه قائلا: سوق الخامات كل مدى فى تدهور وهو ما يؤثر على الصناعة كلها، وصنعتنا معتمدة على السياحة.
على بعد خطوات محل آخر لصناع الخيام أو ما يعرفون بـ «الخيمية»، يقبع الحاج مصطفى صاحب إحدى الورش، وبسؤاله عن حال المهنة رد مؤكداً أن مشاكلهم مرتبطة بغياب الزبون وقلة التسويق لمنتجاتهم فى الخارج وتصديرها.
ويتابع بنبره يغلبها الحزن، قائلاً أنا أعمل فى هذه المهنة منذ 50 عاماً ورثتها أباً عن جد ومن تبقوا يعملون فى المهنة لا يتعدون 50 شخصا لكن لا أحد ينظر لمشاكلنا ولا أحد يقدر مجهودنا».
«الفضة».. تحتاج إلى «تلميع» المصريين أو الأجانب..ارتفاع أسعار الخام مشكلة.. وإقبال الأجانب يشجع على التصدير
لا يتذكر قطاع عريض من المصريين صناعة الفضة إلا فى مناسبات وفترات نادرة جداً، أغلبها أثناء شراء دبل الخطوبة ولا يتم الإقبال عليها رغم انخفاض سعرها مقابل الذهب، الذى يمتلك النصيب الأكبر فى اهتمامات الشعب المصرى.
ورغم عدم الاهتمام المصرى بالفضة إلا أن عالميًا أظهر تقرير نشره معهد الفضة منذ فترة أن الطلب على المعدن النفيس ارتفع إلى مستوى قياسى العام الماضى.
و هو الأمر الذى يمنحنا مؤشرا على أنه فى حالة الارتقاء بحرفة الفضة، وقتها يمكن تصدير هذه المنتجات إلى الخارج.
فى إحدى ورش خان الخليلى ألتقت «اليوم السابع» بسمير محمد، والذى يمارس الصنعة منذ عام 1972، وقال إن هناك فروقا عديدة بين الماضى والحاضر، وعلى رأسها سعر الخامات التى ترتفع أكثر من مرة، فقديمًا كان كيلو الفضة 500 جنيه، بينما الآن يصل إلى 7 آلاف جنيه.
وكشف عم سمير أن الإقبال فى الوقت الحالى اختفى تمامًا، لا يوجد عرب أو أجانب فى مصر حتى يشترون المنتجات المختلفة، على الرغم من شهرة منتجات الفضة المصرية بين الأجانب.
وأشار صانع الفضة إلى أن المنافسة على المستورد تقتصر على الشغل الإيطالى، مؤكدا أنه يوجد فى مصر قطع بجودة عالية ومبذولة بها جهد كبير لكنها تنتظر مشتريا، متمنيًا أن تنتقل ثقافة شراء الفضة إلى المصريين بدلا من الإقبال على الذهب فى ظل ارتفاع ثمنه.
«التماثيل».. صناعة تاريخية تتحدى الغزو الصينى..البديل المحلى يحتاج إلى دعم الورش الصغيرة
تُعانى صناعة التماثيل والمنقوشات الفرعونية العديد من الأزمات فى الوقت الراهن بداية من حالة الكساد المسيطرة على القطاع السياحى وصولا إلى غزو المنتجات الصينية للأسواق المصرية، مما دفع العديد من العاملين فى هذا المجال إلى تركه بحثًا عن فرص عمل آخرى تؤمن لهم مصدر رزق ثابت.
التجول فى منطقة خان الخليلى يكفى للتعرف على الحالة التى وصلت لها تلك الصناعة، ففى أحد البازارات يقف مصطفى الذى يعمل فى صناعة التماثيل الفرعونية منذ 16 عامًا تقريبًا، والذى يؤمن بأن الصانع المصرى أمهر من أى صانع فى العالم فى تلك المهنة، لكن الفارق الوحيد يكون فى الإمكانيات الموفرة لكل من المصرى ونظيره الأجنبى.
وأكد مصطفى صانع التماثيل أنه لا يؤيد وقف استيراد المنتجات الصينية مرة واحدة، وذلك قبل دعم الصناعة سواء من خلال مساعدة الورش الصغيرة التى يقولون أنها تحت «بير السلم»، إضافة إلى تقنين أوضاع العاملين فى تلك المهنة وإجبار أصحاب البازرات على التأمين عليهم، أو حتى توقيع عقود معهم، لافتًا إلى أنه يمكن فتح الباب أمام هؤلاء الشباب وإعطائهم قروض عن طريق وزارة الصناعة والتجارة.
وأشار مصطفى إلى أنه فى أحد الأعوام الماضية كانت هناك أحاديث عن غلق المنافذ أمام المنتجات الصينى مما تسبب فى رفع أسعار لدرجة أن القطعة المصرية التى كانت سعرها 16 جنيها تضاعف ثمنها، مضيفًا: «جميل أن يكون التركيز على الصناعة المصرية لكن لابد أن يكون بشكل صحيح من خلال التعرف على أوضاعه ودعم ما ينقصها».
وأضاف صانع التماثيل: «أكثر ما ينقص صناعة التماثيل فى مصر، فى وجهة نظرى الماكينات، التى يتم استيرادها من الخارج، لاسيما أن الخامات متوافرة فى مصر بل يتم تصديرها للخارج»، لافتًا إلى أن هناك مادة أو اثنتين هما اللاتى يتواجد بهم مشكلة مثل مادة الغابة ارتفع سعرها من 180 جنيها للصفيحة منذ سنوات حتى وصل إلى 480 جنيها منذ فترة».
وبالنسبة للمشاركة فى المعارض الدولية من أجل تنشيط حركة البيع فى الصناعة بعد كسادها بسبب انخفاض عدد السياح أكد عماد أن الشغل فى المعارض يمكن تسميته بـ«الحرق» بمعنى تحقيق أى نسبة من المكسب وحتى لو كانت ضئيلة لذا فهو غير مجدى بنسبة كبيرة مثلما يعتقد البعض.
وأشار الشاب العشرينى إلى أن صناعة التماثيل تحتاج إلى نزول المسؤولين إلى أرض الواقع للتعرف على أزماتها.
«الجلود».. صناعة أتلفتها نقل مدابغ سور مجرى العيون..أصحاب المدابغ: تصدير الجلود الخام أضر الصناعة والأفضل تصديرها مصنعة
«على المحك».. هو التوصيف الأفضل لصناعة الجلود فى مصر بسبب ما تشهده حاليًا من حالة عدم استقرار للأوضاع، خاصة أن العاملين ينتظرون المجهول بعد قرار نقل المدابغ من سور مجرى العيون فى منطقة مصر القديمة إلى منطقة الروبيكى الصناعية فى مدينة بدر فى ظل عدم وضوح الرؤية بالنسبة لأحوالهم فى المكان الجديد، إضافة إلى حديثهم عن غياب العوامل، التى ستساعدهم على تكوين بيئة عمل متكاملة الأركان.
ووفقًا للتقديرات المبدئية يعمل فى صناعة الجلود تقريبًا ما يفوق الـ 10 آلاف عامل وتضم أكثر من 1066 مصنعا وتُساهم بمليار ونصف مليار جنيهًا فى الدخل القومى إلا أن الأرقام السابقة باتت كلها مُهددة، نظرًا لاعتمادها على مدى صحة قرار نقل المدابغ إلى الروبيكى،.
فيما تحدث عماد الذى يعمل فى صناعة الجلود منذ سنوات طويلة عن أن بداية الانهيار فى تلك الصناعة بدأ منذ 15 عامًا مع فتح باب التصدير على مصراعيه، وتابع العامل فى صناعة الجلود: «من يُريد عمل مدبغة صغيرة مستوفية الشروط، لن يُكفيه أقل من 400 ألف جنيه لكنها فى الوقت نفسه لن تتمكن من منافسة الكبار لأنها ستعتمد على ماكينة «برميل قديم» سعته 60 جلداً، بينما المصانع تستخدم براميل حديثة سعتها تتعدى الـ 500 جلد وهو ما يتطلب من الدولة دعمنا بماكينات حديثة».
وأشار الشاب الثلاثينى إلى أن قرار نقل المدابغ غير واضح المعالم، نظرًا لأن الحديث حتى الآن عن أن الأماكن المتوافرة عبارة عن هناجر صفيح أى غير مناسب لصناعة الجلود، ثانيا بعد المدينة، وعدم توفير سكن للعمل، مضيفًا أن 90% من العمالة لن يذهبوا إلى مدينة بدر لأن الموضوع لن يكون مجزيا ماديًا على الإطلاق فاليومية تتراوح ما بين 60 إلى 80 جنيها على أفضل الحال فكم ستكون مصاريف المواصلات والأكل والشارب، إضافة إلى مواعيد الحضور والانصراف.
وأشار عماد إلى أن عملية نقل المدابغ ستكون للأماكن التى تمتلك أورقام، والسواد الأعظم هنا لا يملك أى أوراق نهائيًا، لذا لا يعرفون مصيرهم.
«النحاس».. بلا «صنايعية» أو مشترين..محسن أقدم النحاسين: لا يوجد جيل رابع للمهنة.. ونطالب بوقف هجوم المستورد
بسبب الضربات المتتالية التى تتلقاها، وآخرها ما يمر به قطاع السياحة المصرية منذ 6 سنوات تقريبًا، بدأت صناعة النحاس فى الزوال، إضافة إلى ندرة الملتحقين بتلك المهنة، نظرًا لصعوبة اعتبارها مصدر رزق دائمًا لطبيعتها الموسمية.
فى خان الخليلى، وبالتحديد «ربع السلحدار» توجد ورشة الحاج محسن أقدم الورش بالمنطقة والتى يعود تاريخها إلى عشرينيات القرن الماضى، وهناك التقت «اليوم السابع» بمحسن محمد محسن، رجل فى عقده الخامس يصنف «نحسه» على أنه الجيل الخامس من النحاسين، ويرى أن هذه الحرفة مهددة بالزوال بسبب عدم وجود جيل جديد فالجميع يلجأ إلى مهن وأعمال أخرى لاعتقادهم أن تلك المهنة لم تعد مجدية على المستوى المادى خاصة أن العمل فيها موسمى، ويرتبط بأحوال السياحة غير المنضبطة خصوصا فى السنوات الأخيرة.
«الأرابيسك».. مهنة تعيش على «السمعة»..صاحب ورشة فى خان الخليلى: الصناعة تحتاج إلى عودة ثقافة الستينيات
صناعة أو فن الأرابيسك من أقدم الفنون الإسلامية، الذى يمتد عمرها لأكثر من ألف عام، لكنها كغيرها من الصناعات الصغيرة عانت حالة من الكساد الشديد بسبب معاناة قطاع السياحة، خاصة أن نسبة الإقبال عليها تكون من السياح الأجانب والعرب، بينما تشكل الفئة المثقفة فى مصر الجزء الأقل فى الراغبين فى شرائها.
أيمن السيسى صاحب ورشة أرابيسك فى خان الخليلى يقول: «نواجه حالة الكساد فيما يتعلق بالسفر إلى المعارض الخارجية فى دول أوروبا وعرض القطع الكبيرة بسبب مصاريف الشحن وهو ما يضطرنا إلى السفر بالقطع الصغيرة فقط».
وحذر السيسى من انقراض تلك المهنة تمامًا بعد 3 أجيال قادمة، قائلا: «بداية من جيل أبنائى لا يوجد من يرغب فى الالتحاق بتلك المهنة، على عكس جيلى الذى توارثها عن أجداده وحاول الحفاظ عليها، لاسيما أن الإقبال على الأرابيسك لم يعد مثلما كان قديما والأمر يزداد سوءًا خلال الفترة القادمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة