الإنسان ضعيف بوصفه فردا، قوى باجتماعه مع الآخرين، وشعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره فى أى مجال، فأمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البرّ والتقوى.
والإنسان قد شاركته جميع الحيوانات فى حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والسكن وغير ذلك وإنما تميّز عنها بالفكر الذى يهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيّء لذلك التعاون، والتعاون ضرورى لشد العَضُد كما قال الله تعالى لموسى عليه السلام: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} (القصص: 35)، وقال ورقة بن نوفل للنبى صلى الله عليه وسلم: " وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أى أعاونك وأؤيدك فى نشر دعوتك، وقال جَابِرٍ رضى الله عنه «مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِى مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِى الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّى وَلَهُ الْجَنَّةُ»
وقد تعاون الصحابة فى الجهاد فى صد العدوان وفى مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم فى ذلك ما أصابهم فصبروا، فعن جابر رضى الله عنه أنه قال: «لما حفر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد.............»
ويدخل فى التعاون: التعاون فى تأليف الكتب، فقد جاء فى ترجمة الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقى رحمه الله أنه " ولع بتخريج أحاديث الإحياء ورافق الزيلعى الحنفى فى تخريجه أحاديث الكشاف وأحاديث الهداية فكانا يتعاونان. " فاستفدنا من ذلك تخريج ثلاثة كتب صارت من أهم المراجع لطلاب الحديث. وهذا الاشتراك فى العمل الصالح له اجر عظيم وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِى صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِى بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ»
ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل بعض الناس أغنياء، والبعض الآخر فقراء؛ ليساعد بعضهم بعضا، خاصة فى أمور معاشهم، ومعاونتهم على شظف الدنيا، ومواساتهم فيها، ويشهد لذلك ما رواه البخارى عَنْ أَبِى مُوسَى أنه قَالَ، قَالَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِى الْغَزْوِ أو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ» (صحيح البخارى 2306)
قَوْلُهُ: (إِذَا أَرْمَلُوا) أَى فَنِى زَادهمْ، وفى الحديث: فَضِيلَة الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ , وَاسْتِحْبَاب خَلْطَ الزَّاد فِى السَّفَرِ وَفِى الإِقَامَةِ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. لعل من أهم صور التعاون؛ تعاون كل من تجمعهم مهمة واحدة لإنجاز هذه المهمة على الوجه الذى يرضى الله تعالى، وهذا هو مفهوم توجيه النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إلى الْيَمَنِ حيث قَالَ «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا» (رواه البخارى 2811)
وتلك الوصية النبوية جاءت لتؤصِّل عند جميع المسلمين دور التعاون فى إنجاح جميع الأعمال والمهامّ حتى العظيم منها، ولهذا كان من أوائل ما اهتم به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عقد أسباب التعاون، وكان ذلك بأن آخى بين المهاجرين والأنصار ليحصل بذلك مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء ؛ وذلك لأن المعاونة تورث المحبة والترابط.
وقد قيل لسعيد بن عامر بن حذيم (أحد السلف): إن أهل الشام يحبونك؟ قال: لأنى أعاونهم وأواسيهم.
وكذلك التعزية هى التصبير وذكْر ما يسلّى صاحب الميت ويخفف حزنه ويهوِّن مصيبته وهى مستحبة لأنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى أيضا داخلة فى قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
محمد محمود حبيب يكتب: عن أهمية التعاون والتكافل فى حياتنا أتحدث
الإثنين، 29 فبراير 2016 10:00 م
ورقة وقلم - أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة