صوت يهز مختلف أرجاء مدينة الأقصر بصورة يومية وقت الإفطار ينطلق معلناً نور وملامح الجمال خلال الشهر الكريم، ويشرف على عمل المدفع رجال الحماية المدنية الذين يقومون يومياً بأعمال تنظيفه وكبسه بالبارود الذى يدوى بأرجاء مدينة الأقصر، والذى يعود عمره إلى عام 1871، أى منذ ما يقارب 145 عاما بمنطقة العوامية بمحافظة الأقصر.
ويعتبر إستعمال مدفع رمضان من أحد التقاليد والعادات الرمضانية فى المحافظات المصرية، حيث يخرج سنوياً من مخزنه مدفع عتيق يجذب عيون الناس باللون الأحمر المطرز فى جنباته، ويلهب بداخلهم حنيناً إلى ذكريات الماضى الجميل، وهو مدفع رمضان العتيق فى الأقصر.
ويعتبر مدفع الأقصر أحد مجموعة من المدافع التى وصلت إلى مصر فى عهد الخديوى إسماعيل من إنجلترا، حيث صنع عام 1871 من نوع كروب، نسبة إلى مصانع كروب التى كانت تنتجه فى ذلك الوقت وكان يستخدم فى حروب القرن التاسع عشر، وهناك جنود كانوا فى عهد الخديوى إسماعيل يجربون أحد تلك المدافع فى شهر رمضان حين انطلقت قذيفة عند الغروب فأحدثت دوياً هائلاً بحيث اعتقد الناس أن الحكومة أعلنت تقليداً جديداً للإفطار على دوى المدافع، وعلمت الحاجة فاطمة بنت الخديوى بذلك فأصدرت فرماناً بإستخدام هذه المدافع عند الغروب وعند الإمساك وفى الأعياد الرسمية، فأرتبط ذلك المدفع بإسمها فسمى "مدفع الحاجة فاطمة".
ومن التقاليد والتراث قديماً حول عمل مدفع رمضان بالأقصر، فقد كان فى ليلة الرؤية يخـــرج موكب مهيـــب من أمـــام مركـــز الشرطة، يتقدمه راكبو الخيل والموسيقى، يليهم صفان من الجنود على جانبى الطريق ثم المدفع مزين بالورود تجره أربعة خيول حيث يوضــع فى المكان المخصص له، وكان هذا المكان أمام مدرسة التجارة فى الأقصر، ثم تعددت بعد ذلك أماكن انطلاقاته، فتموضع خلف قسم الشرطة ومن ثم فى المنطقة المطلة على معبد الأقصر.
وعندما تم نقل إدارة المطافئ إلى مبناها الجديد أصبح يطلق من المنطقة المجاورة له، وكان صوته فى الماضى قوياً مجلجلاً تسمعه الأقصر كلها، أما اليوم فهو يسمع أحياناً ولا يسمع فى بعض الأوقات، ويرجع ذلك إلى اتساع المدينة وترامى أطرافها، ومن الطرائف التــى تروى عن المدفع أنه فى عام 1932، كان الطقس غائماً بشدة فى الأقصر وكان الجندى المكلف إطلاقه يعد المدفع للإطلاق لكنه أطلقـه قبل موعده بعشر دقائق فأفطر غالبية الصائمين، ومن الحوادث المؤسفة التى ارتبطت بالمدفع أن أحد الجنود أراد إطلاقه وخرجت الطلقة بصورة خاطئة أدت إلى بتر ذراعه.
وفى رمضان 1945 أتى إلى الأقصر أحد أصدقاء الملك فاروق وأقام فى فندق «ونتر بالاس» وقيل إن صوت مدفع الإمساك كان يزعجه ويوقظه من النوم، وطلب من الملك إصدار أوامره بعدم إطلاق المدفع عند الإمساك فطلب الملك من وزير الداخلية آنذاك محمود فهمى النقراشى بإصدار أوامره لمأمور الأقصر بعدم إطلاق المدفع ليلاً طوال بقاء ضيف الملك فى الأقصر، ورفض المأمور تنفيذ الأمر الصادر له فعوقب ونقل من الأقصر وكان يوم وداعه مشهوداً فى محطة سكك الحديد.
وبعد تلك الواقعة التى حدثت بأرض الأقصر، لم تمر أسابيع معدودة حتى اغتيل وزير الداخلية محمود فهمى النقراشى وهو متجه إلى مكتبه، كما اغتيل معه مساعده الخاص، فاعتبر الأقصريون ذلك انتقاماً إلهياً لأنه أخرس مدفع الإمساك أربعة أيام مدة بقاء ضيف الملك فى الأقصر.
ورغم مرور 145 سنة على وجود المدفع داخل مدينة الأقصر، إلا أنه مازال فى موقعه أمام الإدارة العامة لشرطة الأقصر وإدارة الدفاع المدنى فى المدينة، والتى تحافظ على هذا المدفع وتتولى صيانته ليكون جاهزاً للعمل سنوياً، وإطلاق قذائفه مع مواعيد الإفطار.
موضوعات متعلقة
بالصور.. بعد عودته مرة أخرى.. محافظ السويس يوجه بصيانة دورية لمدفع رمضان
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة