الناصرية اصطلاحاً هى النظام السياسى الذى كان سائداً فى مصر، فيما بعد ثورة 23 يوليو 1952 م، حتى سبتمبر 1970 م. وقد أطلق هذا المصطلح نسبة إلى الزعيم الراحل / جمال عبد الناصر، الذى حكم مصر إبان هذه الحقبة. وحين نتحدث عن عبدالناصر فإننا نتحدث عن شخصية كارزمية عالمية، أحدث فى بلده ـ مصر ـ تغيرات جذرية، سياسية، واجتماعية، واقتصادية. كما أحدث فى منطقته تغيرات على ذات المستوى من خلال مساعدته لحركات التحرر الوطنى فى أفريقيا والعالم العربى.
وقد امتد نشاطه الثورى إلى آسيا وأمريكا اللاتينية، ومساهمته الجادة ودوره البارز فى تأسيس منظمة عدم الإنحياز. القطب الثالث للعالم بعد أمريكا وروسيا ـ الإتحاد السوفيتى سابقاً ـ التى تبنت سياسة الحياد الإيجابى وعدم الإنحياز. وهو الزعيم الذى دق مسامير نعوش الإستعمار الغربى على نحو فعال وحاسم، حتى شيعه العالم إلى مثواه الأخير ـ فيما عدا الكيان الصهيونى ـ الذى لا يزال يحتل دولة فلسطين. زعيم شاب لأمة فتية، تبنت قضايا الأمة الكبرى، وتسعى إلى زعامة المنطقة على الأرض. هدفها الأسمى القضاء على دولة الكيان الصهيونى، وإعادة دولة فلسطين السليبة، وعودة اللحمة إلى الأمة المفككة. كل الأمال كانت منعقدة على هذه الزعامة الشابة، ومعلقة بعنقه، بمقدار الحب والعشق الذى منحه الشعب إياه. بعد إنجاز أهداف الثورة الستة ـ فيما عدا حلم الديمقراطية ـ على نحو ما صور الإعلام الناصرى، الذى لم يكن هناك غيره.
وفى يوم أغبر من تاريخ مصر الحديث وقعت الواقعة، هزيمة الحلم والأمل، وتبخر كل الطموحات، هزيمة يونيه 1967 م. ففى الوقت الذى كان يجلجل فيه صوت المذيع الأشهر ـ فى زمنه ـ أحمد سعيد، بالإنتصارات التى يحققها جيشنا فى زحفه المقدس تجاه الشرق، كان جيشنا ينسحب فى اتجاه الغرب بلا خطة انسحاب، تاركا أسلحته ومعداته نهباً لطائرات العدو وقواته. إنها هزيمة المشروع الناصرى، واندحاره. صحيح أن الشعب رفض الهزيمة، ورفض تنحى ناصر فى مظاهرات صاخبة، وأصر على بقاءه ـ رغم الهزيمة ـ لإزالة آثار العدوان، إلا أن ذلك لا ينفى حالة الصدمة التى أصابت المصريين. والوضع فى أعقاب النكسة عكس بلا ريب حقيقة الفساد الذى أصاب بعض القيادات السياسية والعسكرية، وأفضى إلى الهزيمة والإنكسار، ليس العسكرى فحسب، وإنما النفسى كذلك، لدى قطاعات عريضة، وخاصة الشباب منهم. وكعَرَض طبيعى لمرض الهزيمة، حدث ارتداد إلى الدين، والعودة إلى الله، للبحث عن مرفأ نجاة. وبدأت قطاعات من الشعب تراجع موقف النظام من قضايا الإخوان، فى ظل حالة الكذب والغش والتدليس التى مورست ما قبل، وما بعد النكسة.
وتخفيف القبضة الأمنية للنظام ـ إن لم يكن تراخيها ـ فيما يتعلق بقضايا كانت تمثل قضايا أمن قومى من قبل. وبعد أن كان المسجد يقتصر فى نشاطه على الدور التقليدى ـ تدارس فقه العبادات ـ بدأت أنشطة أخرى تتسرب إليه، وانحسرت القبضة الأمنية عن الخطاب الدينى السياسى رويداً رويداً، حتى توفى عبدالناصر. وفى أعقاب تولى السادات الحكم، وقد جرى حسابه على نظام عبدالناصر، فى جزء من فترته الرئاسية، كانت الجماعة الإسلامية قد بدأت تتشكل ذاتياً، من خلال أنشطة ذاتية بدائية مدفوعة برغبة مدفونة فى التعرف على الدين، كرد فعل طبيعى يمثل محاولة للبحث عن تفسير للكون والوجود. وكان الأمر لا يخلو من تعاطف مع قادة الإخوان الذين أفرج عنهم السادات، وأطلق يدهم فى الجامعات والمجتمع، حتى يحدثوا له التوازن المتخيل مع التيارات الأخرى، المناوئة لوجوده فى سدة الحكم. فانقسم شباب الجماعة الإسلامية إلى ثلاث فرق، فريق انضم لجماعة الإخوان، وآخر أسس للسلفية، خاصة فى مدينة الأسكندرية، والثالث أسس للجماعة الإسلامية، والتى اتخذت من الصعيد معقلاً لها. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤالاً افتراضياً: ما هو وجه مصر المتوقع، لو لم تقع حرب يونيه 1967 م ؟. الله أعلم.
حسن زايد يكتب: الناصرية ودورها فى تأسيس الجماعة الإسلامية
الخميس، 23 يونيو 2016 06:00 م
حسن زايد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة