- يبقى الجيش المصري ضامنا للاستقرار الوطني وقوة للتحديث تتسق دائما مع المثل الإسلامية
- ضعف الجيش التركي سياسيا تسبب في فشل أربعة انقلابات سابقة بالإضافة للتحرك الأخير
رصدت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أسباب فشل تدخل الجيش التركى الأخير فى الوقت الذى نجح فيه جيش مصر فى الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، تلبية للإرادة الشعبية.
وفى تقرير كتبه ستيفين كوك، الخبير الأمريكى فى الشأنين المصرى والتركى بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، كتب يقول إنه على مدار خمسين عاما من اللحظات الاستثنائية فى الشرق الأوسط، كان أكثر الأمور الجاذبة فيها صور المواطنين يحتشدون أمام الدبابات والمركبات العسكرية الأخرى، وكانت داخل تلك "الأيقونية" الناشئة لهذا العهد صور من بدايات شهر يوليو 2013 ، باحتفالات المصريين بخروج جيش بلادهم من ثكناته لعزل رئيس البلاد المنتخب محمد مرسي، وإنهاء تجربة الإخوان المسلمين في حكم طال تطلعهم إليه سنوات طويلة، واستعاد الجيش بتدخله الهيبة والنفوذ والسلطة في النظام السياسي المصري.
وقبل أيام نقلت وسائل الإعلام مشاهد مماثلة في شوارع اسطنبول وأنقرة؛ مع الفارق، فبدلا من الفرح، كان الأتراك غاضبين من سعي أفراد من الجيش سعى لعزل الرئيس رجب طيب أردوغان، وفشلت محاولة الانقلاب، وبدأت عملية تطهير، تركت القوات المسلحة التركية، في حالة من الفوضى.
فكيف نجح الضباط المصريون، فيما فشل فيه فصيل من الجيش التركي؟
يقول "ستيفن كوك" في مجلة "فورين أفيرز" إن الجواب يكمن في طبيعة كل من التدخلين، وموقف العالم من كل منهما.ويشير محللون إلى مجموعة متنوعة من الأسباب التقنية تفسر فشل محاولة الانقلاب، في تركيا، حيث لم يتمكن المتآمرون من اعتقال أردوغان، كما لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على الاتصالات، واستمر العمل بالمطارات، واستمر وزراء الحكومة في أماكنهم، أما في مصر، فقد نجح عبد الفتاح السيسي، كوزير للدفاع وقتها ـ في التعامل مع جميع هذه المهام بكفاءة
وخلافا لما حدث في تركيا، حيث ظهر رئيس الوزراء بن علي يلدريم خلال الساعة الأولى من نشر القوات، على شاشات التلفزيون ليعلن عدم مشروعية التحركات العسكرية، ويتعهد بمعاقبة المسؤولين، كان القادة المدنيين في مصر تحت الحراسة من اللحظة الأولى.
كما أظهر الضباط المصريون أيضا وحدة في الهدف على النقيض من القوات التركية التي كانت، منقسمة بشدة، ولم يكن هدفها معلوما للغالبية.
ويرى كوك أن هذه التفسيرات منطقية، ولكنها تغفل فارقا أعمق، وأكثر أهمية بين الجيش التركي ودوره في الحياة السياسية ونظيره المصرية. فطالما صور المراقبون الأكاديميون والصحفيون هيئة الأركان العامة التركية باعتبارها صاحبة النفوذ الكامل في البلاد.وكان القادة بارعون في ترهيب السياسيين، المطلوب امتثالهم لمطالب الجيش أو إزاحتهم عن السلطة.
الضعف السياسى للجيش التركى
وفي أواخر التسعينيات، ألمح بولنت أجاويد، الذي كان سيتولى منصب رئيس الوزراء إلى أن صلاحيته لتولي المنصب تستند في جزء منها على قدرته على كسب قبول الجيش.أما بالنسبة لمصر، فيعتقد المراقبون لكبار قادة مصر ودورهم في الحياة السياسية، أنهم تابعين نسبيا. ويرون أن إقالة الرئيس السابق حسني مبارك للمشير عبد الحليم أبو غزالة ـ صاحبة الشخصية الكاريزمية للغاية ـ في عام 1989 (وان كانت ازاحته جاءت في صورة ترقية) لحظة تم فيها حل مشكلة العلاقات المدنية العسكرية في مصر.وفي خلال السنوات العشر تقريبا التي سبقت الإطاحة بمبارك أوائل 2011، بدا صعود وزارة الداخلية في مصر.وبدأ المحللون المصريون والغربيون يعتقدون أن الهيمنة العسكرية التي بدأت مع جمال عبد الناصر والضباط الأحرار تفسح المجال لدولة بوليسية.
ويشكك كوك في دقة تقدير المراقبين لهيئة الأركان العامة التركي أو الجيش المصري، ويرى أن تصوير الجيش التركي على أنه كان قويا وأن نظيره المصري كان سلبيا، هو تصوير كاذب أيضا. ففي رأيه أن الجيش التركي ضعيف سياسيا منذ فترة طويلة، مما كان سببا في فشل أربعة انقلابات سابقة وفشل محاولة الانقلاب الأخيرة.
أما نجاح الجيش التركي في اسقاط حكومات أعوام 1960، 1971، 1980، و 1997، فيرجعه إلى تبرير كل هذه التدخلات بحماية الطابع الجمهوري للنظام السياسي المستند إلى مبادئ ، مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة.ففي عام 1960، كان رئيس الوزراء عدنان مندريس والحزب الديمقراطي الحاكم، وفقا للعسكريين الذين خلعوه، قد انحرف عن قيم المجتمع وقلل من شأن القوات المسلحة .وفي "انقلاب المذكرة" 1971 طالب القادة العسكريين المدنيين بتغيير أجزاء من الدستور الصادر بعد عام 1960، اعتبرتها هيئة الأركان العامة مغالية في الليبرالية.
وأمر المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في 12 سبتمبر 1980، وأدار البلاد ثلاث سنوات، بكتابة دستور جديد تماما، وعلى الرغم من أنه منح الأتراك مجموعة متنوعة من الحريات الشخصية، إلا أنه كان موجها نحو حماية الدولة التركية من الشعب، والسياسيين المدنيين الذين لا يمكن الوثوق بهم لإعلاء القيم الكمالية- العلمانية ، والجمهورية والقومية والدولانية، والإصلاحية، والشعبوية. في عام 1997، أجبر الضباط الحكومة على إقرار مجموعة من المطالب ـ تتعلق في المقام الأول بالعلمانية ـ ولكن لم يتم الوفاء بها.
وتحركت هيئة الأركان العامة، بمساعدة من منظمات المجتمع المدني والصحافة والشركات الكبيرة، والأكاديميين، والسياسيين، لاسقاط الحكومة.ومن ثم، يمكن للمرء أن يفهم سبب اعتقاد المراقبين أن الجيش التركي يمتلك كامل النفوذ، ولكن عليهم أن يتفهموا أيضا السبب في اعتقاد الجيش بضرورة هذه التدخلات . ومع مرور الوقت، تتزايد أعداد الأتراك الرافضين الالتزام بالسياسات التي يطالب بها الكماليون والجيش.
فإذا كان الضباط وحلفاؤهم من المدنيين نجحوا في ترسيخ الأفكار الكمالية وكأنها أمر طبيعي في أذهان الأتراك، لما كانت هناك حاجة لوضع ضباط في قيادة المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع، ومجلس التعليم العالي أو للمادة الدستورية التي تطالب الحكومة "إعطاء الأولوية" لتوصيات مجلس الأمن القومي الذي يهيمن عليه ضابط، ولم تكن هناك حاجة أيضا للتخلص من أربع حكومات على مدى أربعة عقود.
وبالمنطق العادي، لم يقتنع الأتراك بما تروج له هيئة الاركان العامة، لذلك اضطر الضباط إلى اجبار الجميع للامتثال. وبصرف النظر عن الأسلحة المتطورة والقوة التدميرية للجيش التركي، لا يكشف التدخل المتكرر في السياسة عن قوة، وإنما ضعف واضح على نحو ما. ولم يعد هناك معنى لدى معظم الناس لتدخل الجيش من أجل الكمالية، عقيدته الموجهة، ومنبع قوته المزعومة.
الجيش المصرى لم يكن بحاجة للتدخل فى العملية السياسية
وعلى النقيض من ذلك، لم تكن هناك حاجة لدى الجيش المصري، إلى التدخل علنا في النظام السياسي المصري، باستثناء عامي 2011 و 2013، والتخلي عن قوة الدعم الشعبي للضباط الذين لم يكن لهم ظهور غالبا خارج ثكناتهم ونواديهم، وليسوا مضطرين لذلك على عكس نظرائهم الأتراك. وظل دور الجيش في البلاد دون تغير في إطار النظام الحاكم، فمنذ إلى لحظة تكريس الضباط الأحرار سلطتهم في أبريل 1954، مع تمتعه باستثناءات ملحوظة، لا يجادل فيها أحد تقريبا.
فقد سارت الامور على النحو التالي: في عام 1952، أطاح الجيش سلالة حاكمة أجنبية وفاسدة. وبعد أربع سنوات، دافعت القوات المسلحة ببطولة عن استقلال لمصر عندما صدت العدوان الثلاثي الإسرائيلي، البريطاني، الفرنسي. وكانت الخسائر في شبه جزيرة سيناء في عام 1967 نتيجة العدوان الإسرائيلي. ونتيجة لبطولة جنود الجيش المصري في عبور قناة السويس في أكتوبر 1973، تمت استعادة الكرامة الوطنية المصرية، ثم الأرض المصرية بنجاح. ويبقى الجيش المصري ضامنا للاستقرار الوطني وقوة للتحديث تتسق دائما مع المثل الإسلامية.
ويخلص الكاتب إلى أن ترحيب المصريين من مختلف ألوان الطيف السياسي ومن أعلى وأسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي بتدخل الجيش الذي أطاح بمرسي، لا يكشف فحسب عن مقدار الكراهية للرئيس المعزول ولكن أيضا عن مدى عمق وتعقد الأساطير الإيجابية عن القوات المسلحة. ومن ثم، فإن السيسي وزملائه، يدركون انهم مازالوا يحتفظون بخزائن من الدعم، على الرغم من التدهور الأمني المصري، والاقتصاد المتعثر.
ويرى كوك أن عدم كفاءة مدبري الانقلاب في تركيا ربما تكون مذهلة، ولكن فشل انقلاب لم يكن مستغربا؛ حيث يعاني الجيش التركي ضعفا سياسيا منذ فترة طويلة تشهد عليه الانقلابات الأربعة السابقة والمحاولة الفاشلة مؤخرا.
موضوعات متعلقة..
- تركيا: لا يجب النظر فى عقوبة الإعدام على أساس رأى الاتحاد الأوروبى
- وزير خارجية تركيا: أمريكا عرضت تشكيل لجنة للنظر فى تسليم جولن
- تركيا تحذر الولايات المتحدة من السماح لـ"جولن" من السفر لبلد آخر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة