نقلا عن العدد اليومى...
-أبو نواس أول من اشتهر عربياً فى الغزل بالمذكر.. ونزار قبانى تحدث عن المثلية الجنسية
هل بدأت الكتابة فى العالم لأن رجلا أحب امرأة وأعجبه جمالها فتغزل فيها، وفى الشعر هل القصيدة الأولى كانت غزلية؟، لنا أن نتصور ذلك وأن نصدقه، فمنذ الأساطير الأولى كان الجسد ووصفه ضيف كل حكاية وشريك كل كلام مقدس أو بشرى، فمنذ حكاية إيزيس وأوزوريس وملحمة جلجامش ومغامرات عشتار ووصايا باخوس ورومنسيات فينوس كانت المرأة بجمالها ساكنة فى التفاصيل تعطى النص وجدا وحيوية، كما نجده فى جميع الكتب السماوية والسرديات الفقهية والأحاديث الشريفة.
وقد ساهم العلماء والأدباء والشعراء والقضاة والفقهاء وعلماء الدين والشيوخ الكبار فى تأسيس علم الجمال العربى الجسدى وكان الكتاب قديما يسمون الأشياء بأسمائها، ومن ذلك كتب «طوق الحمامة» و«محاضرات الأدباء» للراغب الأصفهانى، والعقد الفريد لابن عبدربه، ولا يخفى ما للشاعر أبى نواس من قصائد وقفها كلها على الجنس.
كذلك كتب مثل «تحفة العروس ومتعة النفوس» للتيجانى و«عودة الشيخ إلى صباه» و«نزهة الألباب فيما لا يوجد فى كتاب» للتيفاشى و«المحاضرات» للراغب الأصبهانى، و«ألف ليلة وليلة» و«حماسة أبو تمام» و«الأغانى للأصفهانى» و« الحماسة المغربية».
فالتراث العربى ممتلئ بالكتابة عن الجسد وجمالياته وحتى وظائفه، وليس كتاب ألف ليلة وليلة هو الوحيد الذى به جرأة الكتابة الحسية فالجاحظ وأبو حيان التوحيدى والإمام السيوطى وغيرهم من المفكرين والأدباء كانت لهم إسهامات كتابية تتحدث صراحة عن الجسد والأدباء المعاصرون أيضا كان للكتابة الجسدية نصيب من كتابته.
فمنهم من دخل إليها من باب الطرائف والفكاهات على نحو ما نجده فى الكتب الأدبية العامة مثل كتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه الأندلسى، و«الأغانى» لأبى الفرج الأصفهانى، و«البصائر والذخائر» لأبى حيان التوحيدى، و«نهاية الأرب» للنويرى.. ومنهم من عالجها من خلال التراث اللغوى مثل المخصص لابن سيده، ولسان العرب لابن منظور.. ومنهم من سلك إليها سبيل الطب؛ فوضح علاقة الجنس بالصحة مثل كتابات الرازى وابن سينا.. كما ثمة من تناولها برفق شديد من خلال حديثهم عن الحب العذرى كابن داوود فى الزهرة، وابن حزم فى طوق الحمامة، والسرّاج فى مصارع العشاق، وابن القيم فى روضة المحبين.
كما وجدت كتب عُنيت بتنظيم الشرع للعملية الجنسية، مثل كتاب أحكام النساء لابن الجوزى، وأدب النساء لابن حبيب الأندلسى، وتحفة العروس للتيجانى، كذلك كتب التفسير التى تعرضت للمسألة الجنسية بأنحائها المختلفة، خاصة عند تفسير الآية «نساؤكم حرث لكم» وغيرها من الآيات التى تتعلق بهذه المسألة.
وتشغل المرأة جانبا كبيرا فى الشعر العربى وعادة ما تكون فى القصائد جميلة وبهية وملهمة للشاعر لكنها أحيانا تكون لها صفات أخرى يحبها مجموعة من الشعراء المبدعين منها: الشبق وفى هذا الموقف يكفى شعر امرؤ القيس الذى أحب الكثيرات ومنهن أم مالك، وأمّ جندب، وأمِّ الحويرث وجارتها أمِّ الرباب، وليلى، وسلامة وقذور، وهرٍّ، والرَّباب، ورقاش، وسليمى، والخنساء، وفاطمة وعنيزة حيث وصف إحدى علاقاته النسائية بقوله/ أَلْهَيْتُهَـا عَنْ ذِى تَمَائِمَ مُحْـوِلِ/ إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا/ انْصَرَفَتْ لَهُ بِشَـقٍّ وتَحْتِى شِقُّهَا لَمْ يُحَـوَّلِ، فهى بالنسبة له امرأة شبقية جدا نسيت ولدها ولم تنتبه إليه حتى أنه لو بكى لأعطته نصف اهتمام لكونها مشغولة بما هى فيه.
بينما الشاعر الأعشى كان يحب المرأة الممتلئة التى تكاد جوانبها أن تتفتق ويعتبر ذلك من صفاتها الجميلة التى توضح مدى الحياة المرفهة التى تعيشها حبيبته، يقول:
يَكادُ يَصرَعُها، لَوْلا تَشَدّدُهَا/إذا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ/ إذا تُعالِجُ قِرْناً سَاعة فَتَرَتْ/ وَاهتَزّ منها ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ/ مِلءُ الوِشاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَة/إذا تَأتّى يَكادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ
بينما كان عمرو بن كلثوم يحب المرأة الممتلئة جدا بصورة مفرطة ويحدد فى صفاتها أن تكون طول القامة مع بدانة فى الجسم، أى قامتها طويلة لذا تسمى الفارعة مكتنزة الجسم فى مواصفات جميلة مشوبة بالسمنة غير الثقيلة إلا فى الأرداف والعجز فإن الثقل فيهما محبوب ومرغوب على أن تكون نحيلة الخصر مطوية البطن فيقول، فى معلق سمنت وطالت ردافها تنوء بما ولينا، ويقصد أنها سمينة طويلة الأرداف ثقيلتها كما يقول الأعشى أيضا: تمشى فتثقلها روادفها/ فكأنها تمشى إلى خلف ويقول مسلم ابن الوليد فغطت بأيديها ثمار صدورها/ كأيدى الأسارى أثقلتها الجوامع.
وهناك قصيدة مشهورة تسمى «القصيدة اليتيمة.. للشاعر «دوقلة المنبجى» وقصة هذه القصيدة أن أميرة عربية فى غاية الجمال، اشترطت مهرها أن يكون أجمل قصيدة وصف لها، تصفها من رأسها حتى أخمص قدميها، وحددت يوما لذلك، ويكون صاحب القصيدة زوجا لها، وتقول القصيدة، والـصــدر مـنـهـا قـــد يـزيـنـه/ نـهـدٌ كـحــق الـعــاج إذ يـبــدو/ ولــهــا هــــن رابٍ مـجـسـتـه/ وعـر المسالـك، حشـوه وقــد/فـإذا طعنـت، طعنـت فــى لـبـدٍ/وإذا سللت يــكــاد يـنــســد/ والـتـف فـخـذاهـا، وفوقـهـمـا/ كفـل يـجـاذب خصـرهـا نهد/ فقيـامـهـا مـثـنـىً إذا نـهـضـت/ مــن ثقـلـه، وقعـودهـا فـــرد
ويعتبر أبو نواس أول من اشتهر عربيا فى الغزل بالمذكر ويرجع البعض ذلك لأسباب نفسية على الأكثر، ولأنه كان مجنيًا عليه فى صغره من قبل أستاذه والبة بن الحباب، فقد عمد أبو نواس إلى التغزل بالمذكر فى مقدمة قصائده بدل الوقوف على الأطلال ومخاطبة الأنثى، وفى قصيدة له يعرض فيها بالعشاق العرب، لأنهم أحبوا نساءً ولم يلتفتوا إلى حب الغلمان، ويرى فى حب الرجل لغلام، لذة لا ترقى إليها لذة حبه للمرأة، يقول أبو نواس فى غلام له أسماه رحمة متغزلا به (أحببت من شعره بشار لحبكم.. بيتًا كلفت به من شعر بشار، يا رحمة الله حلى فى منازلنا.. وجاورينا فدتك النفس من جار، إذا ابتهلت سألت الله رحمته.. كنيت عنك وما يعدوك إضمار).
تحدث نزار قبانى عن المثلية الجنسية فى «القصيدة الشريرة» قائلا: مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتها معها، ولتشرين نواحُ/ والباب تئنّ مفاصله ويعربد فيه المفتاحُ/ شىءٌ بينهما.. يعرفه اثنان أنا والمصباحُ، وحكاية حبٍّ.. لا تحكى فى الحب يموت الإيضاحُ.
أما الكتب فمنها «ألف ليلة وليلة» والتى طالما كانت هدفا لسهام من يرون فيها نصا جنسيا صريحا، ومن هنا كانت دعوة البعض المتكررة إلى وقف طبع الليالى، فهى-فى زعمهم-نص ضد الأخلاق ويروج للخلاعة والمجون.
فعبر صفحات الليالى حديث مفصل عن العلاقات الجنسية وأسماء للأعضاء الجنسية للإناث (حكاية الحمال مع البنات) فضلا عن إشارات للعلاقات المثلية (حكاية قمر الزمان مع معشوقته).
معظم كتب الجاحظ ومنها البيان والتبين والحيوان والرساءل حيث ذكر فى رسائله «عُرضت جارية على المتوكل فقال لها: إيش تحسنين؟ فقالت: عشرين لونا من الرهز فأعجبته فاشتراها».
وأبو حيان التوحيدى كانت كتبه تحفل بالمرأة ومن ذلك كتب الإمتاع والمؤانسة والصداقة والصديق والبصائر والذخائر الذى يحتوى على قطع أدبية مسموعة ومنقولة، وفيه نقد شديد للمجتمع ويحتوى الكتاب قدرا كبيرا من الألفاظ الجنسية التى تقدم صورة للمجتمع القرن الرابع الهجرى، والملاحظ فى الكتاب أن التوحيدى كان يسمى الأشياء بأسمائها، كما كان ينقل حكايات كثيرة على لسان النساء الجوارى والحرائر ويجعلهن ينطقن بكل حرية بما يجول فى نفوسهن من شهوة ولا تقل جرأتهن عن النساء.
أما مفاجأة التراث فتكمن فى كتاب «نواضر الأيك..» للإمام السيوطى الذى اختلف الدارسون فى عدد كتبه التى أثرى بها المكتبة الإسلامية، فمنهم من رأى أن العدد 561 كتابا وهو ما ذكره «فلوجيل» وأما « بروكلمان» فقد عد له 415 كتابا ومن أهم كتبه نواضر الأيك، وكذلك له فى الحديث عن الجنس كتب: رشف الزلال من السحر الحلال، والوشاح فى فوائد النكاح، وشقائق الأترج فى رقائق الغنج، والإفصاح فى أسماء النكاح، وضوء الصباح فى لغات النكاح وكتاباته غاية فى المجون وهو لا يوردها ناقدا لها أو ساخرا منها وإنما متغنيا بها ومنتشيا لروايتها.
وكتاب «رجوع الشيخ إلى صباه فى القوة على الباه» للإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا، قام بتأليفه بإشارة من السلطان سليم الأول وأتم طباعته فى سنة 903 هـ وهو يحتوى قصصا من الأدب العربى القديم، يتحدث عن المعاشرة الجنسية ومنه جزء يتعلق بأسرار الرجال وما يقويهم على النكاح من الأدوية والأغذية، والجزء الثانى يشتمل على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار النساء وما يناسبهن من الزينة.
تعد رواية الخبز الحافى من أشهر ما كتب المغربى محمد شكرى، سنة 1972 وترجمها إلى الإنجليزية بول بولز سنة 1973 وترجمها إلى الفرنسية الطاهر بنجلون سنة 1981 ولم تنشر بالعربية حتى سنة 1982، وترجمت إلى ثمانية وثلاثون لغة أجنبية، والرواية تحكى الرواية مأساة إنسان أبت ظروفه إلا أن يبقى فى ظلمات الأمية حتى العشرين من عمره فكانت حداثته انجرافاً فى عالم البؤس حيث العنف فى بيئة مسحوقة خاضعة تحت وطأة الاستعمار وما ينتج عنه من انتشار الفقر والجوع والجهل والأوبئة، والأكل من المزابل وألفاظ ترعرع بطل الرواية وسط أسرة كان دور الأب فيها ظالما وقاسيا، يتعاطى السعوط ويسب الإله، العنف الذى نشأ فيه الابن، يفضى إلى تدميره روحيا وقيمياً وأخلاقيا، واحتوى الكتاب على الكثير من الألفاظ الخارجة والأوضاع الجنسية الغريبة والشاذة.
جسد المرأة يدفع ثمن الحرب على الخيال
يتفنن العالم العربى بالعصر الحديث فى خوض كثير من المعارك الوهمية والمصنعة، فبعد أن تمكنت الحركات السلفية، وتعالى صوت الأصوليات فى أواخر القرن العشرين، وأصبح لها أثر كبير فى الشارع المصرى نتيجة تزايد عدد العاملين فى الخليج، كان نتيجة طبيعية أن تظهر معارك لم يكن المصريون يعرفونها من قبل، أو لعلها كانت خافتة، ولم تكن بهذه الحدة التى تعالج بها الآن، ومن خلال ذلك يمكن قراءة أزمة الكاتب أحمد ناجى، الذى حكمت المحكمة بسجنه سنتين، بتهمة خدش الحياء، بعد نشر فصل من روايته «استخدام الحياة» فى جريدة أخبار الأدب.
معظم هذه القضايا تدور فى مجملها حول المرأة وجسدها، وحول حاله بين العرى والستر، فما زال الكثيرون يرون وجود المرأة عورة، ويرون تناول جسدها فى معرض فن تشكيلى أو أن تكون موضوعا لقصيدة أو قصيدة شعرية، سبة فى جبين الجميع، هذا مع أن التراث الإسلامى يحمل رأيا مغايرا لذلك.
ويحسب لأزمة أحمد ناجى أنها فتحت الباب أمام قراءة جديدة للتراث وقيمه الجمالية، التى تحفل بالجسد، وتعلى من مكانته الحسية، وفى الوقت نفسه تكشف الصدأ الذى أصبحنا نعانى منه بعد اختلاف معايير الفن، فأصبحت لدينا الكتابة النظيفة والسينما النظيفة والمجلات النظيفة، وكأن ما غير ذلك هو «قذر» لا يجوز الاقتراب منه.
يدور عالمنا العربى فى فلك من الفراغ، وتظل المرأة وجسدها يدفعان ثمن الأفكار الظلامية الشاذة التى تتفتق أذهاننا عنها أو نستوردها من العالم الخارجى أو حتى نستعيدها من الماضى السحيق بها.
عدد الردود 0
بواسطة:
Kamal elgendy
حقيقة العرب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
بين العرب و الغرب