بعد نحو أسبوعين وبمدينة الغردقة ينطلق المؤتمر الوطنى الأول لعلماء مصر فى الخارج تحت شعار "مصر تستطيع"، والذى تنظمه وزارة الهجرة بالتعاون مع شبكة تليفزيون النهار.. وبحسب التصريحات الصادرة من وزارة الهجرة فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي وافق على رعاية هذا المؤتمر، بينما وافقت 28 قامة علمية عالمية مصرية على حضور المؤتمر، لتقديم خبراتهم لمصر، ويشارك فى المؤتمر نحو 19 وزارة فى الحكومة أعلنت عن رغبتها فى التواصل مع علماء مصر، وأنه قد تم اختيار 10 من الباحثين المصريين المتميزين، وأيضًا 60 طالبًا من المتفوقين علميًا لحضور هذا المؤتمر.
كنا قد تناولنا فى مقالنا أمس السبت حالة التميز التى تميزت بها مصر فى وضع إستراتيجياتها لمواجهة المستقبل، ليأتى هذا المؤتمر المزمع عقده يومى 14، و15 ديسمبر الجارى فى عمق ما سبق وتناولناه عن العلمية والمنهجية فى كيفية وضع إستراتيجيات التخطيط العالى للدولة بما يؤدى إلى دفعها للأمام والتقدم من نواحٍ مختلفة، خاصة أن هذا المؤتمر يأتى فى وقت بالغ الأهمية فى تاريخ مصر وهى تسعى لتصبح واحدة من أقوياء العالم سياسيًا واقتصاديًا، وأن هذا المؤتمر يدشن لهذه الحالة على المسارات التالية:
أولاً:
أن هذا المؤتمر يأتى فى صورة أول نموذج عملى للتعاون بين الحكومة ومؤسسة وطنية خاصة وهى "شبكة تليفزيون النهار".. وما يحمله هذا التعاون من دلالات مهمة تتعلق بالحكومة من جانب، وتتعلق بالمؤسسات الخاصة من جانب آخر.. فمن جانب الحكومة فإن هذا يعنى أن الحكومة أصبحت تدرك أنه لا يمكنها مواجهة التحديات بمفردها، فقد كانت الحكومات فى السابق تتعالى على القطاع الخاص، وتتردد كثيرًا فى إشراكه فى عملية التنمية إلا بالقدر اليسير، وهو ما يقطع أن حالة من التغيير قد حدثت فى البنية التحتية للفكر الحكومى وما يؤديه ذلك من تطوير للمجتمع واستنهاض قوته.. أما فى جانب المؤسسات الخاصة فهو الأمر الذى جعلنا نتأكد أن مؤسسات وطنية خاصة على استعداد للقيام بدورها الوطنى لصالح المجتمع، وأن شبكة تليفزيون النهار تقدم النموذج الوطنى فى قراءة الحاجات المصرية والتفاعل معها، ليكتب التاريخ أن تليفزيون النهار كان رائدًا فى تحمل مسئولية هذا العمل وذلك التوجه لتستعيد المؤسسات الوطنية الخاصة دورها الوطنى والريادى والفاعل فى تقدم الوطن فى أى شكل أو صورة من التشاركية والتنسيق والتعاون.
ثانيًا:
فى سنوات سابقة كانت تخرج بعض المبادرات المتفرقة والتى لم تتخل عن طابع الشخصية للتواصل مع العقول المصرية التى برعت ونبغت فى الخارج، وأصبحت قامات عالمية فى تخصصاتها المختلفة ويتابعها الناس حول العالم، وكنا نصفهم فى إعلامنا بـ"الطيور المهاجرة"، وأذكر أن كثيرًا منهم تقدم للدولة المصرية برغبات تقديم خبراتهم لمصر، إلا أن الروتين الإدارى والبيروقراطية المقيتة وعدم وجود توجه سياسى فى هذا الشأن كان يؤدى إلى فشل هذه المبادرات، وهو ما كان يؤدى فى كثير من الأحيان إلى حالة من الإحباط العام لدى علماء مصر فى الخارج.. وكان لابد من مبادرة منظمة تحقق التنسيق بين الحكومة وعلماء مصر، وهو ما نجده حاضرًا فى هذا المؤتمر بتضافر جهود الحكومة والمؤسسات الوطنية الخاصة ورغبة علماء مصر فى الخارج، وفوق ذلك وبعده برعاية رئيس الجمهورية.
ثالثًا:
عندما يكون توجه الدولة حاضرة فى هذا المؤتمر، فهذا يعنى أن الإرادة السياسية تتجه ناحية إنجاح أى عمل وطنى مخلص، فبدون الإرادة السياسية تصبح مثل هذه المؤتمرات مجرد "مكلمخانة" لا تؤدى إلى نتيجة أو استفادة، ويعود العلماء ثانية إلى الخارج وقد فقدوا فورة حماسهم.. وهذا التنسيق وتلك الإرادة هى واحدة من أهم عوامل نجاح الاستفادة من قدرات علمائنا فى الخارج، وهو الأمر الذى لمسناه منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى فور توليه مسئولية الحكم عن تدشين مجلس استشاري للرئيس من علماء مصر، وهو ما يؤطر إلى وجود حالة من التفاعل والتلاقى بين الدولة والعلماء فى الخارج.
رابعًا:
كانت الحكومة فى الماضى تسمع عن هذه المؤتمرات من الصحف والإعلام، وكل وزير لا يعير الأمر اهتمامًا، ويعتبر نفسه فى درجة أعلى وأسمى من هؤلاء العلماء، وهو ما كان يؤدى إلى انتقال الوزير إلى جدول أعماله اليومية دون أن يضع فى اعتباره حتى الاطلاع على نتائج المؤتمر، ولكن فى هذا المؤتمر الوطنى الأول لعلماء مصر فى الخارج فقد علمنا أن 19 وزارة فى الحكومة طلبت مشاركتها فى المؤتمر والتباحث مع العلماء فى قضايا تتصل بوزاراتهم، وهو ما يؤكد أن مرحلة جديدة فى الفكر الحكومى قد بدأت تتبلور وتترسخ وهو الاعتماد على العلم وبناء الإستراتيجيات القائمة على آخر ما توصل إليه العلم، وقائمًا على الواقع.
خامسًا:
أن المؤتمر الوطنى الأول لعلماء مصر فى الخارج، يأتى بعد النجاح الهائل للمؤتمر الوطنى الأول للشباب الذى تمخض عن توصيات ولجان عمل أهمها الإفراج عن الشباب المحبوسين الذين لم يرتكبوا أعمال عنف ضد الدولة، وهو ما يعنى أن مصر قد اكتسبت خبرة إنجاح مثل هذه المؤتمرات المهمة والتى تمثل نقاط تحول فى سلم أولويات المجتمع المصرى، وهو ما يدفعنا إلى مطالبة الرئيس –وهو الحريص على إنجاح هذا المؤتمر– إلى حضور جلسات المؤتمر أو على الأقل الجلسة الختامية، وهو ما يغرس فى نفوس علمائنا رغبة الدولة فى الاستفادة من خبراتهم.. أسوة بالمؤتمر الوطنى الأول للشباب، على أن ينعقد هذا الملتقى تحت نفس العنوان "مصر تستطيع" وبعد تشكيل أمانة عامة للمؤتمر فى أماكن متفرقة من العالم حيث يتواجد علماء مصر.
سادسًا:
من الملاحظ أن هذا المؤتمر قد تم الإعداد والترتيب له جيدًا، سواء من جانب الحكومة التى تشارك بشكل فاعل، أو من جانب المؤسسات الخاصة ممثلة فى "شبكة تليفزيون النهار" وأن اختيار 10 من أهم الباحثين فى مصر فى مختلف التخصصات، وأيضًا 60 طالبًا متفوقًا من الجامعات المصرية يؤكد أن القائمين على تنظيم هذا المؤتمر يدركون قيمة التواصل بين الأجيال المختلفة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا المؤتمر.
سابعًا:
أن هذا المؤتمر يمثل نقطة انطلاق فى السياحة المصرية خاصة سياحة المؤتمرات، وهذا يعنى أنه على وزارة السياحة والهيئة العامة للاستعلامات استثمار هذا الحدث خاصة أنه يبعث برسالة طمأنة جديدة للعالم عن الأمن والآمان فى مصر، وهو ما يمثل البعد الأهم فى منظومة السياحة المصرية خاصة أن علماءنا -حضور المؤتمر- هم من الشخصيات المؤثرة والفاعلة على مستوى العالم، وأن محركات البحث عنهم عالية جدًا على المستوى الدولى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة