يكاد يكون هناك إجماع على أن التصعيد الإيطالى المفاجئ، بوقف تزويد مصر بقطع غيار طائرات الـ"إف 16" الحربية، والتلويح بوقف التفويض الذى منحته الحكومة الإيطالية لشركتى "أريا سبا وألكان" للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لمد مصر بتكنولوجيا تسهل عملية اعتراض الاتصالات لأغراض الأمن القومى، قد جاء غير مبرر، ويحيط به كثير من الغموض، لاسيما أن الجانب الإيطالى يعلم جيدًا أن قضية مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى التى تم الكشف عنها فى فبراير الماضى، ما زال يحيط بها كثير من الألغاز التى قد تحتاج إلى مجهود ضخم قد يمتد لسنوات، ليس من أجهزة التحقيق القضائية فحسب، ولكن من الأجهزة السيادية فى البلدين، لكشف الغموض الذى أثير حول "ريجنى" ذاته وملابسات مقتله.
وما أستطيع أن أؤكده أن التصعيد الأخير قد جاء رضوخًا لاستحقاقات انتخابية قادمة فى روما، وعلى رأسها الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها مايو من عام 2018، حيث اتخذت الأحزاب السياسية منذ منتصف فبراير الماضى من القضية ذريعة لضرب الحكومة الإيطالية وزعزعة شعبيتها، ومطالبتها باتخاذ إجراءات صارمة ضد مصر للكشف عن تفاصيل الحادث، وتقديم الأحزاب الرئيسية فى المعارضة الإيطالية بالفعل بمذكرة للبرلمان لحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء الإيطالى "ماتيو رينزى".
وقد أكد الدكتور محمود عوض الله، مسئول اتحاد المصريين فى أوروبا فى روما، تلك الفرضية، مؤكدًا أن الصراع السياسى شارك بشكل أساسى فى توسيع الأزمة بين مصر وإيطاليا، كما أن الأحزاب الإيطالية والمرشحين للانتخابات حاولوا التدخل فى الأزمة لإحراج الحكومة الحالية.
فى الوقت الذي أطلق فيه عدد من المنظمات الحقوقية العالمية نداءات تحريضية متتالية، بفرض عقوبات على مصر، تحت دعوى عدم تعاون الحكومة المصرية مع جهات التحقيق الإيطالية، وأخرها منظمة (العفو الدولية) التى طالبت وزير الخارجية الإيطالى فى نهاية يونيو الماضى، بالدعوة لإجراء تحقيق دولى للكشف عن ملابسات مقتل ريجينى، متهمة مصر بأنها لم تحرز تقدمًا فى القضية، وأنها لا ترغب فى التعاون الجاد مع التحقيقات الإيطالية، مشيدة بالموقف الإيطالى من استدعاء سفيرها فى القاهرة.
وهو ما أدانته الخارجية المصرية فى 22 يونيو الماضى، معربة عن دهشتها من تحريض المنظمة ضد مصر، وعدم انتقادها رفض جامعة كامبردج التعاون مع أسرة ومحامى ريجينى، ورفضها موافاة محامى الأسرة بأية معلومات قد تسهم فى الكشف عن أسرار الحادث.
ولعل الغريب فى التصعيد الأخير، هو أن روما تعلم جيدًا أن مصر تعاملت وما زالت تتعامل مع القضية بشكل شفاف للغاية، وأن جهات التحقيق المصرية قد تعاونت بالشكل الكافى، ووضعت كل ما لديها من معلومات أمام جهات التحقيق الإيطالية.
فى الوقت الذى لم تكشف فيه روما حتى الآن عن حقيقة شخصية "ريجينى" ذاته ومن يكون، وما حيثيته؟، حتى تثور ثائرة إيطاليا والاتحاد الأوربى لمقتله بهذا الشكل، خاصة أن الشواهد تؤكد أن من قام بخطفه وتعذيبه بهذا الشكل منذ يوم 25 يناير حتى يوم 2 فبراير، كان يعلم تمامًا أنه لديه معلومات، وأنه كان يحاول الحصول منه على تلك المعلومات (أى أن ريجينى ذاته عليه علامات استفهام)
كما أن تطبيق قاعدة البحث عن الجانى فى مثل هذه القضايا، والتى يتم بناؤها دائمًا على (الدافع من وراء الجريمة، والمستفيد منها) يؤكد أنه لا دافع ولا فائدة لمصر من قتل ريجينى، وأنه لا صحة إطلاقًا لما روجه البعض خارج مصر، من تورط أجهزة الأمن المصرية فى مقتله، لأنه ليس هناك جهاز أمنى فى العالم أيًا كانت درجة غبائه، من الممكن أن يقوم بجريمة تعذيب وقتل مثلما تم مع الشاب الإيطالى ويقوم بإلقاء جثته فى "طريق عام" بمثل هذا الغباء.. كما أن هناك عقيدة أمنية معروفة لدى كل أجهزة الأمن فى العالم تقول: (إنه لا يمكن لجهاز أمنى فى العالم القيام بجريمة داخل حدود دولته، إلا إذا كان قد أعد سيناريو الخروج منها مسبقًا).
أضف إلى ذلك توقيت إلقاء الجثة، والذى اختاره الجناة مواكبًا لزيارة وفد إيطالى رفيع المستوى إلى مصر، للاتفاق على عدد من المشروعات الاقتصادية أي أن الجانى تعمد أن يعود الوفد إلى بلاده وهو ناقم على مصر حكومة وشعبًا.
أؤكد أن الطليان يعلمون جيدًا أن جريمة مقتل ريجينى تحيط بها كثير من الألغاز، إلا أن الاستحقاقات والصراعات الانتخابية القادمة فى إيطاليا تتطلب استغلال القضية بمثل هذه القذارة، فى الوقت الذى تعمدت فيه قوى معادية، ومنظمات عالمية مدعومة، تأجيج الأزمة، واستغلال الأزمة ضد مصر، وأن البرلمان والحكومة الإيطالية قد استجابا لهذه الضغوط، رغم علم أجهزة الأمن والقضاء الايطالى بسلامة الموقف المصرى.
موضوعات متعلقة:
- بالصور.. لجنة متابعة قضية ريجيني بالبرلمان توصى بتبادل الزيارات مع برلمانات أوروبا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة